كان من المفترض ان الرئيس البرازيلي السابق لويس ايناسيو لولا دا سيلفا وزوجته ماريزا أن يمثلا امام الادعاء يوم 17/02 للتحقيق معهم بمحاولة شراء شقة باحدى المدن الساحلية بولاية ساوبولو، والتي قد ادت الى اشتباكات بين مؤيدين ومعارضين لهذه الملاحقة من قبل الادعاء البرازيلي، حيث تشهد البرازيل تحقيقات بحالات فساد كبرى شهدتها شركة البترول الوطنية، تركزت التحقيقات على فترة الحكم العمالي خلال ال 12 سنة الماضية، الفساد، ليس فساد اليوم او السنوات السايقة انما فسادا مستشريا منذ عقودا، حتى الشعب البرازيلي صار يعتبرها عادية، وهناك الكثيرون المتهمين بالفساد حصلوا على اعلى الاصوات بالحملات الانتخابية كفيرناندو كولور وباولو معلوف وغيرهم.
التركيز على الفساد خلال فترة زمنية وعلى رموز محددة، تابعة لحزب العمال الحاكم، واستثناء حكام ولايات محسوبة على المعارضة وشخصيات اخرى ايضا محسوبة على المعارضة امثال Aecio Neves ,وفيرناندو هينريكي وغيرهم، تشير ان القضية هي اكبر من ذلك، فهي سياسية من انها قضية محاربة الفساد واستئصاله، فكل المؤشرات تقول ان الادعاء البرازيلي والقضاء والبوليس الفيدرالي يسعى تحت اسم القانون الى "تأديب حزب العمال ورموزه" على انجازاتهم الوطنية لصالح الطبقات الفقيرة والكادحة بالمجتمع البرازيلي، فكما قال لولا "انهم يستهدفوا المشروع الذي ثبتناه خلال فترة حكمنا، وهنا يجب علينا الدفاع عن هذا المشروع"، مشروع المساواة والعدالة ومكافحة الفقر والجوع، وتعزيز العلاقات وتمتينها على كافة الاصعدة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا على صعيد دولي وعلى وجه التحديد مع دول الجنوب من الكرة الارضية، ومواقف البرازيل من الكثير من القضايا الدولية التي كانت بمجملها مؤيدة للشعوب وسيادة واستقلال الدول، ومواقفها المشرفة من القضية الفلسطينية واخرها قضية تعيين داني ديان سفيرا صهيونيا بالبرازيل، والتي ما زالت البرازيل ترفض تعيينه سفيرا لديها.
الاعلام البرازيلي والمخابرات العامة وجهاز القضاء لا يذكروا ويلاحقوا الاسماء الاخرى من المعارضة التي تم الاعتراف عليها والمتهمة بالفساد، مما يزيد من شكوك حقيقة مقاومة الفساد وملاحقة الفاسدين، لتأتي الاحداث كل يوم وتؤكد ان القضية هي اكثر سياسية منها كقضية فساد، وانها جزءا من الحملة التي تعمل على تقويض انجازات اليسار بكل القارة اللاتينية، والحاق هزيمة باليسار لا تسمح له بالعودة الى مواقع القرار قريبا.
على اثر الاحداث وتطورها تشكلت الجبهة البرازيلية الشعبية من احزاب اليسار الاساسية وكبرى الاتحادات النقابية والطلابية والحركات الاجتماعية، التي ستلتقي يوم الاثنين القادم 22 شباط لمناقشة التطورات الاخيرة بالبرازيل ومواجهة الهجمة التي يواجهها الرئيس السابق لويس ايناسيو لولا من قبل اليمين باسم القانون وبتغطية اعلامية منحازة من كبرى وسائل الاعلام البرازيلية، والبحث بأليات مواجهة هذه الحملة والتصدي لها، لان هذه القوى وصلت الى قناعة ان المستهدف ليست فقط شخصية لولا وانما اليسار بمجمله، فالمواجهة غير مقتصرة على البرازيل فسبقتها قبل ذلك فنزويلا والارجنتين والان البرازيل وستكون بوليفيا الدولة القادمة بعد ذلك، وأن قوى اليسار البرازيلي على قناعة تامة ان الحركة الصهيونية والنظام الراسمالي بقيادة امريكا تقف وراء الاحداث وما يجري بالبرازيل، فقد كرم الكيان الصهيوني من خلال الجامعة العبرية قاضي محكمة العدل العليا البرازيلية الذي زج قيادات تاريخية عمالية بالسجون بعد ادانتها بالفساد.
اليسار بكل قارة امريكا اللاتينية مستهدفا، فما حصل بفنزويلا قد يتكرر بالبرازيل، وقد يلحق اليسار هزيمة كاسحة بانتخابات البلديات، وما زال لولا حتى اللحظة يحصل على تاييد كبير ضمن استطلاعات الرأي، بنسبة 33% وهي اكبر نسبة مقارنة مع منافسيه في حال ترشحه لخوض الانتخابات اليوم، فهذا يقلق اليمين البرازيلي ويقلق الصهيونية والولايات المتحدة الامريكية ومجمل النظام الراسمالي، فملاحقة لولا حتى لو لم تثبت التحقيقات اي تهمه عليه، فهي مطلوبة ومرحب بها من قبل اليمين لمنعه من الترشيح وللتمهيد لخسارة له بحال اذا رشح نفسه فعليا باي انتخابات قادمة، ومن هنا جاء القرار بتشكيل جبهة البرازيل الشعبية والتحرك السريع قبل فوات الاوان لان الخسارة ستكون خسارة اليسار بكل القارة وخسارة عالمية لكل قوى التحرر والتقدم التي تقف بوجه الامبريالية العالمية وعلى راسها الولايات المتحدة الامريكية والحركة الصهيونية وكيانها اسرائيل، فإن دعم الجبهة اليوم اكثر من ضرورة من كل قوى التحرر والتقدم بالعالم، وجاليتنا الفلسطينية والعربية بالبرازيل مطالبة اليوم اكثر من اي وقت مضى الوقوف مع هذه الجبهة ودعمها بكل ما يمكن، من اجل الحفاظ على الانجازات الفلسطينية والعربية التي تحققت على مدار السنوات الماضية.
جادالله صفا - البرازيل
20 شباط 2016