الاحتلال منذ عشر سنوات وهو يحاصر غزة, والسلطة في رام الله إما صامته وإما متخاذلة ومشاركة, ومصر لا تتوقف عن ابتداع سبل وطرق اعنف مما يرتكبه الاحتلال في اختلاق ادوات جديدة للحصار, اعتاد الشعب على حصار المحتل وايقن ان قضيته قضية وطنية يواجه فيها المحتل ويقاومه مقاومة شعبية لا يملك فيها من ادوات سوى الصبر والثبات .
لكنه لا يستطيع استيعاب صمت سلطته التي من المفترض انها تحمي مصالحه وتدافع عنه وعن حقوقه حتى وإن كانت منسقة مع الاحتلال أمنيا ومرتبطة معه ضمن اتفاقات مهينة ومخزية اطلق عليها اتفاقيات سلام!!
حصار مصر مريرا مرارة الحنظل فهو يأتي من اهلنا من جيراننا من ابناء جلدتنا من عمقنا العربي الذي اعتقدنا انه حاضنتنا وانه بوابة تفتح على مصرعيها لهذا الشعب المظلوم المحاصر الذي يتعرض بين حين واخر الى ارهاب غير مسبوق من قتل ودمار يضاف الى الحصار!!
في غزة بين اروقتها وفي محطات حياتها هناك شعب يعيش الفتات ولا يجني سوى ما يسد رمقه من لقيمات تبقيه على قيد الحياة, ناهيك عن ما يتسبب به الاحتلال من حصار تزداد معناة الشعب وويلاته مما يفرض عليه من ضرائب ومما يلاقيه من ارتفاع فاحش في اسعار كل شيء يستخدمه من مأكل ومشرب وملبس وصولا الى حفرة القبر التي يدفن فيها جثمانه بعدما يفارق الحياة كمدا وقهرا ومرضا!!
حينما شدد الجيش المصري حصاره على حدود قطاع غزة ودمر الانفاق التي كانت تدخل لهذا الشعب بعضاً مما يحتاج زادت حاجة المواطنين لكل شيء يحتاجوه للاستمرار بهذه الحياة, ارتفعت الاسعار ارتفاعا غير مسبوق والشعب في غزة ينضوي تحت عدة فئات منها اولئك الذين يتقاضون رواتبهم وهم نيام في بيوتهم من سلطة رام الله, واخرين يتلقون ما نسبته 40% من رواتبهم من قبل حكومة حماس بغزة, واخرين لديهم رؤوس الاموال يعملون بالتجارة ولا ينفكوا في استغلال عذابات المواطن ليحصدوا الملايين من الارباح في فترة قياسية دون ان يحاسبوا طالما انهم يدفعون الضرائب التي بالأساس تضاف على كاهل المواطن البسيط, فئة اخرى تعمل لدى بعض المؤسسات والنواحي الاخرى في غزة لتنال راتب بالكاد يكفي بقائهم واسرهم على قيد الحياة إن جاز التعبير !!
الشعب الفلسطيني يتعرض اليوم لما لم يتعرض له خلال عقود طويلة من سنوات قضيته واحتلال فلسطين من قبل الاحتلال الاسرائيلي فهو بات يعيش بين المطرقة والسنديانة لا يستطيع حراكا بل يتلقى بين حين واخر الضربة تلو الضربة وقبل ان يستفيق من الضربة الاولى يتلقى الثانية, لا نسمع سوى كلمات وخطب رنانة تنادي بالصبر بالثبات وهذا ما لا يرفضه المواطن الفلسطيني فقضيته فوق كل عذاباته وتضحياته ليبقى شعاره " نموت وتحيا فلسطين"!!
ولكن هل يجب على ابناء هذا الشعب ان تضحي بنفسها وبحياتها بأبنائها ببيوتها بمقدراتها وبكل ما هو حق لها ليبقى هناك فئة هي فقط التي تحيا وليس الوطن؟!!
مفارقات عديدة بين من ينادي بالصبر والثبات ويدعوا للمضي قدما في مواجهة الاحتلال بأجسادنا وبين من يسلب منا كافة مقومات الصمود بل ويسلب ما يمكن ان يبقينا صابرين قادرين على الاستمرار في مواجهة الاحتلال بكافة الوسائل فما عاد لدينا وسائل!!
الفئة الاكبر والاكثر اتساعا في قطاع غزة هي شريحة الخريجين الجامعيين واعداد كبيرة من العمال واصحاب الحرف وعمال المصانع الذين جميعهم لا يجدون أي سبيل للعيش بالحد الادنى من الكرامة والحد الادنى من المقدرة على اطعام اسرهم ليبقوا رهينة تحت سيف البطالة ينال من رقابهم الى ان يفقدهم حياتهم فالبعض اسيراً للمؤسسات والشركات المحلية التي تستخدمهم وكأنهم عبيد بلا حقوق ورواتبهم مذلة ومهينة لهم ويتم استعبادهم دون رقيب او حسيب!
واخرين ينظفون الشوارع ضمن برامج الأونروا التي جعلت من خريجين الجامعات متسولين ينتظرون دورهم بالحصول على عمل ضمن مشاريع البطالة لمدة شهر او شهرين, واخرين يقعون تحت ضغط الحياة ليفقدوا ما كانوا يملكون من مال او عقار حينما يضطرون لبيعه لأجل الحصول على لقمة العيش لأسرهم!!
واخرين متسلقين محسوبين على هذا الفصيل او ذاك لينالوا فرصهم ومكانتهم وليتقاضوا رواتبهم التي تسلب من قوت الشعب ومخصصاته وضرائبه التي تفرض عليه .
غزة فيها ما لا يمكن ان ينتهي شرحه وكتابته من هموم ونكبات في صفحات تتلوها صفحات غزة تحتاج لمجلدات تضاف الى صفحاتها ما يعيشه المواطنين من عذابات.
سيأتي البعض ويحاربني ويرفض ما اقول وله الحق بذلك ليس لأني اكتب امورا لا وجود لها ...لا بل لأنه من ينتقض لا يرى ما يحدث ولا يريد النظر بغير عين واحدة تجمل له ما يريد ان يراه جميلا رغم بشاعته!!
كفى ظلماً وقهراً في شعب لا ذنب له سوى انه التف على المقاومة المشروعة, شعباً اراد الحياة ولكن ليست أي حياة, شعب يسعى لنيل حريته واستقلاله ليس من الاحتلال فقط بل من كل ادوات الظلم مهما كان لونها وانتمائها وتسميتها, شعب اراد ان يكون كما خلقه الله حراً أبياً شامخاً !!
بقلم/ محمد فايز الافرنجي