الأحداث الجارية في بلادنا تقدم الدليل تلو الدليل إلى أننا وبأيدينا نتقدم وبشكل متسارع نحو الكارثة وما حذرنا منه في الماضي من إيصال شعبنا وبلادنا إلى حالة تقترب من حالات الدمار الداخلي الذي وصلت إليه معظم بلدان المحيط واقتراب لبنان من تلك الحالة يبدو انه بات وشيكا للأسف من فلسطين الوطن الذي ظل محصنا من ذلك لعقود طويلة, ومن يعدد الإحداث المتلاحقة وطريقة التعامل معها يرى بوضوح ما ستؤول إليه الأوضاع في بلادنا إن ظلت حالة الانقسام العمودي متواصلة بين المناطق والفصائل والشخوص وبات الهم والصراع الداخلي والاحتكام لغير القانون والمصلحة الوطنية العليا هو السمة لما يدور في حياتنا من أحداث متواصلة ومفتعلة أحيانا كحالة تسخيف قضية المعلمين من قضية وطنية إلى قضية صراع شخصي لا أكثر.
احد لم يكن يتصور أن يصل الصراع في مصر إلى ما وصل إليه وان تنقسم ليبيا إلى الحال الذي انقسمت عليه ولا أن تكون الأحداث بهذه الدموية في سوريا ولا أن تتكون التحالفات كما هي عليه في اليمن ولا أن يصبح موقف السودان من إسرائيل كما أصبح عليه هذه الأيام ولا أن تصبح العلاقة بين دول الخليج وإسرائيل علاقة حلفاء تقترب من العلنية ولا أن تقبل روسيا نفسها بوقف إطلاق للنار دون أن تحسم حالة التقسيم التي يكرسها وقف إطلاق النار بدل أن يلغيها بعد أن صار الأمر ممكن اثر النجاحات التي حققها التدخل الروسي هناك, كما أن الحال في لبنان يقترب كليا من حالة الانفجار والانقسام المدمر هذه المرة بعد التآمر السعودي الجلي على كل الطوائف السياسية في لبنان وفي المقدمة حلفائها, وهي تحاول دفعهم رغما عنهم الى الدخول في صراع اهلي جديد قوامه محاربة المقاومة وارباك حزب الله دعما لمشروع تقسيم سوريا وتمهيدا لتقسيم لبنان نفسه, مما يعني أننا لسنا خارج هذه المعادلة وان ما هو جائز في البلدان المحيطة بنا بات على ما يبدو يقترب من أن يصبح جائزا في بلادنا وغني عن القول أن هذا هو ما تسعى إليه وتخطط له إسرائيل وحاميتها أمريكا في بلادنا والمنطقة ككل.
في مقر المجلس التشريعي في رام الله تجلس النائب نجاة أبو بكر معتصمة خشية أن يتم اعتقالها وتقديمها للاستجواب لدى النائب العام دون أن تشفع لها الحصانة النيابية ولا تضامن كل زملائها معها وأيا كان الفعل الذي قامت به النائب أبو بكر وأيا كانت نتيجة البحث فيه وحتى لو ثبتت براءة من اتهمته بالمطلق يبقى من حقها كنائب أن تسال وان تستجوب وان تقدم أسئلتها لكل المعنيين فالسؤال والتساؤل وطلب التوضيحات ليس اتهاما ولا بأي حال من الأحوال خصوصا إذا جاء من صاحب الحق بالسؤال والاستجواب, فمن المفروض أنها هي كنائب من تسال النائب العام لا أن يسألها النائب العام وهي من تسال الرئيس لا أن يسألها الرئيس فكيف ينقلب حالنا هذه الأيام انقلابا مخيفا ينذر بالشر والشؤم معا ومن هو صاحب المصلحة بذلك, وان كان على النائب ابو بكر اليوم وكل زملائها ان يروا حجم مسئوليتهم بتهاونهم بإلغاء المجلس التشريعي ودوره وصمتهم الذي سيطيح بهم قبل غيرهم.
الأسوأ من كل ذلك ان البعض بدأ فورا بتصنيف النائب الفتحاوي ابو بكر على انها من انصار محمد دحلان وقبل ذلك صنف بنفس الطريقة ياسر عبد ربه وسلام فياض والقائمة تطول, وكأن محمد دحلان بات البعبع الذي يتم تخويف الجميع به لمنعهم حتى من التعبير عن آرائهم او القيام بواجباتهم كعضو المجلس التشريعي او خلافها وحالة التصنيف هذه التي بدأت تأخذ اشكالا وانماطا مختلفة ومتسارعة واخرها ما جرى في السفارة الفلسطينية في صوفيا وموقف الجبهة الشعبية منه الى جانب الاحداث اليومية المتسارعة والاصطفاف القسري احيانا ينبئ بنذير شؤم لا اكثر.
المجلس التشريعي المعطل أصلا أطلقت على دوره رصاصة الرحمة بأمر جلب النائب أبو بكر للاستجواب دون الاكتراث حتى بتبرئة أو إدانة من وجهت له النائب أبو بكر التهمة والتي تظل من باب الاتهام حتى يتم التحقيق بها لكن إغلاق الباب على هذا التحقيق يدين الوزير المذكور ويترك الباب مواربا لترتفع الاتهامات وليسعى المعني بتثبيتها إلى تضخيمها بدل إلغائها, وقد كان الأولى تشكيل لجنة تحقيق أو رفع الأمر برمته إلى النائب العام لتبرئة الرجل واحترام إرادة النائب كممثل للشعب في حين أن ما جرى سهل إدانة الوزير بدل تبرئته لدى الشارع واظهر خرقا لحصانة المجلس التشريعي والقانون الأساسي وكل منظومة الديمقراطية الضعيفة أصلا في هذا الوطن الممزق.
ما يجري اليوم هو تعليق كل شيء وعدم الوصول إلى حل بأي شيء بما في ذلك القضايا الكبرى كقضية الانقسام والمصالحة فها نحن اليوم أمام قضايا مثل تضخيم حالة النائب أبو بكر ونبش صراع شخصي بين رئيس الوزراء والنائب عزام الأحمد حول الإضراب المطلبي للمعلمين الذي وجد البعض به فرصة لتسخيف كل النضال المطلبي للمعلمين مع كل ما يشكلونه من تأثير على الوضع العام بكل جوانبه إلى مجرد صراع شخصي بين وجهين قياديين بالسلطة نفسها وما لهذا التسخيف من تأثيرات جانبية لا يمكن إلغائها بسهولة بعد وصولها إلى وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
هذا هو حالنا اليوم رجل يقتل أسيرا محررا ردا على ما قام به كمناضل وطني قبل ربع قرن فماذا سيفعل أولئك الذين اعتقدوا أنهم ناضلوا للوطن حين تصير رقابهم في مهب الريح ولا احد معهم سوى ما حلموا به عمرهم ومن سيمنع آخرين من فعل ذلك وهل صار مكتوب على المناضلين أن يناموا وأصابعهم فوق الزناد خشية أن يعود ماضيهم الكفاحي انتقاما منهم, أيعني ذلك أن ما كان كفاحا بالأمس القريب صار خوفا وهروبا في هذا الزمن الرديء, أليس من واجب القوى والفصائل الفلسطينية ان تناقش هذا الأمر علنا وان تضع حدا استباقيا لأي كارثة يمكن أن تنشأ لسبب أو لآخر بحق أو بدون حق لمثل هذه المعضلة القائمة والتي كادت أن تطل برأسها فور قيام السلطة وفي جنين تحديدا, أعلى أولئك الذين حرروا من الأسر أن يعرفوا أن الأعداء كثر وان ما جرى لعمر النايف ومن على البعد لا زال أمر ممكن بل ولا زال يمكن له ان يخلق الريبة والشكوك وزعزعة الثقة بين مكونات الشعب وقواه والسلطة من جهة أخرى, وان رفاق أيمن جرادات ينتظرون مسدسا آخر يختبئ في مكان ما ليغتال الجسد فيهم قبل الحلم, أي الزوايا في الوطن أم خارج الوطن باتت آمنه بعد أن فر الفلسطيني من العراق إلى غير منفى ولم يجد الفلسطيني الذي فر من ليبيا مكانا يأوي إليه ولم يعد اليرموك مخيما للفلسطينيين بل صار فرنا نازيا للموت من كل ناحية, وهناك أسير وأسرى يضربون عن الطعام موتا ثمنا لحريتهم بعد أن باتت حرية الوطن حكاية من الماضي وها نحن نتضامن معهم حتى يموتون وآخر لجا إلى بلد بعيد فبتنا نكافح ضد أن يعود إلى الوطن أسيرا من جديد الى ان انعدم حلم العودة باستشهاده ليصبح الاستشهاد حكاية اختلاف وخلاف بيننا لا مع المحتلين, وعلى الأرض مستوطنات ومستوطنين وجنود لجيش يحتل بلادنا ويقتل صغارنا ويغلق كل الجهات في وجوهنا وفي البعد كل يقاتلنا باسمنا فيقتلون الفلسطيني باسم فلسطين وكذا يفعل الفلسطيني بنفسه فلا عيب إذن إن فعل الأغراب بنا ما نفعله بأنفسنا, في فلسطين أو ما تبقى منها حتى اللحظة نغرق في حالنا ويغرق الاحتلال في الفعل بنا فنرى ذواتنا ولا نراه, ننشغل بنا ولا ننشغل بما يدمره فينا وفي بلادنا وكأن البلد ليست لنا وكأن الشعب ليس شعبنا فما الذي أصابنا إذن.
التقسيم الاعتباطي المفتعل للوطن والشعب بين حمساوي وفتحاوي وانصار لدحلان وغيره ومصالحة وانقسام وديكتاتورية وديمقراطية وازمة عيش ام ازمة سياسة وفصائل كما في اضراب المعلمين كل ذلك يشير الى ان الطريق بات معبدا بالألغام ولا احد يدري متى ستنفجر وعلى ربان السفينة اليوم ان ينزع الفتائل من هذه الالغام الموقوتة بمصالحة وطنية سياسية اجتماعية شاملة لا يجوز لها ان تتأخر اكثر والا فالألغام لا تحتمل النوايا الحسنة.
بقلم
عدنان الصباح