منذ فترة والكثير من التقارير الاعلامية الاسرائيلية المكتوبة والمرئية تحرض على غزة, وتتناول تلك التقارير قدرات المقاومة بلغة تحريضية مخيفة, ولعل تلك التقارير تدلل على مدي التخبط الاسرائيلي الرهيب في التعامل مع غزة , فمرة تدفع بأعلامها ليحرض كثيرا على الانفاق ,حتى باتت العديد من تصريحات الإسرائيليين اليومية التي يطلقها قيادات من المستويين السياسي والعسكري الإسرائيلي مكررة وموتوره , مجمل التقارير توضح انه اصبح امام المستوي السياسي مقترحين خبيثين للتعامل مع غزة ,الاول ينصح الحكومة الاسرائيلية بضرورة اتخاذ قرار بتوجيه ضربة استباقية لحماس في غزة دون الانتظار ان تأتي حماس للمستوطنات المحيطة بغلاف غزة حسب تعبيرهم , وعلي هذا الصعيد تحاول بعض اطراف يمينة ويسارية اسرائيلية استفزاز نتنياهو للقيام بذلك من خلال وصفه بالضعيف والمتوجس والخائف من الحرب القادمة وبالتالي ليس لديه خطط عسكرية لحل قضية الانفاق الهجومية التي تهدد مواطني اسرائيل حسب زعمهم .
الاقتراح الثاني يأتي من أطراف اخري من الناصحين الإسرائيليين يقدم لنتنياهو نصائح هامة بضرورة حل مشكلة غزة سياسيا عبر تقديم تسهيلات وايجاد افاق حياة للسلطة المتنفذة فيها لتحقيق عدة اهداف بالجملة اهمها تهدئة طويلة الامد وادامة الفصل السياسي والجغرافي بين غزة والضفة والقدس لإخراج غزة نهائيا من دائرة الصراع وبالتالي خلق مشكلة سياسية وعقبة كبيرة ومعقدة في طريق اي حلول سياسية لإنهاء الصراع الطويل على اساس حل الدولتين , المستوي العسكري هو صاحب هذه النصائح التي تفضي لإقامة ميناء عائم لغزة على بعد اربعة كيلومترات وبمراقبة دولية واسرائيلية دقيقة قد تفتح مستويات امل امام الفلسطينيين في غزة وتجنب الخوض في حرب جديدة , عضو الكنيست عن حزب هناك مستقبل (عوفر شيلح) ، أبدى مجددا دعمه لإقامة ميناء بحري في قطاع غزة مع ضرورة ضبط إسرائيل سيطرتها عليه منعا لأي تداعيات أمنية خطيرة، ولاعتبار ذلك جزءا من عملية تطبيع العلاقات مع تركيا يحقق لتركيا ولإسرائيل سيطرة كاملة على غزة التي لا يستطيع احد السيطرة عليها حتى الان.
بالرغم من تلك التصريحات والنصائح الكبيرة الا ان هناك اصوات تحذر نتنياهو من مثل هذا العمل, المتطرف ( افي ديختر) رئيس جهاز الشاباك السابق قدم مؤخرا نصيحة لنتنياهو بعدم بحث و تحقيق بناء ميناء ومطار للفلسطينيين في غزة بالمطلق وذكرت تقارير عبرية عن ديختر قوله "إن مثل هذه الخطوة ستعيدنا مرة أخرى إلى أخطاء اتفاق أوسلو"، مشيرا إلى أن إسرائيل تدفع في الوقت الحالي ثمن أخطاء الاتفاق مع السلطة الفلسطينية, من خلال تلك التقارير والاطراف المختلفة التي تنهال نصائحها على المستوي السياسي مازال نتنياهو ويعلون غير مقتنعين لفكرة الميناء بالكامل تحت أي شروط قد تقبل بها تركيا التي تتحدث نيابة عن حماس في هذا الموضوع والذي بات يؤخر الاتفاق الاسرائيلي التركي لاستعادة العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين , وبين هذا وذاك يبدو ان اسرائيل ليس لديها قرار فيما يتعلق بحل مشكلة غزة وتعرف ان بقاء الحال على ما هو علية قد ينذر بانفجار قريب يعيد الطرفين الى مربع الحرب من جديد .
هناك اطراف في المعارضة غاضبة من حكومة نتنياهو وتوظف مسألة التحريض على غزة في الاعلام الاسرائيلي لصالحها لتظهر انها اقوي من نتنياهو الضعيف , زعيم المعسكر الصهيوني، (يتسحاك هرتسوغ)، قال إن على إسرائيل عدم التردد وإعطاء الأوامر للجيش بتدمير الأنفاق وإنهاء هذا التهديد , (تسفيكا فوجل) ضابط اسرائيلي كبير دعا القيادة الإسرائيلية للتخلص من حكم حماس بقطاع غزة مرة وإلى الأبد وقال "فوجل" إن القيادة الحالية تكتفي بما وصفها بـ"الجعجعة وقلة الحيلة"، وتبني استراتيجيتها أمام حماس على رد الفعل وحسن نوايا الطرف الآخر، (عاموس يدلين) رئيس معهد بحوث الامن القومي الاسرائيلي كتب في يدعوت احرنوت الاسبوع الماضي "ان الشكل الذي خرجت فيه اسرائيل من الحرب الاخيرة – في “تعادل استراتيجي غير متماثل” – لم يضمن أي تغيير في الوضع، والشكل الذي دارت فيه المعركة لم يسعى الى تغيير الواقع.
زيادة الانتقادات لنتنياهو في المقابل قد تجبر نتنياهو للإسراع في تجهير خطة اسرائيلية امنية تبني على اساس اتفاق ما مع تركيا ان راي ذلك في صالح اسرائيل وحل مشكلة غزة بما يضمن لإسرائيل مزيدا من الاستقرار السياسي والأمني وفي نفس الوقت تخفيف الانتقاد والضغط على حلفائها بالعالم ,وهذا ما دفع جهات دولية ان تضغط ايضا على نتنياهو لاتخاذ خطوات انتقالية في قطاع غزة بعيدا عن سيطرة السلطة الفلسطينية, هنا يبدو ان نتنياهو يميل كثيرا الى رغبته بتنفيذ سيناريو الحل مع غزة لكسب تركيا واستبعاد السلطة الفلسطينية التي تسعي لحل الدولتين وبالتالي تجزئ الصراع واختزال حله في قضية التسهيلات للضفة ورفع الحصار عن غزة بميناء اشبه بكرم ابو سالم بحري . قد ينفذ هذا السيناريو تحت نوع من الضغط والابتزاز للفلسطينيين بالتهديد بالحرب وشن عملية عسكرية محدودة يهدف منها جلب الفلسطينيين الى هدنة طويلة الامد بتنسيق تركي وتدخل دولي اوسع والقضاء على مسالة الانفاق التي يعتقد انها ستبقي المهدد الرئيس لبقاء اليمين الاسرائيلي على سدة الحكم .
بقلم/ د.هاني العقاد