أسرى فلسطينيون وسياسة الموت البطيئ

بقلم: غادة طقاطقة

تعتبر قضية الأسرى الفلسطينيين داخل السجون الاسرائيلية، من أكبر القضايا الإنسانية والسياسية والقانونية في العصر الحديث، خاصة أن أكثر من ربع الشعب الفلسطيني قد دخل السجون الإسرائيلية على مدار سنوات الصراع الطويلة مع الاحتلال الإسرائيلي والحركة الصهيونية.

وتشير مصادر فلسطينية، أن سلطات الاحتلال تمارس سياسة ممنهجة للاضرار الصحي بالأسري، للضغط عليهم ولإشاعة الاحباط واليأس بين صفوفهم، من خلال ظروف اعتقال سيئة، بالمخالفة لكل القواعد الدولية، الامر الذي ادي بطبيعة الحال الي اصابة (الآلاف) منهم بأمراض عديدة، خاصة في ظل اتباعها لما يسمي بسياسة الموت البطيء، او ما يعرف بالإهمال الطبي المتعمد، وهو الامر الذي يرفع يوميا أعداد الأسرى المرضى في سجون الاحتلال، ويرشح هذه الظاهرة للانفجار. خير دليل على استهتار سلطة الاحتلال بحياة الأسرى، وتعمده عدم تقديم العلاج اللازم والمناسب لهم، وتركهم فريسة للأمراض تنهش أجسادهم الضعيفة بفعل الظروف الصعبة التي يعيشونها داخل المعتقلات، إضافة إلى قلة الغذاء ونوعيته السيئة .

وحسب اتفاقية جنيف الرابعة أفردت المادة (92) لهذا الأمر والتي تنص على: «يجب أن تجري فحوص طبية للمعتقلين مرة واحدة على الأقل شهريًا، والغرض منها بصورة خاصة مراقبة الحالة الصحية والتغذوية العامة، والنظافة، وكذلك اكتشاف الأمراض المعدية، ويتضمن الفحص بوجه خاص مراجعة وزن كل شخص معتقل، وفحصًا بالتصوير بالأشعة مرة واحدة على الأقل سنويًا .

إلا أن الاحتلال يضرب بعرض الحائط كل الاتفاقيات ، بل والاخطر من ذلك يساهم الاطباء بسجون الاحتلال في تعذيب الأسرى المرضى بشكل خاص، إذ إنه لا يصف لهم الدواء اللازم لهم، ولا يوفر لهم تشخيصا حقيقيا لماهية الأمراض التي يعانون منها، إضافة إلى ذلك فإنهم لا يقدمون علاجًا لكل الأمراض سوى حبة الأكامول بما فيها الأمراض الخطيرة جدا.ً

وبحسب المعلومات يعاني أكثر من 1700 أسير فلسطيني أمراضا متنوعة وبعضها خطير، حيث يعاني 25 أسيرا مرض السرطان، إضافة إلى 75 أسير بحاجة إلى عمليات جراحية عاجلة وسريعة، وأكثر من 150 بحاجة لعمليات بسبب الفشل الكلوي، وانسداد الشرايين، والسكري والضغط والجلطات، ويحتاج نصفهم إلى عمليات جراحية عاجلة فورية، ويماطل الاحتلال في إجرائها .

لا يخفى على أحد تنوع وتعدد الحالات المرضية للأسرى في سجون الاحتلال نتيجة سياسة الإهمال الطبي المتعمدة التي تمارسها إدارة مصلحة السجون بحق الأسرى المرضى، إضافة للظروف السيئة التي يعيشونها في ظل الضغوط النفسية وسياسة القمع وعدم توفر شروط حياة انسانية ومعيشية لائقة بهم كبشر.

 

وكل يوم يمر على الأسرى ترتفع فيه أعداد المرضى منهم، كما يتلاشى الأمل لديهم بالشفاء نتيجة المماطلة التي تمارسها إدارة السجن بحقهم، وعدم تقديم العلاج المناسب لهم في وقته، والذي قد يتأخر لشهور أو لسنوات وقد لا يأتي أصلاً.

فأساليب إضعاف الإرادة والجسد على السواء ثنائية مأساوية، متبعة في دولة تدعي الديمقراطية، في حين يقوم نظامها السياسي والقضائي بتقنين التعذيب والضغط النفسي بحق الأسرى والمعتقلين، في سابقة غير معهودة على المستوى العالمي، ما يعد مخالفة للعديد من المعاهدات والمواثيق الدولية .

ومن خلال مراقبة الوضع الصحي للأسرى، اتضح أن مستوى العناية الصحية سيئ، وأصبح العلاج شكلياً بل وشبه معدوم في ظل ازدياد عدد المرضى، وبات موضوع علاج الأسرى موضوعاً تخضعه إدارات السجون الإسرائيلية للمساومة والابتزاز والضغط على المعتقلين؛ الأمر الذي يشكل خرقاً فاضحاً لمواد اتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة «المواد (29 و30 و31) من اتفاقية جنيف الثالثة، والمواد (91 و92) من اتفاقية جنيف الرابعة»، والتي كفلت حق العلاج والرعاية الطبية، وتوفير الأدوية المناسبة للأسرى المرضى، وإجراء الفحوصات الطبية الدورية لهم.

كما تستمر إدارات السجون في مماطلتها بنقل الحالات المستعصية للمستشفيات، وإجراء العمليات الجراحية لكثير من الحالات المرضية، والأسوأ من ذلك أن عملية نقل الأسرى المرضى والمصابين تتم بسيارة مغلقة غير صحية، بدلاً من نقلهم بسيارات الإسعاف، وغالباً ما يتم تكبيل أياديهم وأرجلهم، ناهيك عن المعاملة الفظة والقاسية التي يتعرضون لها، الأمر الذي تسبب في وفاة مئات الأسرى المرضى والمصابين .

وتتمثل اهم الانتهاكات الصحية التي يتعرض لها الأسرى فى الإهمال الصحي المتكرر والمماطلة في تقديم، إلا بعد قيام زملاء الأسير المريض بأشكال من الأساليب الاحتجاجية من أجل تلبية مطالبهم بذلك، وعدم تقديم العلاج المناسب للأسرى المرضى كل حسب طبيعة مرضه، فالطبيب في السجون الإسرائيلية هو الطبيب الوحيد في العالم الذي يعالج جميع الأمراض بقرص الأكامول أو بكأس ماء، كما تفتقر عيادات السجون إلى وجود أطباء مناوبين ليلاً لعلاج الحالات الطارئة، وعدم وجود مشرفين ومعالجين نفسيين، حيث يوجد العديد من الحالات النفسية، والتي بحاجة إلى إشراف خاص، ولا تقدم وجبات غذائية صحية مناسبة للأسرى، تتماشى مع الأمراض المزمنة التي يعانون منها كمرض السرطان والسكري، والضغط، والقلب، والكلى ...الخ .

كما تستغل ادارة السجون الصهيوني حرمان الأسرى ذوي الأمراض المزمنة من أدويتهم، كنوع من أنواع العقاب داخل السجن، بالإضافة لفحص الأسرى المرضى بالمعاينة بالنظر، وعدم لمسهم والحديث معهم

ومداواتهم من خلف شبك الأبواب، كما يعاني الأسرى المرضى من ظروف اعتقال سيئة، تتمثل في قلة التهوية، والرطوبة الشديدة، والاكتظاظ الهائل داخل السجون .

وتستخدم قوات الاحتلال العنف والغاز لقمع السجناء مما يزيد من تفاقم الأمراض عندهم، بالاضافة الي العديد من الإجراءات العقابية بحق الأسرى تزيد من تدهور أحوالهم النفسية، والتي تتمثل في المماطلة في تقديم العلاج، والنقل إلى المستشفيات الخارجية، والحرمان من الزيارات، والتفتيش الليلي المفاجئ، وزج الأسرى في زنازين العزل الانفرادي، وإجبار الأسرى على خلع ملابسهم بطريقة مهينة.

 

و«إسرائيل» باعتقالها المواطنين الفلسطينيين ومعاملتها الوحشية لهم تنتهك مجموعة المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، سواء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 أو العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية عام 1966، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966، واتفاقية إزالة كافة أشكال التمييز العنصري عام 1965، والإعلان الخاص بإزالة التمييز ضد المرأة عام 1967، واتفاقية تحريم وعقاب جريمة إبادة البشر عام 1948، واتفاقية تحريم التعذيب وغيره من ضروب المعاملة اللاإنسانية أو المهينة عام 1984، أضف إلى ذلك اتفاقيات جنيف خاصةً الثالثة والرابعة لعام 1949

وبما أن حكومة الاحتلال ، تعتقل الأسرى اعتقالا إدارياً، بحجة المقاومة التي تبيحها القوانين الدولية ، فعلي المجتمع الدولي أن يلزمها بالتقيد بهذه القواعد الدولية، باعتبار أن ذلك يشكل تهديداً للأمن العام .

بقلم/غادة طقاطقة