بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير) (الحجرات :13)
لقد استمرت الدعوة إلى الإسلام بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم واستمرت الفتوحات الإسلامية مع الخلفاء الراشدين، ويدل ميراثهم على أنهم اهتدوا جميعاً بهدي الممارسة الدبلوماسية التي وضعها الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) مع تطويرها بما يتماشى مع ازدياد رقعة الدول العربية الإسلامية واحتكاكها مع قوى دولية كبرى كالفرس والروم.
فبعد وفاة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) اختير أبو بكر الصديق رضي الله عنه في سنة 23هـ وأطلق عليه المسلمون اسم " الخليفة " وكما تقتضي العادة الدبلوماسية عند استلام رؤساء الدول أن يلقي خطاباً في أول يوم استلامه المسؤولية العليا في الدولة يوضح منهج سياسته فقد ألقى الخليفة أبو بكر خطاباً موضحاً سياسته وموقفه وذلك بعد مبايعته. وقد صار إلقاء الخطبة بعد البيعة سنة صار عليها الخلفاء الراشدون الثلاثة بعد أبي بكر يضمنونها المبادئ السامية التي يستوحون منها مسيرتهم وأعمالهم.
وقد اتجه أبو بكر الصديق إلى محاربة المرتدين في الوقت الذي قام فيه بالعديد من الفتوحات الإسلامية الكبيرة. وتعد توصيات الخليفة أبو بكر الصديق لجيش المسلمين الذي جهزه لمحاربة الروم أروع القواعد في القانون الدولي الإنساني . فعلى الرغم من عقد العديد من المعاهدات الدولية لتنظيم الجوانب الإنسانية في الحرب فلم يتقرر حتى الآن عدم قطع الأشجار والامتناع عن قتل الحيوانات. كما حددت هذه الوصايا من هو القاتل الذي تتوجه ضده العمليات العسكرية والأعداء الذين لا يجوز قتلهم.
وقد أولى أبو بكر الصديق العلاقات الدبلوماسية أهمية خاصة الرسل لعقد معاهدات هدنة مع الدول المجاورة للدول الإسلامية، فأرسل رسله للمقوقس ملك مصر وقيصر ملك الروم وكسرى ملك الفرس لعقد معاهدات هدنة. ومعاهدات الهدنة هذه ليست لإنهاء حالة حرب قائمة وإنما تفادي حرب مستقبلية. وهي ما يطلق عليها في الوقت الحاضر بالمعاهدات الدولية الخاصة بعدم التعدي.
أما الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد وضع العديد من القواعد الدبلوماسية وهي:
1- الرعية مؤدية إلى الأمام مما أدى إلى الله فإذا رفع الإمام فارفعوا.
2- أشقى الولاة من شقيت به رعيته واعقل الناس اعذرهم للناس.
3- من لا يعرف الشر كأن أجدر أن يقع فيه.
4- لا يقم أمر الله إلا رجل لا يضارع ولا يصانع ولا يتبع المطامع ولا يقيم أمر الله إلا رجل لا ينقص غربه ولا يكظم في الحق على حزبه.
5- لا تغرنكم من الرجل طنتنته وصلاته في الليل فالرجل من أدى الأمان وكف عن أعراض الناس وسلموا من يده ولسانه.
6- لا تنظر إلى صيام احد ولا إلى صلاته ولكن انظروا إلى صدق حديثه إذ حدث وأمانته إذا اؤتمن وروعه إذا اشفى.
7- يهدم الإسلام ثلاث زلة عالم وجدل منافق بالقرآن وأئمة مضلون.
8- الرجال ثلاثة والنساء ثلاثة. إمرأة هينة لينة عفيفة مسلمة ودود تعين أهلها على الدهر ولا تعين الدهر على أهلها. وأخرى وعاء للولد لا تزيد على ذلك شيئاً. وأخرى غل قمل يجعلها الله في عنق من يشاء ويترعه إذا شاء. والرجال ثلاثة: رجل عاقل إذا أقبلت الأمور وتشبهت يأتمر فيها بأمره ويبذل عند ذلك رأيه، وآخر جائر بائر لا يأتمر وشداً ولا يطيع مرشداً.
وقد استخدم الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه المرأة في العلاقات الدبلوماسية فقد أرسل زوجته أم كلثوم إلى الروم واستقبلتها زوجة ملك الروم وحملت الهدايا إليها وأهدت زوجة ملك الروم الهدايا إلى أم كلثوم.
وقد حدد عمر بن الخطاب رضي الله عنه شروط الدبلوماسي في النقاط التالية:
1- أن يكون اسمه جميلاً. فالأشياء تؤخذ من عناوينها.
2- أن يكون شكله وسيما جميلاً.
3- أن تكون لغته سليمة.
كما اهتم بالرسل وانشأ ديواناً للرسل، يتضمن الرسائل التي تأتيه بواسطة الرسل. واعتمد وسيلة القضاء كأفضل وسيلة لتسوية المنازعات. ومثل العهد الذي منحه عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أهل القدس أفضل وثيقة تاريخية تمثل قواعد القانون الدولي الإنساني.
وبعد أن تولى عثمان بن عفان الخلافة بعد وفاة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. خصص عثمان بن عفان رضي الله عنه مبالغ معينة من بيت المال لاستقبال الرسل الأجانب وتغطية نفقات إقامتهم. وعلى الرغم من التطور الذي يشهده القانون الدولي في الوقت الحاضر إلا أن الدولة لا تتحمل نفقات إقامة البعثات الأجنبية في بلدها.
وفي عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه أنشئ أول اسطول بحري عربي إسلامي والذي يدل على الانفتاح الجديد للإسلام على العالم. وانه أصبح ديناً عالمياً له القدرة بالوصول إلى أية منطقة من مناطق العالم.
وقد جهز عثمان رضي الله عنه حملة بنفسه لغزو الروم سنة (32)هـ. وغزا ارض الروم بنفسه سنة (33)هـ بحملة من ناحية ملاطيه. وفي عهده فتحت البلقان صلحاً. ويعد عمل عثمان بجمع القرآن وتوحيده ونسخه من أهم الأعمال التي قام بها. فقد وحد عثمان دستور الدولة الإسلامية من التحريف والتزييف كما حصل للأديان السماوية لغير المسلمين. ولو لم يقوم عثمان بهذا لصعب على غيره القيام به.
وفي عهد علي بن أبي طالب كرم الله وجهه تم وضع القواعد السليمة التي يتم بها اختيار الرسل. ومما يثبته التاريخ أن علياً هو واضع علم النحو. وتعد اللغة أهم مقومات الدبلوماسية. فمن ملك الكلام ملك القدرة على التعبير بشكل دقيق ويوصل المطلوب على الوجه الأكمل. ولا تسوقه ألفاظه إلى مالا يرغب به.
ومن كتاب له إلى بعض عماله: "أن دهاقين أهل بلد شكوا منك غلظة وقسوة واحتقاراً وجفوة. ونظرت فلم أرهم أهلا لان يدنوا لشركهم. ولا أن يقصوا ويجفوا لعهدهم. فالبس لهم جلباباً من اللين وتشوبه بطرف من الشدة. وداول لهم بين القوة والرأفة. وامزج لهم بين التقريب والإدناء والإبعاد والإقصاء إن شاء الله".
وتعد هذه القواعد الدبلوماسية التي يجب أن يتحلى بها كل دبلوماسي. ذلك أن الغلطة والقسوة واحتقار الآخرين تتنافى مع مهمة المسؤول أو الدبلوماسي.
الكاتب الدكتور سعيد ابو عباه
قلقيليه