الانهيار

بقلم: صلاح صبحية

عندما يصبح المألوف في مجتمع ما هو الباطل، ويتحول الحق إلى غريب داخل المجتمع، فإن انهيار المجتمع حتمي مهما طال عمره، وما ينطبق على المجتمع ينطبق على مكونات المجتمع من مؤسسات وهيئات وأحزاب وتنظيمات وفصائل وقوى، حيث تصبح المصالح الفردية الخاصة والمهيمنة باستغلال النفوذ هي الناظم لكل الأعمال داخل المجتمع، والذي يؤدي بدوره إلى تآكل هيكل المجتمع ومكوناته، فاقدا بذلك القدرة على حماية ذاته من الانهيار الحتمي، حيث يتحول الانهيار إلى جسر عبور نحو هيكل يعيد بناء المجتمع من جديد، وذلك مرتبط بأن إعادة بناء المجتمع لا يمكن أن يكون بإدوات خارجية لا تريد لهذا المجتمع أن يملك مقومات قوته وتطوره، وبذلك يشكل مرحلة نهوض لا تخدم مصالح الأجندات الخارجية.
وما نعيشه اليوم في عالمنا العربي من انهيار لبنية الدولة والمجتمع والذي يتم بأدوات خارجية ومصالح خاصة داخلية لا يمكن اعتباره جسرا ينقلنا لمرحلة بنية المجتمع الموحد، بل يجرنا إلى مزيد من الانهيار والفناء، وخاصة في ظل سياسات خاطئة نراها تمارس على امتداد الوطن العربي وتعمل تحت شعار " لا أحد في المجتمع إلا أنا " ، وأن وجود الرأي الآخر هو البعبع الذي يجب القضاء عليه، ومن داخل هذا الفكر الأحادي ساد نهج خرافي ضال وهو أن مواطنية المواطن في وطنه لا تكتسب من خلال انتمائه لوطنه تاريخا وثقافة ولغة وسلوكا ، وإنما بقدر تجسيد المواطن لعبوديته في بلاط الحاكم، وهذا ما أدى بدوره إلى تجريد المواطن من مواطنيته في اللحظة التي يتعارض فيها سلوك المواطن مع سياسة الحاكم، حيث تصبح المواطنية هبة ومنة من الحاكم للمحكوم، يتحكم فيها الحاكم كيف يشاء، فيمنحها أو يسحبها متى شاء، وذلك بعيدا عن علاقة المواطن بوطنه.
والأخطر أن يجري كل ذلك في وطن محتلة أراضيه من عدو خارجي، حيث يقع المواطن بين نارين، وكلا النارين ترفضه كمواطن، فالاحتلال يرفض وجوده لانه يقاومه، والحاكم يرفض وجوده لأنه يخالفه، فتقوى بذلك نار الاحتلال ضد الحاكم والمواطن، حيث يمارس الاحتلال دوره كقوة احتلال من خلال أن يكون تناقضا ثانويا مع المجتمع حيث يكون التناقض الرئيس بين مكونات المجتمع نفسه، ويصبح الاحتلال هو الرابح في صراع الوجود على الأرض.

حمص في 2016/3/3. صلاح صبحية