كثيرة هي البيانات والتصريحات الفلسطينية التي تصدر بمناسبة ودون مناسبة ، تتناول همومنا الفلسطينية، حيث أصبحت هذه الهموم أكثر من أن تحصى وتعد، وباتت تلك البيانات والتصريحات يواكبها الخطابات اليومية من كل حدب وصوب هي من أكبر همومنا اليومية، وغدا همنا اليومي الكلام والكلام وفقط الكلام، ومن يقرأ ما يكتب ويسمع ما يقال يظن أننا في أحسن حال وأهدأ بال، لكن الحقيقة المرة كالعلقم أن لا تصدق كل ما تقرأه أو تسمعه، هذا إذا كان فينا ثمة من زال يقرأ أو يسمع، هي وسيلة نضالية ابتكارناها في زمن الانهيار الفلسطيني، فليس بالدعاء وحده يحقق الله للإنسان ما يدعوه به، فالعمل هو أساس الحياة، فما أكثر كلامنا أمام فعلنا المعدوم على الأرض، وإن كان ثمة فعل لنا فهو ليس خدمة لمصالحنا العامة وليس تنفيذا لما نقول وندعي، بل إن فعلنا وبكل أسف هو لإرضاء أعداءنا، حيث أصبح احتلال أرضنا هو أرخص احتلال في العالم، وأصبحنا ندفع لعدونا كلفة احتلاله لأرضنا.
فالوضع الداخلي لفصائلنا حدث ولا حرج دون اسثتناء أي فصيل، ولم تعد الفصائل تعبر تعبيرا حقيقيا عن أسمائها وعنوانيها، إذ أصبحت قضية التحرر الوطني غائبة ومغيبة عن الفعل الفلسطيني على الأرض، وما يقوله أي فصيل في ذكرى انطلاقته السنوية إنما هو كزبد البحر يذهب جفاء، فلم تعد المنطلقات والمبادىء والأهداف ذات أهمية لدى أي فصيل من الفصائل، ففلسطين التي كانت فلسطين لم تعد فلسطين، فهي أصبحت مجرد حكاية تاريخية نتيجة الواقع السيء الذي يعيشه الفلسطينيون ، حيث تصهين البعض منهم وهم يجسدون صدق الرواية الصهيونية من خلال جعل أنفسهم جسرا لعبور الغزاة الصهاينة إلى داخل الجسد الفلسطيني وهم يشكلون لجانا تعمل على التطبيع ما بين الضحية والقاتل، محاولين غسل أدمغة أهلنا للقبول بالتنازل عن أرضهم للغزاة الصهاينة وقبول العيش المشترك معهم وتحت سيطرتهم غير آبهين لحقيقة التاريخ التي أصبحت جزءا من الماضي الذي يجب أن ينسى ، فأي وهم يباع لشعبنا عبر بيانات وتصريحات لم تعد تتحمل مسؤولية شعبها، وأصبحت غير معنية بجوهر القضية الفلسطينية ، متناسية أن تناقضها الرئيس هو مع الغزوة الصهيونية واحتلالها لأرضنا ، حيث أصبح الصراع الفلسطيني الفلسطيني هو جوهر القضية الفلسطينية مجسدا بكل الانقسامات الفلسطينية الفلسطينية التي تعج بها الساحة الفلسطينية، حتى أصبح الفلسطينيون كل متمسك بأمارته التي بالنسبة إليه تعد إنجازا تاريخيا لا يمكن الوقوف معه لتقييمه تقييميا حقيقيا مسؤولا، وهذا لا يمكن أن يتم وينجز إلا بالعودة إلى جوهر الصراع الفلسطيني - الصهيوني بأنه صراع وجود وليس تطبيعا أو عيشا مشتركا .
لذلك فإن الدعوة لانعقاد دورة المجلس الوطني الفلسطيني من أجل انتخاب لجنة تنفيذية جديدة وحسب، هو هروب من استحقاق فلسطيني كان يجب دفعه منذ نحو ربع قرن من الزمان، استحقاق عنوانه وقفة فلسطينية جريئة مع الذات الفلسطينية، يتم فيها محاسبة المرحلة السابقة، والتطلع نحو مرحلة قادمة تتميز بعودة الصراع الفلسطيني -الصهيوني إلى حقيقته، مع خروج الكل الفلسطيني من مستنقع التمحور العربي والاقليمي والدولي، والصدق المطلق مع جماهير شعبنا الفلسطيني، فلا يمكن أن يكون كل فلسطيني يهيم في واد خاص به بعيدا عن أرض فلسطين التي ترزح تحت نير الاحتلال الصهيوني، هذا الاحتلال الذي تستدعي مواجهته فعلا حقيقيا على الأرض وليس بيانات وتصريحات وخطابات وهمية لم يعد يقبلها أبناء شعبنا ، والمطلوب كلمة صدق تنقذنا مما نحن غرقنا فيه.
2016/3/6. صلاح صبحية