اكثر من ثلاثة أعوام مرت على قرار الامم المتحدة المتعلق بالاعتراف بفلسطين دولة غير عضو في المنظمة الدولية، واحتفلت فلسطين بحضور العديد من قادة العالم برفع العلم الفلسطيني في مقر الأمم المتحدة، واستناداً على ذلك انضمت فلسطين إلى العديد من المنظمات الدولية، بالمقابل لم نحاول تكييف نظامنا السياسي مع قرار الأمم المتحدة، خلص المجلس الثوري في دورته العادية السادسة عشرة إلى ضرورة تشكيل لجنة لدراسة قانونية وإمكانية تشكيل "مجلس تاسيسي للدولة الفلسطينية، يلقى على عاتقه وضع دستور لدولة فلسطين، قرار المجلس الثوري لا بد وأن يشكل مدخلاً لنقاش معمق حول النظام السياسي الفلسطيني في المرحلة المقبلة، بمعنى هل علينا أن نواصل العمل ضمن مفهوم السلطة الوطنية التي افرزتها اتفاقية اوسلو أم بات علينا التحرك ضمن مفهوم الدولة التي ايدتها 138 دولة خلال التصويت على القرار في الأمم المتحدة؟.
نتناول دوماً ضرورة اجراء الانتخابات الفلسطينية، ولا يخلو الحديث عن المصالحة الفلسطينية من حتمية اجراء الانتخابات، فهل فعلاً الانتخابات الفلسطينية يمكن لها أن تطوي صفحة الانقسام؟، وهل لدينا الثقافة التي نقر من خلالها بنتائج الانتخابات واستحقاقاتها؟، والأهم ما هي طبيعة الانتخابات التي ننشدها؟، هل نتحدث عن انتخابات لمجلس تشريعي ورئيس لسلطة وطنية طبقاً لإتفاقية اوسلو؟، أم بات علينا إجراء انتخابات لبرلمان دولة فلسطين ورئيس لدولة فلسطين؟، لذلك قد يكون الحديث حول الانتخابات الفلسطينية دون تحديد جوهرها وطبيعتها يبقينا في دائرة عدم الوضوح لطبيعة المرحلة القادمة.
مؤكد أن العمل بمفهوم الدولة يتطلب منا تكريسه على الأرض، وقبل أن نبدأ في ذلك لا بد من دستور للدولة لا يشكل الناظم لها فقط بل يحدد العلاقة كذلك بين دولة فلسطين ومنظمة التحرير الفلسطينية، فعلى مدار السنوات السابقة من عمر السلطة الفلسطينية تراجع دور منظمة التحرير الفلسطينية، وفي الوقت ذاته من الصعوبة بمكان اعتماد المجلس الوطني الفلسطيني برلماناً لدولة فلسطين وإعتبار اللجنة التنفيذية للمنظمة بمثابة حكومة دولة فلسطين، فمن الناحية العملية يصعب التئام المجلس الوطني بشكل متواصل لسن التشريعات والقوانين المتعلقة بالدولة، وبالتالي قد يكون من الملائم أكثر الفصل بين الدولة والمنظمة ضمن صلاحيات ومسؤوليات محددة لكل منهما، وما يفرضه ذلك من ضرورة الفصل بين رئاسة المنظمة ورئاسة الدولة، وبين اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية من جهة وحكومة دولة فلسطين من جهة ثانية.
لا شك أن العمل ضمن مفهوم ومحددات الدولة لن يكون بالأمر الهين، وأن سلطة الاحتلال لن تتركنا أن نمضي قدماً في ذلك، وستعمل على اجهاض اي خطوة لها دلالة على كيان الدولة، سيقف بجانبنا أغلبية دول العالم لكن في الوقت ذاته ستقف بعض الدول المؤثرة في المنظومة الدولية في الجانب المعارض لذلك، وستعمل هذه الدول بقيادة الولايات المتحدة ومعها حكومة الاحتلال على تشديد الخناق علينا، وبخاصة ما يتعلق بالدعم الدولي وما تقدمه الدول المانحة، ومن المتوقع ايضاً تحت الضغط الأمريكي أن تحجب الدول العربية مساعداتها وألا تفي بتعهداتها سواء ما يتعلق منها بتوفير شبكة الأمان أو حتى بالمساعدات التي دابت على تقديمها.
إن التحرك بمفهوم الدولة لا يتطلب تفتيت السلطة بل تطوير هيكلها ليخدم متطلبات الدولة، وبقدر ما نحن بحاجة إلى أن يفهم المدافعون عن اتفاقية اوسلو طبيعة المرحلة التي فرضت علينا بفعل تنكر سلطة الاحتلال لكل ما تم الاتفاق عليه، بقدر ما نحن بحاجة ايضاً إلى من أشبعوا اوسلو قذفاً وسباً أن يدركوا حجم التحديات الناجمة على التحرر من قيود اوسلو، ولا يعقل أن ننتقل بالفعل من مرحلة السلطة إلى مرحلة الدولة في ظل انقسام يمزق الجسد الفلسطيني.
بقلم/ د. اسامه الفرا