تدخل العلاقة بين حركة حماس والنظام الحاكم في مصر , مرحلة جديدة من التوتر الخطير بعد الإتهامات المباشرة , والتي صدرت في مؤتمر صحفي لوزير الداخلية المصري , ويتهم فيها حركة حماس بالمساهمة في تدريب من تتهمهم الداخلية المصرية بالوقوف خلف عملية إغتيال النائب العام هشام بركات بتاريخ 29 /6/ 2015م , هذا الإتهام كان صادماً لحماس وكافة المراقبين لمسار العلاقة المصرية الحمساوية , لأمرين في منتهى الأهمية الأول أن هذا الفعل خارج عن المعهود في مسيرة حماس التي تجنبت الصدام مع الأنظمة العربية على مستوى القول ناهيك عن الفعل , وكما أن أدبيات حماس وتصريحات قادتها تؤكد على عدم التدخل في الشؤون العربية الداخلية, والثاني أن هذا الإتهام جاء بعد فتح قنوات إتصال بين القيادة المصرية الحالية وحركة حماس , ولقد تحدث التقارير الصحفية عن عودة الدفء للعلاقات بين حماس ومصر, وكذلك تأكيد نائب رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية بتاريخ 26-2-2016، خلال مهرجان للحركة برفح بأن لا دور عسكري ولا أمني لنا في سيناء، أو رفح المصرية، مضيفاً لم نسمح بالعبث في أمن مصر في الماضي، ولن نسمح بذلك في المستقبل , وأضف على ذلك تأكيدات حماس بأن الإتصالات مع المخابرات المصرية لم تنقطع وتواصلت في أحلك الظروف التي شهدت تصعيد اللهجة الإعلامية ضد حماس وقطاع غزة, هناك في داخل مصر او خارجها من يصر على أن لا تعود العلاقة مع حماس إلى طبيعتها, أو أن تتسم بحالة من الهدوء والتنسيق تفرضها حالة الجوار الجغرافي , أو تطورات وتفاعلات القضية الفلسطينية المتسارعة, ولا يمكن أن تغفل القيادة المصرية حجم التأثير لحركة حماس في مسار الأحداث السياسية الفلسطينية , فإذا أرادت القيادة المصرية أن يكون لها حضور مؤثر على الساحة الفلسطينية ,فيجب أن تحرص على علاقات طبيعية ومستقرة مع قطبي التمثيل الفلسطيني , واللذان يحرصان على دور مصر في إتمام المصالحة والتقارب فيما بينهما , بالرغم بأن حوارات المصالحة الأخيرة قد تم عقدها في العاصمة القطرية الدوحة الا أنه تم التأكيد من حركتي فتح وحماس على الدور المصري عبر الإستناد إلى إتفاقية القاهرة كأساس للمصالحة الفلسطينية .
الإتهام المباشر والصادر عن جهة مصرية تنفيذية رسمية , لحركة حماس بإغتيال النائب العام المصري هشام بركات , يعني قطع أي علاقات أو إتصال مباشرة أو غير مباشرة , بين القيادة المصرية وحركة حماس ,فما الذي عجل بهذا القرار المصري في حين كانت الأجواء أقرب إلى الهدوء وإستقرار العلاقة بعد الإتصالات الأخيرة , والتي وصفتها بعض الصحف المصرية بإستجداء حماس لإعادة العلاقة مع النظام الحاكم في مصر, فهل هناك فريق في النظام المصري يرفض عودة العلاقات وإصلاحها مع حركة حماس؟ ويحاول إفشال أي محاولة للتقارب أو التصالح ويسعى إلى خلط الأوراق والتصعيد , ويعمل على مغازلة "إسرائيل " بإستمرار حالة التوتر والعداء في العلاقة مع حماس وقطاع غزة ,وهو ما يخدم الإحتلال الصهيوني بشكل مباشر, والذي يقر بأن علاقاته مع مصر, في زمن الرئيس السيسي إستراتيجية وعلى أعلى درجات التنسيق, حيث ساهم النظام المصري بشكل جدي في حصار المقاومة في قطاع غزة , عبر إغلاق الإنفاق وإغراق الحدود بين مصر وقطاع غزة بمياه البحر.
ومع ذلك فإن هذا الإتهام لا يعتبر الجولة الأولى في توتر العلاقات بين حماس ومصر , فلقد أصدرت المحاكم المصرية قرارات بإعتبار حركة حماس وكتائب القسام منظمتين إرهابيتين , وإستمر التحريض والإتهام العشوائي لحماس بالقيام بعمليات عسكرية ضد الجيش المصري في سيناء , بل أن التحريض والإتهام وصل عبر الفضائيات المصرية إلى حد النكتة , حتى أصبحت حماس متهمة بالوقوف خلف كافة الأزمات والمشاكل اليومية الصغيرة والكبيرة في مصر , فهذا الأمر ليس بالجديد في سياق العلاقة المتأزمة مع حركة حماس لجذورها الإخوانية , وكأن العداء لحركة حماس يأتي في سياق العداء والحرب لحركة الإخوان المسلمين في مصر ,وعلى ما يبدو أن صيرورة العلاقة إلى الحالة المرجوة التي تفرضها علاقات الإخوة والجوار والمصير المشترك , مرتبطة بإنتهاء الأزمة السياسية المصرية الداخلية , وهذا على ما يبدو سوف يستغرق زمناً طويلاً , قدر نرى خلاله الكثير من هذه الإتهامات التي ليس لها أساس من الصحة أو المنطق , فالواقع يقول وكذلك التقارير المصرية بأن الجيش المصري أحكم سيطرته ولا يزال على الحدود مع غزة منذ 30-6-2012م وهذا يدحض المزاعم بدخول أو خروج أشخاص من قطاع غزة إلى الأراضي المصرية.
ولكن المخزي والمحزن أن يحاول البعض من أبناء جلدتنا , إستغلال هذه العلاقة المشوشة مع الشقيقة مصر, من أجل مصالحه الحزبية الضيقة , فكل التصريحات التي طالبت بإستدعاء التدخل العسكري ضد قطاع غزة , أو مباركة أي خطوة مصرية تعقب الإتهام المباشر لحماس بإغتيال النائب العام , هي بمثابة رخصة لقتل الشعب الفلسطيني في قطاع غزة , ودعوة لتوريط مصر وجيشها في مستنقع لن تخرج منه سليمة ومعافاة , وأن أي مغامرة لمصر عسكرياً في قطاع غزة تصب في خدمة أعداء الشعبين الفلسطيني والمصري, فمن يرى أن أعظم أحلامه الوطنية هي بإستعادة السيطرة على قطاع غزة ,نذكره بالقدس المحتلة وحيفا الحزينة ويافا الباكية والنقب المذبوح , فما هو مشروعك لإستعادتهم وتحريرهم ؟ من يحشد لمعارك وهمية عنوانها عودة قطاع غزة إلى الشرعية المزعومة ! , ولو كان ذلك على حساب أشلاء ودماء أطفال غزة , ستصب عليه اللعنات وسيلفه العار إلى أن يهلك ويفنى ذكره في فلسطين , لقد خسر من تهلل وجه وعلا صوته ترحيبا بالإتهام الظالم لحماس , وكشف عن سريرته ونواياه إتجاه المصالحة , فلا تستغرقوا في سرد أوهامكم على الشعب فلقد أضحت بمستوي الفضيحة, ولتعلموا بأننا أحوج إلى الوحدة الفلسطينية وسنحقق ذلك بشخوصكم أو يستبدلكم الشعب ويصنع وحدته ونصره .
بقلم : جبريل عوده *
كاتب وباحث فلسطيني
7-3-2016م