ابو العباس مثل نموذجا من الطراز الخاص

بقلم: عباس الجمعة

لا شك نحن امام ذكرى فارسا ومقاوما وقائدا انه الشهيد القائد محمد عباس " ابو العباس " الامين العام لجبهة التحرير الفلسطينية ،هذا القائد نموذجاً للثوري الحقيقي، كان مؤمنا بخيار الكفاح المسلح باعتباره الحل الجذري لمواجهة هذا العدو المتغطرس على ارض فلسطين، حيث اغتالته دوائر الشر الصهيو امريكي في معتقلات الاحتلال الامريكي في العراق بعد عام من اعتقاله ، هذا القائد الذي آمن بأن الطريق طويلة للكفاح ، حيث شكل استشهاده خسارة للقضية الفلسطينية ليس فحسب بل لكل حركات التحرر والتقدم في العالم، وفي وقت تبدو فيه الإنسانية أحوج ما تكون لزعماء من طينة ابو العباس حتى يقودوا نضالها ضد الاحتلال والاستعمار والاستغلال والعولمة المتوحشة.

واليوم تمر الذكرى ولكن شباب وشابات فلسطين بانتفاضتها الباسلة يكتبون امجاد فلسطين في مواجهة الاحتلال الصهيوني وقطعان مستوطنيه رغم محاولات العمل لاجهاضها تحت مسميات عديدة ، لأن البعض يريد مغادرة منطق المقاومة والدفاع، الأمر الذي يعيدنا إلى البيئة السياسية والوطنية التي اغتيل في ظلها الفارس الشهيد ابو العباس، هل كانت حكومة الاحتلال والادارة الامريكية تريد بأغتيال الشهداء القادة ياسر عرفات وابو العباس وابو علي مصطفى والشيخ احمد ياسين،أن تغتال الفكرة، وكي وعي الناس، وقتل الرؤية والمشروع، وتغتال الحالة الفلسطينية التي اختمرت فيها شروط الانتفاضة الثانية بعد فشل أوسلو وكامب ديفيد.

إن استهداف القائد الشهيد ابو العباس، كان استهدافاً لما يمثل من فكر مقاوم، وطرح سياسي وطني، وخيار كفاحي لا يستجيب لشروط الاحتلال، كان استهدافاً لجبهة التحرير الفلسطينية ودورها الكفاحي والميداني على الأرض، كان اغتيالاً يستهدف المقاومة والنضال المشروع للشعب الفلسطيني.

ونحن اليوم نؤكد ان الشهيد ابو العباس الذي اسس مدرسة كفاحية ونضالية من باكورة العمليات الاستشهادية في الخالصة والزيب ونهاريا وبرختا وعمليات الطيران الشراعي والمنطاد الهوائي واكيلي لاورو والقدس البحرية والقدس الاستشهادية هو ورفاقه القادة الشهداء سعيد اليوسف وابو العز ، يؤكد ان هذا القائد الكبير كان قابضاً على الجمر، ويرنو ببصره بعيداً نحو أفق الانتصار، واثقاً بأن فلسطين هي الفكرة والإيمان ، ولكن الثوار الذين يقبضون ويمسكون بطريق النضال لا يمكن ان يتراجعوا.. فاحتضنها بثبات، وشجاعة، وإخلاص ونزاهة ، فكان الثائر الحالم، والمنغمس في هموم شعبه، فعمل جاهداً على وحدة الصف الفلسطيني، وكرس وقتاً ثميناً من جهده وعرقه للوحدة الوطنية الفلسطينية قبل استشهاده ليبدأ في تأسيس حالة إنهاض للوضع الفلسطيني على وجه الخصوص، الأمر الذي استفز الارهابي شارون، وكان الغدر بمستوى خطورة الفكرة على كل المشروع الصهيوني.

واليوم بانتفاضة شابات وشباب فلسطين تشتد الانتفاضة وهي أعمق أثراً واتساعاً، بمواجهة الاحتلال الذي يخوض حرباً طويلة وشاملة في كل مدن الضفة ، حيث تسقط كل أوراق التوت التي تغطى بها هذا العدو أمام الرأي العام العالمي بأنه الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة،

وانجلت صورته أمام الرأي العام الغربي بأنه أخطر دولة على السلام العالمي، حيث دماء الشباب

تترجم الأيقونات الوطنية الفلسطينية التي تملأ الذاكرة الفلسطينية، وتجدد عناصر الهوية الوطنية، لأن الفكرة التي رسمها الشهيد ابو العباس والقادة الشهداء تسكنها الروح، وتأبى الموت، فما زال هناك شباب يلتقطها متسلحاً بالإيمان، والإخلاص، والنزاهة الوطنية.

لقد تربى على يد القائد الشهيد ابو العباس أجيال من المناضلين العرب الذين يسجلون له ولجبهة التحرير الفلسطينية بكثير من الامتنان وقوفه الى جانب قضاياهم الوطنية والقومية ، حيث ترك تراثاً نضالياً مهما يمكن استثماره وتفعيله في سبيل خلق معطيات جديدة للأمة العربية في طريقها للتقدم وتحقيق أهدافها النبيلة.

من هنا نقول نعم طويلة هي المسافة الزمنية بين استشهاد القائد الفارس ابو العباس ، وبين الواقع الفلسطيني اليوم، هي المسافة التي امتلأت وزخرت بالأحداث والتطورات على الصعيد الفلسطيني، والعربي، والدولي، فالواقع الفلسطيني اليوم يئن من الجراح، والبعض يحاول اضاعة البوصلة ، بينما الواقع العربي يندى له الجبين، نتيجة هجمة امبرالية صهيونية رجعية تدعم الارهاب التكفيري من اجل السيطرة على المنطقة وتقسيمها وتجزئتها ، بينما تفشت الطائفية بأفكارها الرجعية والسلفية، ولم تعد الدولة القطرية الواحدة قادرة على حماية نفسها من نفسها ومن عدوها، هذا هو الواقع الفلسطيني والعربي كخلاصة لا كشريط أحداث جسام، فثمة أحداث جرت على مدار هذه المسافة الزمنية ، قلبت معادلات، وتوازنات، رأساً على عقب.

اليوم تأتي الذكرى الثانية عشر لاغتيال الشهيد القائد أبو العباس،وهناك مسألة ملحة وهامة تنتصب أمام كل اعضاء جبهة التحرير الفلسطينية،ألا وهي ضرورة أن تقف الجبهة أمام أوضاعها بوقفة نقدية صارمة، ضرورة أن تعبر عن هويتها الفكرية والايدلوجية بشكل واضح، وضرورة ان تعطي دور الى القيادات الشابة وتضخ دماء جديدة في عروقها، وأن تحفظ للقيادات القديمة تاريخها واحترامها، فالمطلوب قيادات عن مهام التشريفات،مطلوب قيادات تنهض بأوضاع الجبهة في كل خانات وميادين العمل، وأن تنتهي ظاهرة العمل النخبوي والفوقي، مطلوب قيادات تتغلل في أوساط الجماهير،وأن تبتدع وتبدع أشكال جديدة ومتطورة للعمل والنضال تستوعب كل الطاقات،مطلوب قيادات موحدة وجامعة لا قيادات طاردة ومنفرة، للأن تاريخ جبهة التحرير الفلسطينية وأرثها النضالي والكفاحي يتطلب ذلك ، وشعبنا له ثقة كبيرة بها ، لأنها مثلت حالات نضالية وتضحوية مميزة، وممكنات نهوضها وتقدمها، مرهون بأمتلكها وضوحاً كبيراً في الرؤيا وقادر على التقاط الأحداث ومواكبتها، حتى تواكب الجبهة كافة المعارك النضالية والجماهيرية في مختلف الميادين.

وفي ظل هذه الظروف ونحن امام ذكرى قامة فلسطينية وعربية القائد الشهيد أبو العباس، نقول يتوهم من يقول أن جبهة التحرير الفلسطينية ستفقد البوصلة والقدرة على الصمود والنهوض، ورغم الخسارة الكبيرة التي منيت بها الجبهة خاصة والحركة الوطنية الفلسطينية عامة، وكذلك الفكر الثوري ، بفقدان قائد من الطراز الخاص، الا أن هذا الفراغ على الرغم من كبره وسعة حجمه، فإن رفاق القائد أبو العباس أقسموا باستمرار السير على نهجه ودربه، في معارك النضال والكفاح، بكل أشكاله وأنواعه، ولا شك في أن شعب فلسطين سيفقد هذا المناضل

الصلب العنيد لأجيال وأجيال، وسيتحول اسمه مع الزمن الى أسطورة تتحدث عنه الاجيال وتتابع النضال حتى تتحرر فلسطين وتسترد القدس، لانه لم يكن عنواناً فصائلياً،بل كنت قائداً وطيناً بإمتياز ، حظي بثقة واحترام كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني من يتفقون معه او يختلفون،وقلما تجد اليوم قائد فلسطيني بهذه المواصفات،فالقادة الذين يشكلون قدوة ومثلاً ورموزاً لشعبنا ومحط إجماعه في هذا الزمن الصعب،باتوا نادرين،لأن من يعرف الشهيد القائد ابو العباس عن قرب،يدرك بأن هذا القائد ملتحماً مع شعبه،من رحمه ولد،بنضالاته وتضحياته ومثابرته تبوأ مواقعه ومراكزه القيادية،لم يهبط على القيادة أو على شعبنا لا ب"البراشوت" أو "الفرامانات" ولا بالعلاقات الشخصية والجهوية،فكان مقدام وشجاع،صلب وصادق.

لهذا نقول اليوم علينا ان نعود لفكر الشهيد ابو العباس الذي اكد على ربط النضال الوطني بمنطلق فكري للنضال التحرري والنهوض القومي العربي ، وكان يرفض الأصولية والتخلف والارهاب الفكري لأنه كان يعلم بأنه لم يتركنا نواجه القادم الأسوأ ، فقد حملت أفكاره النيرة مضامين عميقة تتعلق بالفقراء والطبقات الكادحة والعدالة وغير ذلك من الأفكار الداعية لغد أفضل ولمجتمع أكثر انفتاحاً وأكثر عصرية ، بالإضافة لكل فكره السياسي شديد الوضوح تجاه قضيته الوطنية وضرورة تحرير فلسطين ، ، كما كان شديد الولاء لأفكار المساواة بين الرجل والمرأة فيما يتعلق بالمسؤولية تجاه تقدم المجتمع وحصول المرأة على حقوقها كاملة في ممارسة النشاط بكل صوره السياسية والاجتماعية ، وكان شديد الرؤية عندما قال من يتهم اليوم المقاومة بالارهاب هو شريك للاحتلال الذي يمارس الاحتلال بكل انواعه ويحتل بالقوه ارض فلسطين ويخضع الشعب الفلسطيني لاحتلاله البغيض ويمارس عليهم كل اصناف التعذيب والقهر اليس هذا هو الارهاب بعينه خاصة وان الفلسطينيون لا يملكون من القوه سوى وحدتهم وارادتهم لمقاومة كل اساليب الاحتلال بالوسائل السلميه المشروعه

وامام هذه الظروف ، ونحن اليوم في ذكرى استشهاد القائد الوطني والقومي الكبير ابو العباس ، ان نقف امام المتغيرات العربية وإلاقليمية والدولية التي تجري في المنطقة،واذا لم تحسن القيادة الفلسطينية إستغلالها وإستثمارها،لكي تكون القيادة مستفيدة ورابحة من تلك المتغيرات والمعادلات الجديدة،فقد نجد بأن الحلول للأزمات الإقليمية والعربية الناشئة،على حساب قضيتنا ومشروعنا الوطني،وبما يشرعن الإحتلال ويكرسه، وهذا يتطلب ان تقف جميع القوى والفصائل بكل الجرأة والمسؤولية امام دعم الانتفاضة وحمايتها ، والعمل من اجل عقد المجلس الوطني الفلسطيني والنضال من اجل انهاء الانقسام الكارثي وتطبيق اتفاقات المصالحة الوطنية الشاملة، ورسم استراتيجية نضالية تستند لكل اشكال النضال، بعد أن سقطت الرهانات وفشلت المحاولات الرامية لانتزاع حقوق شعب فلسطين الوطنية، من رحم خيار "المفاوضات العبثية".

ختاما لا بد من التاكيد ان أسطورة النضال والتضحية والعطاء،الذي نراها اليوم على ارض فلسطين في كل الساحات والميادين ، لم تكن لولا تضحيات الشهداء وصمود الاسرى والاسيرات فهي تشكل نموذجاً في التضحية والعطاء والصمود والثبات،ونحن ندرك ان شعب عظيم خلفه شابات وشباب فلسطين لا بد من ان ينتصر.

بقلم/ عباس الجمعة