بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد
لقد حثت آيات القرآن الكريم المسلم علي الحفاظ علي البيئة وحمايتها وهو واجب ديني أمرنا الله سبحانه وتعالي أن نحافظ علي الأرض وما بها من خيرات قال تعالي :{ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (سورة البقرة :جزء من آية 60).
إن الله سبحانه وتعالى خلق الكون بدقه بالغة، وإتقان وبقدر معلوم وأبدع سبحانه وتعالي في خلقه ،وأحسن تشكيله وتنظيمه قال تعالي :{وَتَرَى الجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ}( سورة النمل : 88) وقال تبارك وتعالي :{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}( سورة القمر:49)،وقال عز وجل :{الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} ( سورة السجدة جزء من آية(7) .
وبما أن هناك علاقة متبادلة بين الإنسان والبيئة، فبقدر ما تؤثر البيئة علي الإنسان ،فإن لهذا الإنسان أثر علي البيئة . ودعانا الإسلام إلي التعاون الذي هو مبدأ لحماية البيئة قال تعالي{ وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ }( سورة المائدة : جزء من آية 2) فتدعو الآية الكريمة إلي التعاون والإصلاح، وتنهي عن العدوان علي الطبيعة والحياة . وقال تعالي :{ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (سوره الملك :15 ) أي أن الله سبحانه وتعالي سخر لكم الأرض، وذللها؛ لتدركوا منها كل ما تعلقت به حاجتكم من غرس وبناء وحرث، وطرق يتوصل بها إلي الأقطار النائية والبلدان الشاسعة .
كما أمرنا سبحانه وتعالي أن نتعامل مع البيئة من منطلق أنها ملكية عامة يجب المحافظة عليها من ثروات وموارد ومكونات ويدعونا إلي إدارتها إدارة رشيدة قال تعالي:{ وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ المُحْسِنِينَ } (سورة الأعراف :56) . وقال تعالي :{ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ} (سورة البقرة :جزء من آية 211 ) ؛ وذلك لأن من أنعم الله عليه بنعمة دينية أو دنيوية، فلم يشكرها ولم يقم بواجبها ، اضمحلت عنه وذهبت، وأما من شكر الله – تعالي - وقام بحقها فإنها تثبت وتستمر ويزيده الله منها ، والله سبحانه وتعالي خلق الإنسان واستخلفه علي الأرض قال تعالي : { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً }( سورة البقرة : جزء من آية 30 ) ومعني الاستخلاف : أن الأرض أمانة وتستوجب الأمانة حمايتها و المحافظة عليها . ولقد حرص ديننا الحنيف علي تجنب الضوضاء والتزام الهدوء قال تعالي : {وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الحَمِيرِ }(سورة لقمان : جزء من آية 19) إذا أن أفظع وأبشع الأصوات صوت الحمير، فلو كان في رفع الصوت فائدة ومصلحة ، لما اختص بذلك الحمار الذي قد علمت خسته وبلادته.
لقد حثت السنة النبوية الشريفة علي حماية البيئة ومكونتها ونهت عن الإضرار بها بأي شيء، فإن الضرر في الإسلام ممنوع في جميع صورة وأشكاله، فعن أبي سعيد الخد ري - رضي الله عنه- أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال :" لا ضرر ولا ضرار " حديث حسن رواه ابن ماجة. فالضرر نفسه منتف في الشرع وإدخال الضرر بغير حق كذلك منتف .
كما أنه صلي الله عليه وسلم جعل كف الأذى من حقوق الطريق فقد روي الإمام مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه- عن الرسول صلي الله عليه وسلم قال:" إياكم والجلوس في الطرقات قالوا: يا رسول الله ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها .قال.صلي الله عليه وسلم :إذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه . قالوا: وما حقه . قال: " غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".
وحثنا الرسول صلي الله عليه وسلم علي النظافة فروي عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- عن الرسول الله صلي الله عليه وسلم قال : " إن الله جميل يحب الجمال " رواه مسلم.
واهتمت السنة اهتماما بالغا بالغرس والتشجير وتخضير الأرض فقد روي الإمام البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك - رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : " ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة " ، وليس هناك حث وتحريض وحرص علي التشجير أقوي من حديث النبي صلي الله عليه وسلم الذي رواه الشيخان في صحيحيهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال صلي الله عليه وسلم :"إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها" .
كما أن رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم طالبنا بإماطة الأذى عن الطريق ، والأذى يشمل بالضرورة كل أنواع الأذى، وجعل إماطة الأذى من الإيمان كما روي الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : " الإيمان بضع وستون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق" .
كما أمر النبي صلي الله عليه وسلم بتغطية الإناء وإيكاء الأسقية لحديث جابر أن الرسول صلي الله عليه وسلم قال:" غطوا الإناء و أوكوا السقاء ، فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمر بإناء ليس فيه غطاء إلا نزل فيه من ذلك الوباء". رواه مسلم . و من فوائد ذلك صيانتها من النجاسات والحشرات.
الكاتب الدكتور سعيد أبو عباه
قلقيلية