مراجعة نقدية للدبلوماسية الفلسطينية

بقلم: أسامه الفرا

تراجع وزيرة خارجية السويد "مارغوت وولسترم" عن موقفها السابق، الذي دعت من خلاله إلى فتح تحقيق بشأن قيام اسرائيل بإعدام فلسطينيين دون محاكمة، طبقاً لما صرحت به تسيفي ليفني فإن الوزيرة ابدت استعدادها للتعبير علنا عن دعمها لحق اسرائيل في الدفاع عن نفسها وعن معارضتها لمقاطعة اسرائيل، هذا الانقلاب في موقف وزيرة خارجية السويد يثير الكثير من التساؤلات، لكن أهمها وما يعنينا في هذا المقام ما يتعلق بالدور الذي تقوم به الدبلوماسية الفلسطينية، سيما وأنه سبق ذلك تبدل في موقف اليونان الذي اتسم تاريخياً بدعمها للقضية الفلسطينية، وهو ما انعكس تلقائياً على موقف الحكومة القبرصية أيضاً، فهل حقاً الدبلوماسية الفلسطينية تحقق نجاحات في علاقة فلسطين بالمجتمع الدولي والاقليمي؟.

بداية لا بد من التنويه إلى أن السياسة التي تتبناها القيادة الفلسطينية القائمة على نبذ العنف واقتصار المقاومة على جانبها السلمي والايمان بأن السلام في المنطقة يتم رسمه على طاولة المفاوضات، يضاف إلى ذلك ما تقوم به حكومة الاحتلال من قتل يومي وتهويد للقدس ومواصلة الاستيطان دون الاصغاء إلى رغبة المجتمع الدولي الذي يعتبر الاستيطان غير شرعي وعقبة في طريق السلام، هذا بالاضافة إلى الحروب الثلاثة المدمرة التي شنتها دولة الاحتلال على قطاع غزة وما نجم عنها من قتل للمدنيين وتدمير للمساكن، كل ذلك من شأنه أن يشكل رافعة قوية في تعزيز علاقة فلسطين بدول العالم، فهل حقاً نجحت الدبلوماسية الفلسطينية بالاستفادة من كل ذلك في كسب المزيد من الأصدقاء وتقليص معسكر الأعداء؟، لعل تمحيص الواقع يفرض علينا تناوله بشيء من الصراحة ليس من باب جلد الذات بل لحاجتنا لمراجعة جادة نرمم بها التصدعات التي برزت مؤخرا في علاقاتنا بمحيطنا الاقليمي والدولي.

لا شك أن الانقسام الفلسطيني شكل خنجراً في خاصرة علاقاتنا بدول العالم القريبة منها والبعيدة، ولم يقتصر تأثيره على الجانب الشعبي المتمثل بالتراجع الكبير لوفود التضامن الأجنبية معنا، بل إمتد ليصل بإنعكاساته إلى العلاقات الرسمية، لكن بالمقابل لا يمكن لنا أن نلقي بكامل المسؤولية على الانقسام، وعلى الجانب الأخر لا شك أن ما تشهده العديد من الدول العربية من صراع دموي على السلطة فيها، والوضع العربي التي جعل من الارهاب تارة ومن تدخل ايران في الشأن العربي تارة أخرى محور الاستقطاب لديه بمعزل عن التهديد الحقيقي لأمنه من دولة الاحتلال، والذي انعكس بشكل واضح على ترتيب أولويات العرب وانكفاء العديد من الدول العربية على همها الداخلي، إلا أن ذلك لا يبرر التراجع في العلاقة مع بعض الدول العربية المحورية، فالعلاقة مع كل من مصر والسعودية والامارات والاردن والجزائر ليست بأفضل حالاتها، وكل منها له اسبابه ودوافعه، فيما العلاقة مع دول إقليمية أخرى بما فيها قطر وتركيا وايران رغم التدخل الواضح لها في شؤوننا الداخلية إلا أننا نقف عاجزين في تحديد طبيعتها، والواضح أيضاً أن دول الاتحاد الأوروبي تفكر بمعزل عنا، تتقدم خطوة لدعم حقوقنا لا تلبث أن تتراجع خطوة في شأن آخر.

على صعد آخر هل لدينا استيراتيجية عمل واضحة في البناء على القرارات الدولية الداعمة لحقوقنا؟، ألم يكن بمقدور الدبلوماسية الفلسطينية أن تبني الكثير على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي اعترف بفلسطين دولة غير عضو في المنظمة الدولية؟، وماذا عن قرار محكمة العدل الدولية المتعلق بجدار الفصل العنصري؟، حتى وإن حمل القرار الصفة الاستشارية إلا أنه يعطينا الكثير من المساحة للتحرك القانوني على الساحة الدولية، وماذا عن تقارير لجان التحقيق المختلفة التي شكلها مجلس حقوق الانسان، ألم تذهب في مجملها إلى الأرشيف دون الاعتماد على ما جاء فيها في ملاحقة قادة الاحتلال؟، وماذا عن انضمام فلسطين إلى المنظمات الدولية بما فيها محكمة الجنايات الدولية، هل اكتفينا بالعضوية فيها؟، ولماذا لم نحاول الكرة مرة أخرى في مجلس الأمن للإعتراف بدولة فلسطين كاملة العضوية مستلهمين في ذلك تجربة اليابان.

لم نلحظ للدبلوماسية الفلسطينية نشاطاً بحجم جريمة الإغتيال التي طالت الأسير المحرر عمر النايف في السفارة الفلسطينية في العاصمة البلغارية "صوفيا"، كل هم الخارجية الفلسطينية تمحور حول الدفاع عن نفسها أمام الاتهامات بالتقصير التي وجهت إليها، أمام كل ذلك لا يمكن لنا تجاهل بعض الانجازات للدبلوماسية الفلسطينية لكن تلك الانجازات لا يمكن لها أن تطمس الاخفاقات، وهو ما يتطلب منا مراجعة جادة للدبلوماسية الفلسطينية.

بقلم/ د. أسامه الفرا