منذ فترة وبالتزامن مع اندلاع الانتفاضة الحالية واسرائيل تحاول البحث عن محرك اساسي للانتفاضة ودافع رئيسي يقف وراء انطلاق الشبان الفلسطينيين لتنفيذ عمليات مناهضة للاحتلال الاسرائيلي والتصدي لكل ممارساته العنصرية التدميرية في كل اماكن تواجده وأشكال هذا التواجد سواء جيش احتلالي او مستوطنين, لكن اسرائيل فشلت كعادتها في ايجاد المحرك الاساسي والرأس لهذه الانتفاضة ليس خلالا في اجهزتها الامنية فقط بل بسبب الخلل عند المستوي السياسي لأنه يفكر باتجاه واحد وهو بقاء الاحتلال وافتراض قبوله من الطرف الاخر والتعايش معه وعدم مقاومته باي شكل من الاشكال , دولة الاحتلال في المقابل تمارس كل اشكال القهر والظلم والاعتداء الجسدي والنفسي وتمارس الاعدام خارج القانون وتفرض الحصار وتمارس سياسة العقاب الجماعي وتهدم البيوت وتكرس سياسة الاعتقالات وتنفذ سياسة الطرد والنفي الى غزة او الخارج لكل افراد عائلات منفذي العمليات ولا تعتبر كل هذا مناف للقوانين الدولية والانسانية ويدعوا لاستمرار مقاومته, عندما فشلت كل تلك الاجراءات اصبحت اسرائيل كالثور الذي يدور حول الساقية على اعتقاد انه قد يصل الى نهاية الطريق ,اخذت اسرائيل تفكر في اسلوب اخر تعتقد انه السبب وراء كل حركات مناهضة الاحتلال وهي تهمة "التحريض" , منذ ذلك الحين وإسرائيل بدأت تستخدم مصطلح "التحريض " على الارهاب وتتهم فيه كل من يرفض الاحتلال و يقاومه ويؤيد الانتفاضة ويشجع على المزيد من المواجهة مع قوات الاحتلال والمستوطنين, والتحريض في عقيدة المحتل هو مفهوم يعني لدينا المقاومة الشعبية للاحتلال الاسرائيلي سواء بالفعل او بالقول , ولا تستثني اسرائيل احدا اليوم من تهمة التحريض سواء المستوي على الرسمي أو المستوي الشعبي الفلسطيني .
هنا اوجدت اسرائيل مفاهيم جديدة لمناهضة الاحتلال وهو "التحريض " واصبح بهذا المفهوم استخدام الفيس بوك ونشر صور المقاومين والشهداء تحريض وبالتالي فان اسرائيل اعتقلت حتى الان اكثر من 150 فلسطيني من متداولي الفيس بوك وممن يناهضوا المحتل و وجودة و يعبروا عن آرائهم داخل صفحاتهم الشخصية, ومازالت اسرائيل تتهم القيادة الفلسطينية بالتحريض ايضا لعدم قيامها بإدانة ما تسميه اسرائيل عمليات الهجوم على المستوطنين ومجرد تأييد ودعم الانتفاضة الشعبية, واتهام القيادة بالتحريض لم يأتي من المستوي الامني فقط بل المستوي السياسي واعضاء بالحكومة الاسرائيلية وحتى المعارضة ,فقد كرر نتنياهو رواية التحريض من قبل القيادة الفلسطينية اكثر من مرة ولحق به (يعلون ولبيد وبينت وليبرمان) واخيرا ما يسمي بوزير العلوم الاسرائيلي (اوفير كونيس) الذي خرج باتهام ابو مازن بانه اعظم المحرضين وقال في مؤتمر ثقافي بنتانيا " هذا الاسبوع ان السلطة الفلسطينية تقود حملة تحريض متطرفة ضد إسرائيل، من خلال نظامها التعليمي ووسائل إعلامها التي تصف الإسرائيليين بالقردة والخنازير, ولعل هذه الحملة الاسرائيلية المسعورة والا اخلاقية تنزر اليوم بجملة من الاجراءات الاحتلالية الخطيرة التي قد تطال القيادة الفلسطينية وكينونة السلطة الوطنية.
"التحريض" حسب العقيدة الاحتلالية يعتبر جريمة واعتقد ان اسرائيل اوجدت لها قوانين على أساسها تقاضي من يمارس هذا التحريض , تعدت اسرائيل مسألة التأييد للانتفاضة الشعبية وطالت عقيدتها العنصرية كل الوسائل الاعلامية الفلسطينية من اذاعة وتلفزيون وصحف الكترونية وحتى صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بالأفراد والمؤسسات واتهمت كل من يبث الاغاني الوطنية والحوارات السياسية ويتحدث عن شهداء الانتفاضة ممن تقدم اسرائيل على اعدامهم بزريعة قيامهم تنفيذ عمليات مقاومة يعتبر تحريض وهنا نفذت اسرائيل حملة مسعورة طالت الاعلام الفلسطيني الرسمي والخاص خلال الايام الاخيرة , اغلقت ثلاث اذاعات فلسطينية بالضفة الغربية مؤخرا واغلقت مكتب فضائية فلسطين اليوم الاسبوع الماضي و اعتقلت العاملين في مكتبها , هذا بالإضافة الى اعتقال العاملين في راديو بيت لحم 2000 ,هذه المعادلة عززت عندنا في الثقافة الفلسطينية المقاومة ان من لا يقاوم وجود الاحتلال باي شكل أو اي اسلوب فهو مع الاحتلال وقابل بالعيش تحت سوط الجلاد الاسرائيلي , وهنا اصبح مصطلح "التحريض" عند كل فلسطيني يساوي مقاومة ومناهضة المحتل وبهذا فتحت طرق واساليب جديدة لكل فلسطيني ليصبح مقاوم محرض مناهض للاحتلال .
ان عقيدة الاحتلال لا يمكن ان تكون الا عقيدة محتلة لكل كيان فلسطيني ,ليس للأرض والمقدسات فقط وانما هذه عقيدة تهدف لاحتلال فكر وحرية وارادة الانسان الفلسطيني و السيطرة على فكرة وتوجيهه الى حيث يريد الاحتلال , ولعل هذا يضع امامنا جملة الاجراءات التي قد تقدم عليها إسرائيل جراء سياسة تحميل الاعلام مسؤولية المواجهة مع الاحتلال , فقد لا تكتفي اسرائيل بما قامت به وقد تلجأ الى اغلاق المزيد من المحطات الاذاعية "الراديو" ومحطات البث التلفزيوني وقد تصل الى اعتقال المزيد من العاملين بالإعلام و مديرو محطات البث الفضائي ومنع كل الفضائيات الفلسطينية الخاصة والرسمية من البث والعمل وايصال الحقيقة للعالم , هي دولة الاحتلال التي تخاف الحقائق وتعمل باي شكل على تهديد من ينقلها وقد تحاكم من ينشرها او حتى يتحدث عنها , لكن لابد وان يعرف كل ساسة اسرائيل ان الحقيقة ولن تموت ولن يستطيعوا حجبها وسوف نستمر في نقلها لكل افراد العالم الحر, وان اغلقت فضائية او اذاعة او موقع صحفي فان هناك مليون وسيلة امام الفلسطينيين داخل فلسطين وخارج فلسطين لتصل الحقيقة كاملة بحق وامانة وانتماء وطني لكل دعاة التحرر من الاحتلال والاستقلال والسلام بالعالم .
د. هاني العقاد