منذ وصلت حركة حماس الى السلطة ونجاحها في الانتخابات التشريعية وهي تخوض معركة شرسة مع التراث الذي عملت على ترسيخه في عقول الأجيال التي أمنت بها كحركة ذات منهجية عقائدية لا تعرف الكثير من الوسطية في الامور الواضحة وضوح الشمس في الحياة السياسية خاصة وبعض الاجتماعية والاقتصادية وحتى على صعيد رؤيتها للتطورات الحاصلة في محيطها العربي والاسلامي والدولي ,وهنا لا يخفى على أحد بأنه كان مجرد قبول حركة حماس المشاركة في الانتخابات التشريعية التي حصلت في 2006م كان بداية التحول الحقيقي في منهجية الحركة وسلوكياتها الظاهرة والمعلنة على أقل تقدير وأن كان على استحياء وتحت التغطية بشعارات فضفاضة ,لم يسمح لها بتستر خلفها كثيرا, فكان الوضوح من قبل الشريك المباشر والمتنفذ في السلطة الوطنية من خلال كتاب التكليف الذي أعطي للكتلة البرلمانية الاكثر حصولنا على الأصوات وهي بالطبع كتلة الاصلاح والتغيير والذي طالب من خلال الكتاب لرئيس الوزراء المكلف بتبني برنامج منظمة التحرير والاقرار بالاتفاقيات الموقعة والتي بناء عليها حصلت الانتخابات .
هنا غلبت نشوة الانتصار على تلمس الدرب المحفوف بكل المخاطر من جهة ومن جهة أخرى محاولات دولة الاحتلال ومجموعة الرباعية وبعض القوى الاقليمية حشر أنفها في الملف الداخلي ومجموعة المصالح الفردية كلها كان لها الدور في تأزيم المواقف وشد العروق ’فكان الرفض الحمساوي والحصار الدولي وتلاعب البعض حفاظا على مكانته التي باتت مهددة فكان التسرع الحمساوي الذي أفقدتها شرعيتها التشريعية الوطنية من خلال الانقلاب على السلطة الوطنية وهنا حصل الانقسام الذي دفعت أولا قضيتنا الوطنية ثمنا باهضا له ,حيث بات الانقسام الشماعة التي علق المجتمع الدولي كل الخزي والعار الذي يعيشه نتيجة حالة الصمت على الهمجية الصهيونية من خلال ممارسة القتل وسرقة الارض وتدمير المنازل وتهويد القدس .
وهنا مرت سنوات ونحن نعيش فيما بات يعرف بمسلسل المصالحة هذا المسلسل الذي يدر الكثير على من هم على خشبة المسرح بغض النظر عن حجم الاثار السلبية التي أنكست على المجتمع بشكل عام .
وهنا كان سوء التقدير والعجز على الرؤية المستقبلية من قبل حركة حماس ومحاولة لي ذراع السلطة الوطنية بالحصول على أكبر كم من المكاسب الحزبية بالاعتماد على نتائج غير ثابتة على أرض الواقع ورهن المجتمع والقضية الفلسطينية في حالة ضبابية غير أمنة ,فكان الطلاق البائن من النظام السوري الذي كان عمود الخيمة لتيار الممانعة وبكل تأكيد إغضاب ايران وحزب الله والارتماء في أحضان الرئيس المصري المخلوع مرسي ومحاولات اعتماد غزة كيان مستقل والتفكير الجدي بالانسلاخ عن السلطة الوطنية وتوسعة غزة على حساب الاراضي المصرية بالتوافق المصري التركي القطري في حينه دون التفكير في الابعاد المشبوهة التي يمارسها هؤلاء السماسرة وهنا وضعت حركة حماس المصالحة في ثلاجة الموتى بشكل رسمي مع الابقاء على بعض التصريحات الاعلامية التي من خلالها تزيح اللوم على السلطة بأنها هي المعطل للمصالحة .
ولكن وبعد أن ركدت المياه الاقليمية بشكل جعل الامور واضحة لمن يريد أن يتلمس الحقيقة وتوقيع الاتفاق الايراني الغربي وتغير التحالفات في المنطقة وسقوط نظام مرسي والتدخل الروسي القوي في سوريا وانحصار الدور التركي القطري وضعف تأثيره أمام قوى وإقليمية وازنة بات أمام حماس خيارات حصرية لا يوجد فيها مجالات لتكتيك أو التلاعب في الألفاظ وبعد أيصال قيادة حماس الى نتيجة مفادها أما تحديد المواقف وأما مصير حزب الله يكون مصيرك !.
وهذا لا يعني بقبول حماس كجسم خارج منظومة النظام السياسي الفلسطيني ولكن قبولها كجزء من النظام السياسي الفلسطيني بعد أعادة تعريف نفسها بأنها جزء من الحركة الوطنية الفلسطينية العاملة على الساحة الوطنية دون ارتباط مع أي من التنظيمات والمنظمات الدولية ودون الخروج عن سياسة النظام العربي الرسمي مع التوافق مع الرؤية الدولية لحل الصراع في المنطقة وهذا لن يكون ألا من خلال المصالحة الوطنية وإعادة توحيد مؤسسات السلطة الوطنية في شطري الوطن على أسس وطنية لا حزبية .
اخيرا أرى بأن حركة حماس لديها اليوم الجهوزية الكافية لتعاطي مع المصلحة الوطنية العليا لشعبنا ومع الإقليم بشكل ومن خلال الغطاء الوطني الذي سوف يكون هو الحامي الحقيقي للكل الوطني دون استثناء وخاصة بعد تجربة الثلاث حروب المدمرة على غزة دون جدوى ودون موقف حقيقي من كل نافخي الكير والذين باتو يغسلون أيديهم من دماء ابناء شعبهم من أجل العودة بالعلاقات مع اسرائيل الى ظاهر عهدها فكيف لا يضحون بورقة غزة التي كانت من أجل مكاسب سياسية واقتصادية .
نبيل البطراوي
عضو الأمانة العام لشبكة العربية
لكتاب الرأي والاعلام