تحتاج الإدارة والقيادة السياسية إلى قوة وحدوية وطنية وقوة تنظيمية سليمة ومترابطة ومتينة، وقوة جماهيرية حاضنة وملتفة لحماية وصيانة ومساندة وإنجاح أي قرار وطني، وهذا يدفع بكل قوة لإعادة ترتيب العلاقة الوحدوية الوطنية الفلسطينية والتنظيمية الفتحاوية، كي يتم التمكن من تحمل الآثار الناجمة عن أي قرار وطني، ومن توجيه الجماهير باتِّجاه الخطوة السياسية القادمة التي تعتزم القيادة الفلسطينية بوجهٍ عام والقيادة الفتحاوية اللاعب والمقرر الأساسي في بلورة وتطوير القرار السياسي الفلسطيني للخروج من الحالة العدمية التي يفرضها العدو الإسْرائيليّ، وقد ظهر جلياً بعض المحاولات التخريبية العابثة التي تحاول خلخلة التماسك الوطني والتنظيمي التي تلتقي مع سياسة العدو الإسْرائيليّ في محاولة احباط الخطوات السياسية والنضالية، ورغم الانجازات السياسية التي حققتها القيادة الفلسطينية على الساحة الدولية وفي الهيئات الدولية إلا أن المشهد السياسي الفلسطيني دخل في أزمات عميقة نتيجة عدة عوامل داخلية وخارجية.
فاستمرار حالة الانقسام وحالة التحريض والتراشقات الإعلامية المستمرة التي تتعرض لها قيادة حركة فتح من قِبل حماس، وبعض التجاذبات والتناقضات بين حركة فتح وبعض فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وما تشكله بعض التنظيمات الفلسطينية من ارتباطات خارجية مع محاور بعيدة عن الإجماع الوطني والسياق الوطني، وعمليات التحشيد والتجييش والمبايعات والمناكفات بين مجموعة من المحاور والأطراف داخل حركة فتح، خاصة تلك التحشيد والتحريض من قِبل أنصار سماسرة السياسة (المتجنحيين) وفئات الانتهازيين داخل صفوف أُطر حركة فتح في كل المستويات التنظيمية، وفي ظل توحش وغطرسة الإحتلال على شعبنا وأرضنا، وممارسة كل أشكال القمع والتنكيل والإعدامات الميدانية والاعتقالات، وإجراءات التهويد للمقدسات وزيادة الاستيطان، إنشغال المحيط العربي بالاستهداف المصيري، وتنصل الإحتلال الإيفاء بالالتزامات والمعاهدات، ومحاولة تقويض السلطة وإفراغها من محتواها الوطني، ناهيك عن التغيرات المتسارعة في السياسة الدولية والإقليمية ومحاور التحالفات وخارطة الشرق الأوسط السياسية والكيانية الجديدة.
مما يدعو لوقفة جادة لمراجعة الواقع والاتفاقيات السياسية والاقتصادية والأمنية والكيانية على المستوى الدولي والإقليمي وعلى مستوى عملية السلام بين الجانب الفلسطيني والجانب الإسْرائيليّ، وقد بدأت فعلاً القيادة الفلسطينية بإعادة النظر والتفكير جدياً في ذلك، كما يتوجب المراجعة الشاملة في طبيعة ثبات العلاقة الوحدوية التكاملية بين الفصائل الوطنية على الساحة الفلسطينية، والذي بدوره يشكل الركيزية الأساسية في إفشال مشاريع البدائل الخيانية، وإحباط المشاريع التصفوية للقضية الفلسطينية، وتبني رؤية واستراتيجية وطنية موحدة وشاملة تقوم على أساس إجماع وطني على قاعدة استراتيجية نضالية وكفاحية نحو استكمال المشروع الوطني التحرري بتحديث الأدوات والإجراءات والإسترايجيات الملائمة لتحقيق ذلك، وبناء مؤسسات الدولة الفلسطينية، وتعزيز المساعي الدولية من أجل تثبيت وتعزيز الإنجازات الوطنية، وإن أي تهاون أو تباطؤ قد يؤدي إلى القفز عن القضية الفلسطينية برمتها في ظل الصراع والتسارع الدولي والإقليمي الشامل وحتى الداخلي، كُلٌ يسعى لتحقيق مصالحه ويثبت بقاءه.
وتشتد المؤامرة على حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح كونها تمثل التاريخ والهوية الوطنية الفلسطينية وعصب الحياة النضالية، وهي الحامية والقادرة والمبادرة والرائدة للفعل الثوري، فما يجري على الحركة من حالة تحريض وإحداث مناكفات داخلية واستعراضات ومبايعات وعبث في الساحة التنظيمية وغيرها، يقوم بها سماسرة السياسة وأدواتهم، تتطلب من كل قيادات وكوادر الحركة والأُطر التنظيمية والمكاتب الحركية بضرورة التدخل الفعال والجاد، من أجل حماية البناء التنظيمي والفكر الوطني من التفكك والضياع على يد المتآمرين الذين يجدون من يحتضنهم ويغذيهم إقليمياً ودولياً، وبالتالي الوصول إلى حالة من التفتت والتدمير الذاتي، فلا أحد يرغب أو يسمح في أن تقع حركة التحرير الوطني الفسطيني “فتح” فريسة في يد مجموعة من السماسرة المتساوقين مع مخططات العدو الإسْرائيليّ والأمريكي، أو أن يحدث تصدعات في صفوفها وتكون ملعباً للعابثين والمتآمرين والخونة، أو أن يؤول مصيرها كتلك الأحزاب الحاكمة التي انهارت وانشطرت وتشتتت.
إنَّ الرهان الأقوى دوماً يعتمد على العنصر البشري الذي بصموده وتماسكه يستطيع أن يحبط أي عمل عدواني يستهدفه ويخل بكيانه وهويته وانتماءه وقناعاته، وهنا يتوجب على القيادة التنظيمية المركزية إعادة الثقة بين الجماهير والأطر التنظيمية والأطر القيادية، وحشد طاقات الكادر وتعزيز دوره، وتفعيل جميع الأُطر والأجنحة، وإعادة الهيبة للأطر التنظيمية في كافة المستويات، وتفعيلها وتنشيطها كي تتمكن من تفعيل الأعضاء، والقيام بتثقيفهم وتدريبهم وتعبئتهم وتوعيتهم وتجديد العهد والقسم معهم، وتقديم الخدمات المجتمعية، والتواصل مع مؤسسات وشرائح المجتمع المدني، وإيجاد قنوات التواصل الفكري والسياسي بين القيادة المركزية والأطر التنظيمية القيادية والشعبية والقاعدية، وتوحيد الخطاب والموقف السياسي الرسمي للحركة، وتعميم الموقف السياسي الرسمي عبر القنوات التنظيمية، وتوحيد المرجعيات التنظيمية، ووقف إثارة الإشاعات والمناكفات ملاحقة ومحاسبة مُثيريها، والعودة إلى مفاهيم الانضباط والإلتزام والمشاركة التنظيمية، وتنقية الأطر التنظيمية من المتجنحين والانتهازيين والدخلاء، وتطهير الأطر التنظيمية من الشوائب والمعوقات التي يخلقها العدو المحتل وأعوانه سماسرة السياسة، ملاحقة مروجي المال السياسي الفاسد، والتأكد والتأكيد على سلامة وضمان الأعضاء، والقضاء على كل أشكال التكتلات الشللية والعصبية والفئوية، وترسيخ الفكر الوطني والتنظيمي، وإعلاء المصلحة العامة، وتَحَمُّل المسؤولية الوطنية والتنظيمية.
بقلم / د. عاطف محمد شعث.
