قرية دوما الفلسطينية جنوب مدينة نابلس , تعود إلى واجهة العناوين وصدارة المشهد الفلسطيني الدامي , بجريمة صهيونية جديدة ,كادت أن تقضي على عائلة الفلسطيني إبراهيم الدوابشة حرقاً ,بعد إقدام بعض الإرهابيين من المستوطنين بإحراق منزله فجر الأحد (20-3) , لتعيد إلى الأذهان جريمة حرق عائلة أسعد الدوابشة بتاريخ 31/07/2015, والتي أسفر عنها إستشهاد الزوج أسعد وزوجته ريهام وطفله علي , ونجاة الطفل أحمد والذي يعاني من حروق وتشوهات في أنحاء جسده ,وتعتبر عودة المستوطنين لمهاجمة منزل جديد في قرية دوما وبذات الأسلوب, بمثابة إمعاناً في الإرهاب الصهيوني ضد أبناء شعبنا وإستخفافاً بالدم الفلسطيني, وإصراراً على قتل الفلسطينيين حرقاً كأبشع أدوات القتل الصهيونية ضد المدنيين في فلسطين , فما الذي أغرى المستوطنين الصهاينة بالعودة إلى جريمتهم وبذات الأدوات الإجرامية القبيحة ؟ .
سأحاول الإجابة عن هذا السؤال من خلال طرح مسائلتين مهمتين للنقاش , في مقدمتها غياب التفاعل الفلسطيني الجدي وضعف الأداء التوظيفي في جريمة حرق عائلة دوابشة , لا يختلف إثنان على أن التفاعل مع جريمة الحرق لعائلة دوابشة كان ضعيفاً ولم ترتقي إلى حجم الجريمة , ولم تسعى الجهات الفلسطينية الرسمية إلى توظيفها تفاصيلها في إدانة وفضح الجرائم الصهيونية عالمياً , وقارن لو كانت الحادثة تستهدف عائلة للمستوطنين كيف سيكون الإستغلال لها في محاولات الإحتلال الحثيثة لوصم مقاومتنا بالإرهاب , فلماذا لم تثار الجريمة إعلامياً عبر مؤسسات الإعلام الرسمي الذي يصرف عليه ملايين الدولارات من خلال مسلسلات وأفلام أو برامج تلفزيونية موجهة للرأي العام العالمي , لقد تراجع الإعلام الرسمي عن المتابعة المؤثرة لحالة الطفل أحمد دوابشة وهو الناجي الوحيد من جريمة حرق العائلة , وسجل إعلامنا تقصيراً وطنياً في نقل معاناة ومأساة الطفل أحمد بجوانبها الإنسانية , والتي تدمي لها القلوب , وهل غاب عن أذهان المسؤولين أهمية تحويل منزل عائلة شهداء دوابشة على مزار ومتحف وطني تؤمه الوفود الدولية التي تزور رئاسة وحكومة السلطة لفضح جرائم المستوطنين ويكون شاهداً على الظلم الواقع على شعبنا الفلسطيني ؟ , ويستمر التعاطي السلبي مع الجرح النازف لعائلة دوابشة , ويحق لنا أن نسأل أيهما أقرب للطفل أحمد دوابشة المقاطعة في رام الله , أم نادي ريال مدريد في أسبانيا ؟ ولماذا لم يكن الظهور الأول للطفل أحمد خارج المستشفى في مقر الرئاسة الفلسطينية ؟ أم أن فريق الرئاسة يخشى تهمة التحريض في حالة تم إلتقاط صورة مع الطفل دوابشة تكشف بشاعة وفظاعة الإجرام الصهيوني ؟! مع مباركتنا لزيارة الطفل دوابشة لمدريد , لعله ينقل بنفسه مظلومية عائلته , التي قتلتها العصابات الصهيونية حرقا أثناء النوم. وإستمراراً للتقصير الفلسطيني في التعامل مع الجريمة , من حقنا أن نسأل أيضا أين هو ملف جريمة حرق عائلة دوابشة الذي قيل في أكثر من مناسبة أنه أمام محكمة الجنايات الدولية ؟ في حين متابعة الأمر من قبل المؤسسات الحقوقية الفلسطينية , تكشف عدم صدق وجدية السلطة بالتوجه للجنايات الدولية في ملف حرق عائلة دوابشة وغيرها من ملفات الجرائم الصهيونية , من كل ما سبق يتضح لنا جلياً غياب التبني الرسمي للمظلومية الوطنية الفلسطينية , متمثلة بعائلة دوابشة التي تعرضت لأبشع جريمة تتنافى مع كل القيم والمبادئ التي تعرفها وتمجدها البشرية , فماذا نخسر هذه المعركة الإنسانية رغم توفر أسباب وعوامل النصر في مواجهة باطل الإحتلال وإجرامه ؟! .
المسألة الثانية التي تحفز الإجرام الصهيوني هي إنعدام النهج المقاوم لذا أصحاب القرار والحكم في الضفة المحتلة , تلك المقاومة التي تدفع أذى المستوطنين وتوقف جرائمهم , وغياب ذلك شجع المستوطنين الصهاينة على إرتكابهم لتلك الجرائم الدموية, في ظل إنحسار الرادع الحقيقي المتمثل بالمقاومة الحقيقة والتي تشكل حاجز الصد أمام كافة أشكال العدوان ضد أبناء شعبنا في مدننا وقرانا الفلسطينية.
ومع تجدد الإجرام والإرهاب الصهيوني في كل يوم على الأرض الفلسطينية , سواء كان ذلك عبر الجيش أو مليشيات المستوطنين , فإن العلاج الفعال لداء الإحتلال هو المقاومة بكافة وسائلها المتاحة والمتوفرة لذا الشعب الذي يخضع للإحتلال , فما بال البعض منا يمضي عكس التيار ويجافي الفطرة الوطنية السلمية, ويصر على أن يسلك الشعب الفلسطيني بأكمله مسلك الخاضعين والمنهزمين أمام الإحتلال ؟! بتحريمه الكفاح المسلح وإرغامه للكل الوطني أن يؤمن بالمظاهرات والإعتصامات السلمية طريقاً لإستعادة الوطن وإسترداده من بين أنياب الإحتلال البغيض ! .
نؤكد على حق شعبنا في المقاومة مراراً وتكراراً , لأن المستوطنين ما كنت ستحصل لهم هذه الجرأة بإقتحام القرى وإحراق العائلات الفلسطينية , الا بعد أن تم تغييب المقاومة المسلحة عن شوارع الضفة المحتلة , التي أرعبت المستوطنين وألزمتهم مستوطناتهم أو أجبرتهم على الفرار نحو الداخل الفلسطيني ,ولعل هذا ما شاهدناه خلال أحداث إنتفاضة الأقصى ما بين أعوام (2000 – 2005 ) والتي شهدت موجة كبيرة وقوية من العمليات الفدائية ضد التجمعات الإستيطانية في الضفة المحتلة ,وكانت نتائج ذلك أن تم طرح مسألة إخلاء المستوطنات وجدوى بقائها في النقاش السياسي داخل المجتمع الصهيوني , وللأسف عاد سعار الإستيطان يشتد داخل الضفة المحتلة , في أجواء من التنسيق الأمني وقمع أي حراك وطني مقاوم للإحتلال ومستوطنيه , ومع إختلال المفاهيم هناك من يرى في قمع الإنتفاضة وإجهاضها بمثابة المشروع الوطني الذي يتباهى به على شاشات التلفزة ! وإعتبار أن مقاومة الإحتلال ومستوطنيه حتى لو كانت بالحجارة مضرة بالمصالح الفلسطينية العليا ! , وهنا تكون الحاجة أكثر إلحاحاً لإقرار المشروع الوطني الفلسطيني التحرري القائم على الثوابت والحقوق التاريخية في فلسطين بعيداً على أوهام وسراب التسوية مع الإحتلال .
بقلم/ جبريل عوده