مضى ما يقارب السنوات الثلاث على فوز الفنان محمد عساف بلقب محبوب العرب وهو اول فلسطيني يفعل ذلك وسطع نجم عساف في كل الوطن العربي ووجدنا الجميع يهنئ ويكرم ويدعو ويصفق وحصل عساف على القاب دولية منها سفير النوايا الحسنة للشباب وسفير الاونروا وسفير السلام وسفير فلسطين ولكن شيئا من كل ذلك لم يتم متابعته وعاد محمد عساف واحدا من الفنانين او بالأحرى المؤدين صاحب الصوت الرخيم والطلة الحسنة لا اكثر ولا اقل, محمد عساف جرى استغلاله فقط في الاعلان التجاري وفي الاشاعات الشخصية حول حياته وشخصه واحدا لم يحاول ان يجعل من هذا الشاب فرصة لرفع اسم قضيتنا وشعبنا وفيما عدا زيارة يتيمة للأمم المتحدة فان احدا لم يسمع عن نشاط حقيقي للشاب الموهوب وصاحب الفرصة النادرة لشاب فلسطيني ابن مخيم من غزة بكل ما تعني هذه الصفات من معاني ودلالات يحتاج شعبنا الاهتمام بها كثيرا حتى ان محمد لم يعد يتردد على غزة ولو من باب لفت الانتباه الى ما يجري هناك, وبدل ذلك يتم تقديم محمد عساف كشاب غير مثقف ولا يدري ما يقول ولا تعني له شيئا قيمة ما يقول على المتلقين كنجم له من ينصت اليه وما فعله في اللقاء الاخير وحديثه عن المرأة والفن كان اخطر ما يمكن ان يقال.
الحالة نفسها تتكرر وتفوز مبدعة فلسطينية هي المعلمة حنان الحروب وهذه المرة على مستوى العالم وبموضوع له كل العلاقة بقضيتنا وشعبنا ومسيرة الكفاح التي نخوضها والدعابة الصهيونية المتواصلة والمحمومة لتصوير شعبنا كإرهابيين فتاتي حنان ومشروعها عن اللاعنف لتصفع إسرائيل ودعايتها صفعة قوية وعلى مستوى العالم مما دفع حتى بابا الفاتيكان لتهنئتها, واسرائيل واعلامها ليصابوا بالصدمة ولكن صدمتهم كما تعودنا منهم لا تطول فقد بادر احدهم لطرح سؤال خبيث عن النسبة التي ستتبرع بها حنان من جائزتها لحركة حماس.
نحن ابدعنا بالتصفيق لحنان وتكرينها والتعني بها لكن السؤال ما هي برامجنا لحنان ومشروعها وماذا اعددنا من خطة للاستفادة القصوى من فرصة هذا الصعود المميز لمعلمة فلسطينية تقدم على مستوى العالم مشروعا لتعليم اللاعنف في نفس الوقت الذي يحاول الاحتلال جاهدا ان يلصق بنا جريمته ويصفنا نحن بأصحاب الارهاب ودعاة العنف.
ان عودة حنان الى المدرسة كمدرسة عادية جريمة بحق شعبنا وقضيتنا فهي قبل أي كان تستحق لقب سفيرة فلسطين للسلام في العالم وهي افضل داعية لبلادنا وقضيتنا ضمن رؤيا وخطة لإسقاط الدعاية الصهيونية قلبها على اصحابها.
في الوقت الذي فازت فيه حنان بلقب افضل معلمة في العالم فان الثقافة الصهيونية تتمادى في عنصريتها ضدنا وفي اوساطها حتى لكن الامر بحاجة لمن يفضح ذلك وباعتقادي ان حنان هي افضل من يفعل ذلك
الجدار الحي هو عنوان كتاب الكاتبة الإسرائيلية دوريت رفينيان والذي يتحدث عن قصة عشق بين مترجمة يهودية هي ليان ورسام فلسطيني هو حلمي وكان هذا الكتاب قد أدرج ضمن كتب وزارة المعارف الإسرائيلية إلا أن وزير المعارف المتطرف وزعيم حزب ( البيت اليهودي ) اخرج الكتاب من المناهج التعليمية بحجة الحفاظ على الهوية والموروث الثقافي اليهودي وفي نفس الوقت تقر هذه الوزارة تدريس مادة المدنيات للمدارس الثانوية بكتاب بعنوان " ان نكون مواطنين في اسرائيل " والكتاب موجه للعرب ايضا وهو يتحدث عن اسرائيل اليهودية والديمقراطية في ان معا رغم التناقض الصارخ بين المفهومين فانت تقرر مسبقا صبغة الدولة بانها يهودية ثم تضيف الديمقراطية كإضافة دون ان تفكك الصبغة الاولى باعتبار اسرائيل دولة دينية يهودية يمكن لها ان تمنح غير اليهود حياة ما كضيوف عليهم لا اكثر مهما حاول مؤلفو الكتاب تجميل الصورة.
كتاب ان نكون مواطنين في اسرائيل يقدم رواية تبدو محايدة بالشكل الخارجي الا ان الحقيقة المسمومة هي تصوير متعمد للغياب العربي عن دائرة الفعل فهم رغم محاولة تقديم سرد يبدو محايدا لقضية الصراع في فلسطين ونشاته الا ان الحقيقة المسمومة تبدو الى جانب كل التوريات بفكرة خبيئة تتكرر اكثر من مرة وهي ان الفلسطينيين لم يحاولوا حتى ان ينشئوا دولتهم او كيانهم بمعنى عدم القدرة وعدم التنظيم والضعف وهم في مدنياتهم التي يعلمونها للفتية العرب ايضا يعيدون الامور الى صك الانتداب لعصبة الامم على فلسطين ويبرزون بشكل خبيص حكاية الحكم الذاتي للمواطنين العرب.
حنان الحروب جائزة لفلسطين تساوي الملايين ان احسن استغلالها ولم تصبح مجرد معلمة فلسطينية فازت بجائزة مالية وبفرصة للشهرة الشخصية والسلام بل على فلسطين كل فلسطين ان تحول الفوز الى جائزة للوطن كل الوطن وللقضية كل الفضية وان تتحول حنان الى بندقية للخير والسلام تطلق سهامها على المشروع الصهيوني الارهابي في فلسطين والعالم.
اليوم بعد حنان الحروب لم نعد عزل في ساحة صراع الحضارات والثقافات والتربية في العالم فقد اخترقت حنان كل الحواجز وتربعت على عرش التربية في الكون وهو اخطر وانبل العروش وبهذا فقد اصبح لدينا سلاح اممي انساني فعال ومتقدم ولا يحتاج الى انجاح بل الى تفعيل واسناد ومتابعة من قبل كافة المؤسسات الاهلية والرسمية المعنية ضمن خطة وطنية فلسطينية متماسكة ومتكاملة هدفها قضح ارهاب الدولة الصهيوني ورفع صورة الفلسطيني الانسانية والحضارية وذلك لن يكون بمجرد الامنيات وفي المقدمة دون ان نقدم حلولا لجدارنا الداخلي بكل قضايانا وفي مقدمتها قضية المعلمين التي نصر على تفجيرها وهي ان ظلت كذلك ستدمر حتى ما انجزته حنان كمعلمة فلسطينية ويتحول هذا الانجاز الى عمل فردي سيذوي مع الايام بمشروع ملقي في الادراج قد تستخدمه حنان وحدها في بيتها والسلام بل ينبغي لها ان تتحول الى فعل فلسطيني حي لا محض جائزة تموت.
بقلم
عدنان الصباح