فلسطين لن تكون "الحيط الواطي"

بقلم: علي الصالح

مرة أخرى أضطر في اللحظة الأخيرة إلى تغيير الاتجاه في موضوع مقالي الأسبوعي.. هذه المرة سببها تصريح لمسؤول أمني سابق في دولة الإمارات.
وليس بسبب تصريح صادر عن شخصيات تبحث عن شهرة في بلدها، ولعب دور حتى إن كان بدعم إسرائيل، أو صحافيين عاقين يسعون لتحسين أوضاعهم وتعزيز مكانتهم عن طريق تقديم خدمات جليلة لدولة الاحتلال، أو كتاب أعماهم الكره للشعب الفلسطيني فراحوا يعلنون عن دعمهم لإسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها ضد "القتلة الفلسطينيين".. أو حتى سياسيين يعتقدون خطأ بأن أقصر الطرق إلى أمريكا تمر عبر إسرائيل، وقد كتبنا عن هؤلاء وللتذكير فقط..
الفئة الأولى يمثلها النائب المضروب بالحذاء والمطرود من مجلس الشعب المصري توفيق عكاشة، بعد استضافته للسفير الاسرائيلي في منزله.
ويمثل الفئة الثانية "صحافيو العار" الذين لبوا دعوة رسمية من وزارة الخارجية الاسرائيلية بغرض، كما يزعمون، الاطلاع عن كثب على الحقائق وتزويدهم بالحجج والمعلومات التي تسمح لهم بتغيير وجهات نظر قرائهم والدفاع عن دولة الاحتلال.
والفئة الثالثة التي يمثلها "الكاتب الكويتي" عبد الله الهدلق التي لا اعرف دوافعها الحقيقية وتفسيرها الوحيد هو، الغيرة والحقد والكراهية والضغينة للشعب الفلسطيني، الذي رغم مرور حوالي قرن كامل على مأساته وحوالي 70 عاما على احتلال أرضه وتهجيره، لا يزال صامدا على أرضه يقاوم ويقارع الاحتلال ومصمما على التحرر والاستقلال، رغم أنفه وانف من لف لفه وهم قلة قليلة. أما الفئة الرابعة فيمثلها سياسي مثل مثال الالوسي زعيم حزب الأمة العراقي أو كمال اللبواني المعارض السوري المزعوم، بحثا عن دور بدعم إسرائيلي. والفئة الخامسة يمثلها الروائي يوسف زيدان، الذي يريد أن يلغي التاريخ المتعارف عليه ويلغي معه قدسية القدس، التي اصبحت رمز النضال الفلسطيني.
فئة سادسة جديدة.. فئة لا نعرف إن كانت حالة فردية، أم أن وراءها نهج اعمق واخطر.. نهج يتبلور في المنطقة العربية باسم الواقعية الجديدة، التي وفرها ما يسمى بـ"الربيع العربي".. وأن ما يقوله ممثل هذه الفئة ليس إلا بالونات اختبار. نهج جديد لا يريد أن يلغي قدسية القدس فحسب، كما في حال زيدان، بل قدسية القضية الفلسطينية برمتها، التي قدم من أجلها الشعب الفلسطيني والشعوب العربية الاخرى عشرات إن لم يكن مئات آلاف الشهداء.
يمثل هذه الفئة النائب السابق لرئيس شرطة دبي "الفريق" ضاحي خلفان، لأن ما نطق به كفر. يجب ألا يؤخذ ما قاله، باستخفاف أو هزل كما يرى البعض، حتى يثبت أن الامر لا يتعداه، وأن دولة الإمارات عامة وإمارة دبي خاصة، لا علاقة لهما بما قاله. ولا بد من النأى بالنفس عنه والتنصل مما قال. وثانيا أن تحاسبانه على تصريحاته التي فيها محاولة للتحقير ليس لفلسطين واسمها، بل للعرب ككل. ولا يكون مقبولا القول إنه دائما "يغرد خارج السرب". وإن ما قاله هو موقف شخصي.
فقبل أن نلقي الضوء على ما قاله، لأن مصطلح التغريد في هذه الحالة فيه ظلم للعصافير، لا بد من التذكير بأنه كان مسؤولا عن الأمن في إمارة دبي عندما نفذ جهاز "الموساد" الاسرائيلي على ارضها عملية اغتيال محمود المبحوح، احد كبار قادة حماس في يناير 2010.. فماذا قال في آخر "تعليق" له على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي تويتر: "يرى خلفان ألا داعي لقيام دولة فلسطينية والاكتفاء بدولة اسرائيل.
لو اقتصر الأمر على ذلك كان يمكن القول إن هذا رأيه وهو حر فيه.. ولربما فسر إيجابيا بأنه يريد "خوزقة" اسرائيل وتوريطها في دولة ثنائية القومية ستكون الغالبية فيها في غضون أقل من 20 عاما للفلسطينيين.
والشيء بالشيء يذكر، فان الرئيس الليبي الراحل العقيد معمر القذافي كان قد سبقه في هذه القضية وكان اكثر كرما منه، بان دعا في تسعينيات القرن الماضي، إلى قيام دولة واحدة باسم يجمع بين نصف اسم إسرائيل ونصف اسم فلسطين "اسراطين". لكن خلفان كما قال سابقا، يريد لها أن تكون اسرائيل، لأنه قال وبسخرية أن اسم فلسطين مكون من "فَلَس" و "طين" لا يعجبه، مستطردا "أن هذا الاسم ما يعجبنا واسم إسرائيل أفضل"!!. ويقول أيضا، يجب ألا نتعامل مع اليهود على أنهم أعداء، بل كأبناء عمومة نختلف معهم على وراثة أرض، وان الفيصل في الحكم من يقدم دليلا".
هذا كلام خطير، بل خطير جدا ويحمل في طياته محاولة لنسف الحقائق والتاريخ.. فهو بذلك إنما ينفي حق الفلسطينيين في فلسطين، ويصور الأمر وكأنه مجرد نزاع على وراثة قطعة أرض، الفوز فيها لمن يقدم الدليل الاكثر اقناعا، وليس وطنا محتلا.
ثانيا أنه يريد أن يلغي حقيقة أن هناك شعبا مشردا هجر من بيته واقتلع من ارضه لتقام عليها دولة احتلالية استعمارية. ولا يعلم، كما يبدو، أن اليهود كانوا يعيشون بسلام وأمن في فلسطين وبين الفلسطينيين وفي الدول العربية أيضا، لولا وصول الفكر الصهيوني الاستعماري المدمر المقبل من أوروبا.
وثالثا: ويفهم من كلامه أن الذي يتحمل مسؤولية ما يجري هو العناد الفلسطيني، ورفضه التعايش والسلام مع "ابناء عمومته"، وليس الرفض الاسرائيلي للوجود الفلسطيني، انطلاقا من قناعة راسخة لديه بأن المسألة لا تكمن في دمج الطرفين في دولة واحدة أو شعبين في دولتين.. ويحاول أن يتذاكى، وكأن اسرائيل لا تعرف الاحصائيات التي يتحدث عنها. عندما يقول إنه في الدولة الواحدة سيمثل الفلسطينيون بعد 70 عاما 75% من سكان اسرائيل… ونذكره بأن فكرة الدولة الديمقراطية هي من بنات افكار الثورة الفلسطينية في اواخر ستينيات القرن الماضي، وليست من بنات أفكاره… ورفضت اسرائيليا. والذي لا يستوعبه خلفان، إذا افترضنا حسن النية، هو أن الحركة الصهيونية تدرك هذه الحقيقة وهي تسعى للتخلص من العنصر الفلسطيني قدر المستطاع، وعلى أقل مساحة ممكنة من الأرض. وهي تعرف جيدا أن الصراع هو صراع وجود وليس نزاعا على قطعة ارض، بعبارة اخرى فإن مجرد الوجود الفلسطيني مناقض لفكر الحركة الصهيونية الاستعماري الاستيطاني الشيطاني.
مرة أخرى يبدو أن "المسؤول الأمني" السابق يفهم الأحداث من حوله بالمقلوب. ويفترض خطأ أن الفلسطينيين هم الذين لا يريدون العيش بسلام وليس اليهود، الذين بعد حوالي 23 عاما على توقيع اتفاق أوسلو يماطلون ويرفضون تطبيق ذاك الاتفاق المشؤوم بحجج واهية. ومرة أخرى يشكك " خلفان" في القدرات الإدارية للعرب والفلسطينيين عاكسا بذلك عقدة النقص أو عقدة الأجنبي عنده وعند أمثاله. ويقول إن دولة فلسطينية بإدارة عربية ستكون زيادة دولة فاشلة في العالم العربي على الدول الفاشلة عربيا وما اكثرها. اعتقد أن العرب بشكل عام و الفلسطينيين على وجه الخصوص تنقصهم الطاقات والقدرات والعقول الإدارية والاقتصادية والسياسية الخ.
وفي محاولة لبث الاحباط في النفوس يقول: "أيها العرب لن توقفوا إسرائيل عند حدها ولن تعترف بكم إلا إذا أصررتم على أن تكونوا جزءا منها"… ويضيف، "التقارب يحل المشاكل.. ليش ما يكون لنا مع اليهود تحالف ضد أعداء الشرق الأوسط." والسؤال هو من هم اعداء الشرق الاوسط غير اسرائيل ومن يقف وراءها ويدعمها ويسلحها. ويعود ليناقض نفسه بالقول إنه رجل أمن وبنيامين نتنياهو إرهابي".. فكيف لرجل أمن أن يسلم رقبته لإرهابي.
واختتم برجاء لمن كانت لديهم الرغبة في أن يكونوا كرماء، أن يكون كرمهم على حساب بلدانهم لا على حساب فلسطين.. ففلسطين ما كانت يوما "الحيط الواطي" ولن تكون.

٭ كاتب فلسطيني من أسرة "القدس العربي"

علي الصالح