نجيد التشخيص حتى وإن اختلفنا في بعض تفاصيله، ونجيد أكثر البكاء على الحاضر الذي يأخذنا إلى دهاليز تفضي إلى المزيد من الخيبة والألم وجلد الذات، وتأخذنا صورة من الماضي إلى مساحة الحسرة على ما فات، نلهث يومياً خلف مفردات حياتنا التي تزداد تعقيداً دون أن يلوح في الأفق ما يخفف من وقعها، نغفو كي نصحو على وقع أقدام تركناها منذ سنوات، بات همنا أن نطوي الأيام دون أن نغادر مواقعنا، فقدنا القدرة على المبادرة ورحنا نرقب كرة الثلج وهي تتدحرج أمامنا، ننتظر حلولاً تهبط علينا من السماء لتنتشلنا من واقعنا المرير، يخفت من حولنا الأمل بيوم أفضل، ويتحول المتفائل منا إلى من يحلم بالفوز بجائزة اليانصيب دون أن يفكر في شراء ورقة يتكيء عليها في حلمه.
باتت الكثير من قضايانا من فئة الأمراض المزمنة التي لا نتطلع للشفاء منها بقدر ما نبحث عن محاصرة تداعياتها، وطالما بقينا على هذا الحال دون أن نطرق أبوابها بحلول منطقية تلامس الواقع أكثر مما تفعله مع الخيال، سنبقى نراوح مكاننا إن لم تنزلق أقدامنا نحو منحدر يأخذنا إلى المجهول، مؤكد أن الانقسام الفلسطيني يقف خلف الكثير من مآسينا، والواضح أيضاً أننا عبر اللقاءات الموسمية لا نسعى لمعالجة تداعياته بقدر ما نلهث خلف عناوين لا تكفل لنا طي صفحة الانقسام على أرض الواقع بقدر ما تجمل قليلاً من الصورة، فهل حقاً أن تشكيل حكومة وحدة وطنية والتوافق حول الانتخابات يمكن لهما أن يوصلا قارب المصالحة إلى بر الأمان؟.
من غير المنطق في شيئ التعامل مع المصالحة بملفاتها المختلفة رزمة واحدة، لأننا نكون بذلك كمن يزيد من أثقاله وهو يعرف مسبقاً أنه غير قادر على الحركة بأقل منها وزناً، مهم أن نتفق على رزمة القضايا لكن الأهم أيضاً أن نتوافق على التنفيذ طبقاً لأولويات تحددها الحاجة والمقدرة، وبالتأكيد أن اللقاءات المتباعدة التي يغلب عليها الطابع البياني الذي يصفها دوماً بالإيجابية والبناءة تحت طائلة اشاعة التفاؤل لا تعمل على معالجة الواقع بقدر ما تسعى لتجميله.
ما الذي يمنع أن تبادر الفصائل الوطنية والاسلامية في قطاع غزة إلى تفعيل دور لجنة المتابعة العليا للقوى الوطنية والاسلامية؟، ليس بهدف خلق صالون ثرثرة فكرية يتحصن كل منا في مكانه على قاعدة تسجيل النقاط على الآخر، بل ضمن منظومة عمل تضع الحلول للمشاكل التي يعاني منها المجتمع، ولا يشكل ذلك بديلاً عن جهود المصالحة التي ترعاها هذه الدولة أوتلك، بل رافداً لها وقوة دفع تسرع من وتيرة المصالحة وطي صفحة الانقسام، هل من الصعب على لجنة المتابعة العليا أن تتفق حول جملة القضايا التي تفاقم من معاناة شعبنا وأن يتم ترتيب الولويات فيها طبقاً لمقدرتنا على ايجاد الحلول الملائمة لها والشروع فوراً في تنفيذها؟.
لنأخذ على سبيل المثال مشكلة الكهرباء في قطاع غزة، هل فعلاً أنها من المشاكل المستعصية على الحل؟، وكيف يمكن لنا أن نقبل أن تتواصل معاناة شعبنا تحت ذريعة غياب الإرادة في طي صفحة الانقسام؟، ألم تتحول مشكلة الكهرباء إلى ملعب المناكفة بين سلطة الطاقة في غزة والحكومة في رام الله حول ضريبة "البلو" دون أن تكلف نفسها أي منهما لطرح الحلول العملية لمعالجة النقص الحاد في الكهرباء التي تصل القطاع؟، ألم نتحول إلى موقع المتفرج في انتظار أن يهبط علينا الحل تارة من تركيا عبر سفينة عائمة وتارة اخرى من قطر عبر الطاقة البديلة؟، ألا تحركنا معاناة شعبنا إلى أن نبادر نحن بالبحث عن حل لها يتوافق مع احتياجاتنا وامكاناتنا وقدراتنا؟.
من الممكن أن يواصل كل منا تحميل الآخر مسؤولية ما آلت إليه أمورنا، ومن الممكن أن يباهي كل منا بموقفه الصائب ليس على قاعدة تقديم الحلول لأزمات شعبنا بل إنطلاقاً من فشل الآخر؟، لكن بالمؤكد أن ذلك سيبقينا نراوح مكاننا في الوقت الذي تتدحرج فيه مشاكلنا وتفاقم من معاناة شعبنا، ألا تفرض علينا الأزمات التي يعاني منها قطاع غزة إلى ضرورة تفعيل لجنة المتابعة العليا للقوى الوطنية والإسلامية لممارسة عملها؟.
بقلم/ د. اسامه الفرا