نكتب عن فلسطين.. القضية التي بدأ يلفها غبار النسيان العربي والدولي.. نكتب عن جرائم الحليف الاسرائيلي الجديد للعرب في حق اشقاء لم يعودوا اشقاء.. واعداء تحولوا الى اصدقاء، بل حلفاء.
جندي اسرائيلي يطلق الرصاص على رأس شاب فلسطيني جريح، غائب عن الوعي، من جراء اصابته بجروح بعد محاولته طعن اسرائيلي.. ينتفض جسده الطاهر مع كل رصاصة.. يتدفق شلال من الدماء من رأسه.
سيارات الاسعاف المتواجدة في المكان وطواقمها لا تحرك ساكنا، ولا تلتفت الى المصاب الملقى على الارض وكأنه ليس بشرا.. ولا تعير اي اهتمام لجرحه الاول النازف.. ولا لجرحه الثاني القاتل.
الكاميرا كانت هناك.. كاميرا متطوع فلسطيني في منظمة “بتسليم” الاسرائيلية التي تدافع عن حقوق الانسان.. وثقت الجريمة بكل تفاصيلها الوحشية.. ترى كم جريمة مماثلة وقعت ولم تكن هناك كاميرات توثقها؟
***
نسأل.. لماذا ينفذون اعمال الاعدام بدم بارد وبالرصاص الحي؟ لماذا لا يستخدمون القنائل المسيلة للدموع؟ لماذا لا يستخدمون الرصاص المطاطي او الصواعق الكهربائية في مواجهة كل فلسطيني يستخدم السكين او المقصات للتعبير عن رفضه للاحتلال واذلاله واغتصابه؟
اسئلة منطقية ومشروعة.. ولكنها في مكانها الخطأ.. وتجاه “البشر” الخطأ.. فمن يقدمون على مثل هذه الجرائم لا يمكن ان يكونوا من فصيلة البشر.. ولا يمكن ان يؤمنون بأي قيم حضارية او غير حضارية.. بل بقيم وعقلية الوحوش ورجال العصابات والخارجين عن القانون.. والله لا نبالغ اذا قلنا ان هؤلاء اكثر انسانية واخلاق من هذا الجندي الاسرائيلي وامثاله، ومن يدعمونه، والدولة التي يمثلها.
بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي يقول ان هذه الجريمة تشكل خرقا لـ”قيم” الجيش الاسرائيلي.. اي قيم هذه.. واي جيش هذا.. وهل اعدام شبان مراهقين ميدانيا دون تردد بحجة حملهم سكاكين، وليس لاستخدامها، هو من قيم هذا الجيش، او اي جيش آخر في العالم؟
هذا الجندي المجرم الذي اطلق النار على انسان جريح ينزف ملقى على الارض لا حيله له، تحول الى بطل قومي اسرائيلي، يجد الدعم والمساندة من وزراء ومحامين واطباء واناس عاديين، يشنون حملة ضغط على الجيش لعدم محاكمته او حتى التحقيق معه، اي شعب هذا، واي انسانية يتسم بها.
صحيفة “لوس انجليس تايمز″ الامريكية قالت ان 46 بالمئة من الاسرائيليين اكدوا في استطلاع للرأي اجرى على وسائل التواصل الاجتماعي تأييدهم لهذا الجندي المجرم وطالب البعض منهم بمنحه وساما.
الحاخام الاكبر لليهود الشرقيين يتسحق بن يوسف يبارك مثل جرائم الحرب هذه.. وهو الذي اصدر فتوى تبيح للجنود قتل اي “مخرب” فلسطيني يحمل سكينا، وهو الحاخام الذي من المفترض ان يكون من دعاة السلام والتعايش والتسامح.
علينا ان نتصور لو ان فتوى كهذه صدرت عن احد الشيوخ الرسميين، او غير الرسميين العرب، او نشرتها صحيفة، او بثتها محطة تلفزيونية عربية.. تخيلوا ردود الفعل واتهامات بالتحريض على القتل.. وتبني هذا العالم الغربي واعلامه المنافق لها.
***
يتحدثون عن جرائم النازية.. ووحشية اعدامات “الدولة الاسلامية”.. فماذا يقولون عن اعمال القتل هذه من قبل جنود يمثلون دولة تدعي انها دولة قانون، والاكثر حضارية، وديمقراطية، واحتراما لحقوق الانسان، وسط محيط من العرب والمسلمين الهمج والمتخلفين؟
رحم الله الشهيد عبد الفتاح الشريف، ابن الخليل البار، الذي فضح هذه الدولة العنصرية الارهابية بدمائه الطاهرة.. رحم الله كل شهداء فلسطين الذين قدموا ارواحهم ودمائهم انتصارا للحق والعدالة، ودفاعا عن كرامة، او ما تبقى من كرامة امة، استمرأت الهوان.
عبد الباري عطوان