الفلسطينيون ووهم الدولة

بقلم: رشيد شاهين

بعد ما يزيد على العشرين عاما من مفاوضات اجمع العالم وعلى رأسهم  القيادة السياسية الفلسطينية، انها لم تثمر عن شيء يذكر، ووصفت في أكثر من مناسبة ومن أكثر من طرف، بأنها لم تكن سوى مفاوضات عبثية ومضيعة لوقت، استطاعت خلالها دولة الاحتلال أن تقلب الأرض المحتلة رأسا على عقب، وان تغير فيها من الديموغرافيا وبناء المستوطنات، ما لم يحدث خلال كل ما سبقها من سنين.

بعد كل ذلك، ما زال هنالك من يراهن على إمكانيات هي في الحقيقة وهمية، لبث روح ولو متهالكة في تلك المفاوضات، وما زال هنالك من يبحث عن مخرج يحفظ ولو قليلا ماء الوجه، لمسار ثبت عمليا انه خاو ولن يؤدي إلا إلى مزيد من نهب الأرض ومصادرتها وإقامة المستوطنات لجيش من المستوطنين المهووسين بقصص التاريخ الكاذب وقدسية مزعومة.

عند الحديث عن مفاوضات تجري بين الأعداء، لا بد بداية من الاتفاق على ان هنالك إمكانية وقبول من أطراف النزاع واعتراف كل طرف بالطرف الآخر، الأمر الذي هو في الحالة الفلسطينية الصهيونية غير موجود أصلا، ذلك لأن الطرف الصهيوني ومنذ البدايات الأولى للصراع لا يعترفون أساسا بشعب فلسطين، وهذا كان واضحا من خلال شعارهم المعروف "ارض بلا شعب لشعب بلا أرض".

وحيث أن الأمر كذلك، فانه كان حريا بقيادة الشعب الفلسطيني ان تأخذه بعين الاعتبار، والتعامل معه بشكل أساسي، ذلك انه لا بد سيقود إلى نتيجة حتمية تقول بأن لا إمكانية لقيام أو الوصول إلى سلام دائم أو عادل، مع دولة قامت في الأصل على أيدي عصابات ارتكبت كل ما يمكن تصوره من موبقات وجرائم ضد الشعب الفلسطيني من أجل تثبيت دولة البغي والعدوان على أنقاض هذا الشعب.

الرهان على الوصول إلى "ولو إمكانية هزيلة" لسلام مع دولة العصابات الصهيونية، خاصة في ظل تردي الواقع العربي الراهن كما لم يحدث من قبل خلال مسيرة الصراع، يصبح أكثر عبثية مما كان عليه الحال عندما ابتدأت المفاوضات العلنية بفعل الانتفاضة الأولى في مدريد ومن ثم بالسر وبشكل يبعث على التساؤل والاستهجان في "موقعة" أوسلو البائسة.

ما جرى في الوضع الإيراني ومحاولة التماهي معه، لا يمكن أن ينطبق على الواقع الفلسطيني وذلك لان هذين أمرين مختلفين تماما، كما ان محاولة تقليد الوضع كما هو الحال في المشكلة السورية، ليس سوى قفز في فراغ سرمدي بلا نهاية.

ان البحث عن إمكانية العودة إلى مفاوضات عبثية مجددا، ليس سوى عبث آخر لا بد من أحد ما يدعو إلى إيقافه، ذلك ان استئنافه لن يؤدي إلا إلى منح دولة الاحتلال المزيد من الشرعيات غير المبررة، خاصة في ظل الواقع المفروض على الأرض، والذي أصبح مرئيا بلا مواربة ليس فقط من قبل المواطن الفلسطيني العادي، وإنما من كل ساسة العالم.

ختاما، نعتقد بأن بقاء الحال على ما هو عليه، هو أفضل ألف مرة من استمرار المفاوضات، خاصة وان الصورة باتت أكثر وضوحا في ظل الواقع الحالي، والتي لا بد من الإقرار بها، والتي تقول ان دولة الاحتلال ليست في وارد التوصل إلى تسوية سلمية للصراع، وانها غير جاهزة كما لم تكن دوما، للموافقة على حصول الشعب الفلسطيني على دولة مستقلة وعاصمتها القدس، ناهيك عن حق العودة للاجئين.

ان أكثر ما يمكن ان تسعى دولة الاحتلال للتوصل إليه مع الجانب الفلسطيني، هو حكم ذاتي موسع، أو دولة بنظامين، احدهما يشمل الضفة الغربية وربما منطقة المثلث وكل التجمعات العربية الفلسطينية التي تطمح قيادة الكيان للتخلص منها، وهو نظام عنصري بامتياز، ونظام دولة الاحتلال الذي يشمل "إسرائيل" وسكانها من اليهود، ومن هنا فإننا ندعو إلى التوقف عن البحث عن عبث جديد لا طائل تحته "أو فوقه".

بقلم/ رشيد شاهين