قضية الأسرى بين الأمس واليوم

بقلم: أسامة الوحيدي

 


إن حجم ما حققته قضية الأسرى من حضور في الأوساط الفلسطينية خلال السنوات الأخيرة يعد تطورا نوعيا في نظر المهتمين والمتضامنين مع قضية الأسرى الأبطال ، حيث ارتفع مستوي اهتمام الشارع الفلسطيني مع هموم الأسرى ومطالبهم المشروعة في الحرية والخلاص من ظلمة سجون الاحتلال ، وربما يعد ذلك في نظر البعض تطورا في الوعي الجمعي الفلسطيني المرتبط بقضية الأسرى منذ احتلال فلسطين عام 1948 ، كما أن ذلك يعكس إدراك الفلسطينيين لقيمة الإنسان الفلسطيني الذي يعتبر رأس مال شعبنا وذخيرته في مواجهة مشروع إسرائيل الاستعماري القائم علي سلب الهوية الفلسطينية ومصادرة الأرض وطرد السكان الأصليين واقتلاعهم من جذورهم .
ولعل المتتبع لمستوى تعاطي شعبنا بمؤسساته الرسمية والشعبية ووسائل إعلامه مع قضية الأسرى واهتمام الفلسطينيين بمجرياتها وتفاصيلها اليومية يستطيع أن يميز الفرق بين الأمس واليوم في شكل التعاطي وحجم التضامن الشعبي مع قضية الأسرى .
ففي بداية تبلور الحركة الوطنية الأسيرة في مطلع السبعينات من القرن الماضي واجه الأسرى بمفردهم انتهاكات وسياسات الاحتلال المستبدة والظالمة والتي تفوق بضراوتها ووحشيتها ما يحدث اليوم من انتهاكات علي يد إدارات سجون الاحتلال ، كما ان تلك الحقبة الزمنية لم تشهد حراكا شعبيا ومؤسساتيا جادا مساندا للأسرى ونضالهم المشروع لنيل حقوقهم .
وعلي ضوء تمكن المقاومة الفلسطينية المتمثلة بفصائل منظمة التحرير آنذاك من إنجاز صفقات تبادل عقب عمليات عسكرية نوعية تم التخطيط لها بهدف إطلاق سراح الأسرى ، أصبح العمل المقاوم هو المتكأ الذي كان يستند عليه الشعب الفلسطيني وأسراه لتحمل عبئ تحرير الأسرى وإنهاء معاناتهم بقوة السلاح ، وشكلت ثقة شعبنا في المقاومة الفلسطينية وقدرتها علي تحقيق الحرية للأسرى الأبطال سببا في غياب الحراك الجماهيري والفعاليات والأنشطة ذات الطابع الشعبي السلمي المساندة للأسرى الابطال .
ولكننا اليوم ومع حدوث تغيير جوهري في الرؤى والاستراتيجيات الفلسطينية في إدارة الصراع مع الاحتلال ، وبعد انخراط قيادة الشعب الفلسطيني المتمثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية في ما يسمى بعملية السلام وتعليق استراتيجية الكفاح المسلح تماشيا مع ضرورات المصالح والرغبات ، ومع فشل عملية السلام والمفاوضات في إيجاد حل جذري لقضية الأسرى كان لابد من العمل علي تشكيل ضغط حقيقي علي صناع القرار الفلسطيني والدولي لإيجاد حل عادل لقضية الأسرى ، كما باتت الحاجة إلي تدخل الشعب الفلسطيني بكافة قطاعاته وقواه الحية للانخراط أكثر في مساندة الأسرى وإظهار التفاف جماهيري مع حقهم في نيل حريتهم وكرامتهم وعدم السماح بتمرير أي مشروع سياسي دون إطلاق سراح الأسرى وتبييض سجون الاحتلال .
وقد برزت أدوات جديدة في معركة الدفاع عن الأسرى تتمثل في تدويل قضية الأسرى من خلال الاشتباك الحقوقي والقانوني عبر المؤسسات الحقوقية والمحافل الدولية من أجل أن تبقي قضية الأسرى حاضرة بقوة علي طاولة البحث الأممية حتى يتحمل العالم مسئولياته تجاه حق أسرانا في الحرية لكونهم طلاب عدالة وسلام قد مارسوا حقهم المكفول دوليا في مقاومة الاحتلال الجاثم علي صدر شعبهم إضافة إلى اكتسابهم صفة المقاتلين الشرعيين بعد انضمام فلسطين لعضوية الأمم المتحدة كدولة بصفة مراقب .
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا ، هل نجحنا في جعل قضية الأسرى قضية رأي عام دولي تحظى باهتمامات قطاعات واسعة من المجتمعات الاوربية ؟ هل استطعنا إحداث تغيير نوعي في التصدي لمحاولات الاحتلال بماكنته الإعلامية لتشويه نضال أسرانا وإظهارهم أمام العالم كقطيع من القتلة والإرهابيين ؟ هل انتقل نضالنا ودفاعنا عن الأسرى وقضاياهم العادلة من موقع الدفاع إلي دائرة المبادرة بالهجوم ؟ وهل استخدمنا كل ما في جعبتنا من أسلحة أوراق في معركة الدفاع عن أسرانا وحقهم في الحرية ؟ .
وللإجابة علي هذه الأسئلة بات لزاما علينا دراسة نجاعة سلوكنا الوطني والمؤسساتي في معالجة قضية الأسرى والعمل علي اعادة الاعتبار لها والبحث عن البدائل المجدية لتحقيق الكرامة والحرية لأسرانا ، ومن وجهة نظري المتواضعة فإنه عندما يدور الحديث عن المصالح والأولويات في أجندة شعبنا فإننا كشعب لا زال يرزح تحت الاحتلال مصلحتنا الأولي والأخيرة هي الخلاص من هذا الاحتلال وإنهاء الظلم الواقع علينا بكل ما لدينا من قوة وإمكانيات , لذلك فإنه لا يكفي الحديث عن قضية الأسرى صباح مساء و صياغة الكلمات والعبارات الجميلة بحقهم والتي تصلح فقط لغرض الخطاية والإلقاء ، فأسرانا سئموا الكلمات وضجروا الوعود، وأُتخموا مدحا وإطراء، ولم يعد يعنيهم سوى بارقة الأمل التي تحملهم إلى فضاء الحرية ، وما سوى ذلك أضحى لديهم ترفا زائدا لا يقدم ولا يؤخر .
لماذا لا نتجاوز دائرة القول إلي دائرة الفعل ونبدأ علي الأقل بخطوات عملية تمكننا في السير نحو الارتقاء بقضية الأسرى وصولا إلي تحريرهم أدناها تشكيل وفد فلسطيني متخصص ومحترف للقيام بجولات خارجية لشرح أبعاد قضية الأسرى وفضح الاحتلال دوليا بلغة الوثائق والأرقام بحيث يتم احتضان هذا الوفد فلسطينيا وعربيا وإسلاميا بدلا من رصد الملايين في مشاريع اللهو وميادين الطرب والغناء والفنون كالأرب ايدل والسوبر ستار ، فأسرانا أحق بهذه الأموال وهم الأجدر بالبذل والعطاء بكل ما نملك من أجل حريتهم وكرامتهم .
إن طاقاتنا ومواردنا وأموالنا يجب أن توجه من أجل تحرير الأرض والإنسان ، فنحن لسنا كالشعوب المستقلة ذات السيادة والتي من حقها ان تتنافس في مختلف مجالات الحياة ما دامت تمتلك إرادتها وقرارها ، وإذا كان المطلوب أن نتخلى عن حريتنا وكرامتنا وترك أرضنا نهبا للاحتلال والقبول ببقاء مناضلينا رهائن في قبضته لقاء مكتسبات مادية وأثمان سياسية ، فذلك يعني المذلة والخنوع ، ومن يبحث عن رفاهية العيش وسبل الراحة والاستجمام عليه القيام بحزم أمتعته والبحث عن مكان آخر غير فلسطين تتوفر فيه تلك الميزات ، فقدر الشعوب التي تسعي إلي الحرية والاستقلال ألاّ تتذوق طعم الراحة طالما بقيت في قبضة القهر والاحتلال ، والحرة دائما تموت جوعا ولا تأكل بثدييها.

بقلم أسامة الوحيدي .