هذا اليوم يعدّ بداية مرحلة مفصلية في تاريخ نضال الشعب الفلسطيني. ففيه انطلقت جموع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948 لتؤكد حقيقة الهوية الفلسطينية ووحدتها، التي عمل العدو الصهيوني ومختلف أنظمة الرجعية العربية، وفي مقدمتها نظام عمان المتصهين، على محاولة طمسها منذ مؤامرة حرب تقاسم فلسطين بين أنظمة سايكس-بيكو.
لعل الأجيال العربية الحالية ليست مطلعة على معاناة الشعب الفلسطيني قبل ظهور الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة في أواخر خمسينيات القرن الماضي. قبل تلك الانطلاقة الوطنية المتجددة، كانت بعض الأنظمة العربية تتصارع على تمثيل الشعب الفلسطيني ولإخراس صوته والمتاجرة باسمه، مع أن معظمها كان منخرطاً في مختلف مشاريع تصفية القضية والتصالح مع العدو، تماماً كما فعلوا ذلك في مؤتمر باريس عام 1919 عندما وقّع فيصل بن الحسين نيابة عن الحسين بن علي الذي جندته الاستخبارات البريطانية في اسطنبول، وأوعزت للباب الباب العالي تعيينه والياً على مكة والحجاز.
وإذا كان يوم الأرض المجيد يوماً وطنياً قومياً جامعاً، يجدد فيه شعبنا تمسكه الشعب الفلسطيني بأرض وطنه وبهويته الوطنية الواحدة والمستقلة، فإن التمسك بإحياء ذكراه هو إعادة تأكيد رفضه كافة محاولات الأسرلة أو محو هويته، رغم أنف قيادة رام الله المتهالكة على الاستسلام والمتمسكة بتصفية قضيتنا الوطنية/ القومية. إنه إعلان متجدد من التمسك بفلسطين وطناً وبحق العودة والتعويض، ويتأكد أخيراً من وقوف شعبنا في داخل كيان العدو الصهيوني مع طريق المقاومة العربي وخيارها، الذي يمثله حزب الله، ومحطة وطنية إضافية على جانب كبير من الأهمية توضح أصالة شعب فلسطين وانتماءه الوطني والقومي.
نؤكد هذا في مواجهة تخاذل بعض قيادات تنظيمات فلسطينية وفي مقدمتها حركة حماس، وصمتها المريب بل والمشارك في مؤامرة أعراب البترودولار حتى على فكر مقاومة العدو الصهيوني المتمثل بقراري مجلس التعاون ومجلس الجامعة العبرية، والذي ثبت مرة تلو الأخرى أنه مجلس تآمر على قضايا العرب. إن موافقة بعض قيادات حركة حماس على قرار مجلس التعاون وجامعة الأعراب تجاه حزب الله، ومن قبل على المشاركة بقوات في العدوان الأميركي الأعرابي على اليمن يوضح أنها لا تختلف سياسياً عن قرينها في رام الله وأن كلا الفريقين مرتهن لسياسات الممولين من واشنطن إلى الاتحاد الأوروبي إلى بترودولار الأعراب.
ومن منظور هذا الارتهان الذي يلحق أفدح الأخطار بقضيتنا الوطنية، تماماً كما كان وضع القرار الفلسطيني قبل ولادة الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة في أواخر خمسينيات القرن الماضي، ننظر إلى قرار اعتراف قمة الرباط بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني على أنه محطة أساس على طريق الحفاظ على حقوقنا في وطننا، من رأس الناقورة شمالاً إلى رأس الرشراش جنوباً.
لقد اضطرت الأنظمة العربية وقتها للاعتراف بمنظمة التحرير ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني، الذي نعده انتصاراً معنوياً مهماً على محاولات الهيمنة والإلغاء التي مارستها بعض الأنظمة العربية وفي مقدمتها نظام عمان، الحليف العضوي للعدو الصهيوني، وممثله الحقيقي في جامعة الدول العربية. نظام عمان كان يطرح يومها الخيار الأردني، تماماً وفق توصيات قمة الخرطوم السرية لا العلنية، التي طمست قضية فلسطين ورفعت شعار "إزالة آثار العدوان"، ومن ثم الاعتراف بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 الذي يعترف بما يسمى حق كافة دول المنطقة في العيش بسلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها، وحل "عادل" لقضية اللاجئين!
أما أن قيادات المنظمة وقتها نجحت في استخدام ذلك القرار، للانخراط في طريق الهلاك، طريق التسوية السرابية، بدعم أعرابي بترودولاري ودولي، كما كانت القوى اليسارية الفلسطينية تحذر من ذلك فأمر مختلف ويستحق تناوله على نحو منفصل.
في الذكرى الأربعين ليوم الأرض ها هي الرجعيات العربية تعيد الكشف عن سحنتها القبيحة، ولا تكترث بستر مواقفها الحقيقية من القضية الفلسطينية، في الوقت الذي تستعد فيه زعامات الاستسلام في رام الله لإعلان إفلاسها الكامل والقبول بما يسمى الخيار الأردني، في محاولة جديدة للقضاء على قضيتنا الوطنية/ القومية، والانخراط في حروب التكفيريين من الأعراب، المذهبية والطائفية، الواهمين أنها ستنقذهم من مصيرهم الذي تقودهم إليها بنيتها كياناتهم العضوية.
لكن هيهات، فمن يقرأ التاريخ يعلم يقيناً أن النصر قدر الشعوب المناضلة وليس حليف الزعامات العشيرية البالية والمترهلة.
زياد منى