يعتقد البعض بأن الإعلام الأمني ينحصر فقط في الأداء الإعلامي لأجهزة الأمن ,إلا انه يمكن القول وفي ظل تطور الإعلام وتكنولوجيا الاتصالات وظهور الجرائم المستحدثة ايضا ان الاعلام الأمني اصبح فرعا من فروع الإعلام المتخصص بالقضايا الامنية ,وهنا وبعيدا عن التعريفات وفلسفة مضمونها ,فان الإعلام الامني وباختصار هو كل ما تقوم به اجهزة الأمن او رجال الاعلام من أنشطة إعلامية ودعوية وتوعوية بهدف المحافظة على الأمن الوطني بمستوييه الداخلي والخارجي .
ان أهمية ووظيفة الإعلام الأمني وعناصره ايضا تتوقف بالأساس على مدى فهم وقناعة رجال الإعلام والأجهزة الأمنية ومعرفتهم ايضا بهذا النوع المتخصص من الإعلام,وذلك من خلال القدرة على تنظيم العلاقة فيما بينهما اولا ,ومن خلال ما تقدمه اجهزة الأمن من مواد ومعلومات لرجال الإعلام ثانيا,حيث ان تعاون الأجهزة الأمنية مع اجهزة الإعلام من حيث تقديم المادة العلمية والحقائق الأمنية إلى وسائل الإعلام امرا مهما ,ولا يمكن لنا التحدث عن اعلام امني ناجح وفعال دون أن تقدم اجهزة الأمن لوسائل الإعلام هذه المادة والحقائق الأمنية لتقوم هذه الوسائل الاعلامية بإعدادها بالشكل الإعلامي المناسب لعرضها على الجمهور بما يحقق التجاوب الجماهيري مع الأفكار الأمنية المطروحة وهذا ما تسعى اليه الدول لتحقيق نوعا من التكامل فيما بينهما وصولا لتحقيق الرسالة الإعلام الأمنية .
ان الخصوصية التي نعيشها من حيث خضوعنا لإحتلال ما زال جاثما على صدورنا, والحاجة ايضا الى حماية شعبنا ومقدراته يتطلب منا أن نكون اكثر اهتماما وتميزا بهذا النوع من الإعلام ومواكبة كل ما من شانه تطوير وتحديث اليات الرسالة الاعلامية ايضا ,وبما يحقق الأمن الفلسطيني الذي حاول البعض من دول الاقليم وما زال من العمل على عدم توطيده لتبقى الساحة الفلسطينية خالية أمام ما يقدمونه هؤلاء من احداث تتوافق مع اجنداتهم السياسية والأمنية,ومن هنا فان السؤال الذي يطرح نفسه ,وفي ظل تأكيدنا على هذا النوع من الإعلام وضرورة التركيز عليه من حيث اهمية التخصص فيه هو ما اذا كان واقع الممارسة الإعلامية الفلسطينية يقدم نموذجا يتطابق مع هذا التعريف لمفهوم الإعلام الامني؟,وما هي الاشكاليات التي تحول دون تقديم نموذج اعلام امني فاعل؟, وهل يمكن البحث عن حلول لتقديم إعلام امني فلسطيني متخصص ؟.
الإعلام الأمني الفلسطيني على ضوء المفهوم العام
يمكن القول ووفقا لما اشار اليه ا.د محمد سعد ابوعامود ان الإعلام الامني "هو كافة الأنشطة الإعلامية المقصودة والمخطط لها وما يتم اعداده من رسائل إعلامية بهدف إلقاء الضوء والتعريف بجميع الجهود وانجازات وزارة الداخلية في إطار إستراتيجيتها الأمنية الشاملة من خلال كافة وسائل الإعلام والاتصال المختلفة ".
فيما اجمع اخرون ووفقا لما جاء في مؤلفاتهم بهذا الشأن على ان الإعلام الامني هو ذلك الذي يتحقق من رجال الأمن مباشرة وذلك إما من خلال انتاج هؤلاء للرسائل الإعلامية كالبرامج الأمنية الإذاعية والتليفزيونية وغيرها ،وإما بطريقة غير مباشرة وذلك من خلال قيام الاجهزة الامنية بتسليم كافة الاخبار والحقائق بشأن الأحوال الأمنية ومجرياتها لكافة الوسائل الاعلامية وبشكل موضوعي, إلا ان جميع التعريفات تلك وبعيدا عن فلسفة مضمونها قد اجمعت ايضا على أن الإعلام الأمني لم يعد يقتصر على الأخبار وطبيعة الاتصال بل امتد إلى وظائف كثيرة اخبارية وتعليمية وتثقيفية وإرشادية وتوعوية وفق نمط الاتصالات المتبادلة بين ثلاثة قطاعات هى الشرطة والإعلام والجمهور ,ومن هنا ووفقا للتعريفات العديدة للإعلام الامني ,فإننا نرى بان مفهومه يرتبط أولاً بمفهوم الإعلام بشكل عام ,وبما يصدر ايضا عن الرسالة الإعلامية المتخصصة من محتوى ,بالإضافة الى ما يمكن ان يقدمه هذا الاعلام من وظائف وهو محور حديثنا من حيث تحديد هذه الوظائف وفقا للظروف الموضوعية لما يمر به شعبنا في ظل انقسام طال واحتلال ما زال, ناهيك عن ارتباطه الاساس بالجمهور الذي تستهدفه هذه الرسالة الاعلامية.
من هنا واستنادا الى ما سبق ,فانه يمكن لنا أن نقدم تعريفًا اخر للإعلام الأمني ووفقا لما يغطي احتياجاتنا كفلسطينيين وبما تتوافق هذه الاحتياجات مع اهدافنا بالتحرر وبناء الدولة من حيث القول بان الاعلام الامني الفلسطيني هو كل ما يصدر عن نخبة من رجال الامن والإعلام وهي بمثابة اللجنة المتخصصة في التخطيط الاعلامي لجميع الانشطة الاعلامية وبما تتوافق مع برامجنا الوطنية استنادا الى ميثاق وطني تجمع عليه كافة قوى وفصائل العمل الوطني بجانب من نص عليه الدستور وما يصدر من قوانين بهذا الشأن ايضا,وذلك من اجل ايصال هذه الانشطة لقطاعات أو قطاع معين من المواطنين ووفقا لما يخدم مشروعنا الوطني بالتحرر والبناء والاستقلال وتحصين المجتمع من الجريمة.
اذا ومن خلال هذا التعريف يمكن القول بان الاعلام الامني الفلسطيني لا يجب ان يتوقف فقط على ما يصدره رجال الامن من مواد توعوية, وان الرسالة الاعلامية وماهية مضمونها ومن يصدرها ايضا تتوقف بالأساس على الظروف التي يتم من خلالها إطلاق هذه الرسالة الإعلامية الأمنية ووفقا لما تحدده اللجنة الأمنية او المخطط الاعلامي ،فثمة ظروف يجب أن تكون الأجهزة الأمنية الفلسطينية هي المختصة فقط ودون غيرها في تصميم الرسالة الاعلامية وإنتاجها وتقديمها ،في حين تفرض ظروف أخرى استخدام الشكل الغير مباشر وهو امداد هده الأجهزة الأمنية لوسائل الإعلام بكافة الحقائق والمعلومات من أجل القيام ببرامج امنية وإرشادية اذاعية كانت او تلفزيونية، حيث ان نجاح ذلك يتمثل كما ذكرنا سابقا في مدى التعاون ما بين اجهزة الأمن والإعلام مع ما يمكن منحه للمخطط الإعلامي ايضا من صلاحيات يستطيع من خلالها ادارة التنسيق من بين اجهزة الأمن والإعلام, بل وإدارته وبما يخدم الإستراتيجية الأمنية المتفق عليها ,ولذلك فان على المخطط الإعلامي الامني او الإعلامي ايجاد بعض التفصيلات للرسالة الإعلامية وذلك من اجل اكتمال دورة الاتصال والإعلام مع مراعاة توفير كافة الوسائل والسبل التي تتدفق من خلالها ردود الأفعال الناجمة عن إطلاق رسالته الإعلامية ووفقا للمعايير المتعارف عليها لا في اطارها التقليدي فقط, بل وفي اطار المهنية والإحترافية ايضا ,فما هي تلك المعايير التي يجب أن يخضع لها المخطط الإعلامي الفلسطيني من أجل الوصول الى إعلام أمني فلسطيني فعال؟.
عقيد/ماجد هديب