من المؤكد بأن قواعد مرجعيات الحل السياسي ل "الإنتقال السياسي" في سوريا،لن تقف عند حدود القرار الأممي (2254 )،بل بعد التطور المحوري الذي طرأ على الأزمة السورية عقب الإنتصار النوعي الذي حققه الجيش السوري وحلفاءه في تحرير تدمر في زمن قياسي،سيترتب عليه إعطاء تلك المرجعيات معاني ومضامين جديدة،وستاخذ معاني ومضامين أكثر تطورا لمصلحة النظام السوري،اذا ما تقدم الجيش السوري وحلفاؤه على جبهتي الرقة ودير الزور،وما يطرحه اليوم الرئيس الأسد من الموافقة على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة،اذا ما قررت الإرادة الشعبية ذلك،قد يغدو غير مقبولاً اذا ما استمرت "المعارضات" السورية المرتبطة بقوى عربية وإقليمية محور السعودية – قطر – تركيا،في وضع العصي في دواليب الحل السياسي عبر التمسك بشعارات ومواقف بائدة تجاوزها الواقع والميدان والمواقف الدولية،لجهة التغير الحاصل في الميدان لصالح النظام والجيش السوري،ولجهة قناعة المجتمع الدولي بان الحرب على الإرهاب ومخاطرة على كل دول العالم تتقدم على أية مواقف تطالب برحيل الأسد وتنحيته كشرط للموافقة على الحل السياسي .
جماعات وقيادات "المعارضة" السورية المرتهنة في مواقفها وقرارتها وولاءاتها لقوى عربية وإقليمية متشنجة ومتشددة تجاه النظام السوري،والتي تتحدث عن هيئة حكم إنتقالي بصلاحيات كاملة،تشترط عدم مشاركة الرئيس السوري فيها،فهي عدا عن انها تعيش الوهم وخارج الواقع
فهي تريد في طرحها البائس وضع سوريا تحت وصاية الإنتداب الدولي ،وتحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة،أي تنصيب رئيس على سوريا من خارج سوريا ومن غير السوريين،كما حدث في العراق بعد إحتلاله من قبل أمريكا والقوى الأطلسية في عام 2003،وتنصيب "بريمر" الأمريكي حاكماً عسكرياً على العراق،وليس هذا فقط ما تريده تلك المعارضة،بل هي تسعى من أجل محاولة إختطاف وتغيير موقع سوريا في الجغرافيا السياسة من خلال الحرب الظالمة التي تشن عليها من قبل تحالف كوني يزيد عن ستين دولة.
الدعوة الى الإنتخابات الرئاسية المبكرة،يجب لا تاتي من قبل ممن هو "خائف" و "مرتجف" من نتائجها والمتهم من قبل تلك المعارضة ب"قتل و"ذبح" شعبه " والمشككة بشعبيته وشرعيته،هذه "المعارضة" يفترض انها هي من تتحدى النظام بالدعوة للإنتخابات الرئاسية المبكرة،على اعتبار انها سيدة الساحة والميدان والشعب "ملتف" حولها وحول مطالبها وشعارتها،ولن يكون هناك أية حظوظ لمثل هذا "الطاغية" و"المجرم" و"القاتل" بالفوز،وأي رفض لهذه الدعوة من قبله ومن قبل نظامه،سيحشره في الزاوية،وسيزيد من النقمة الدولية عليه،ويفكك حلقات التحالف من حوله،ويظهره كنظام معزول،ولكن الحقائق بأن تلك المعارضة الديكورية والفاقدة لشرعيتها وشعبيتها والمكروهة من قبل الشعب السوري،هي من تخشى تلك الإنتخابات،وخصوصاً ان الانتخابات،وفقاً لمرجعيات الحل السياسي،سيجري تنظيمها تحت إشراف الأمم المتحدة ورعايتها، ما يعني وجود شبكة أمان إقليمية – دولية، تضمن نزاهتها وشفافيتها ،فالمعارضة بدورها، تخشى الانتخابات، ولا تريدها من دون ضمان عدم مشاركة الأسد فيها.
"المعارضة" السورية تدرك تماماً بان الرئيس السوري لا يواجه مشكلة في شعبيته وجماهيريته،تجعله يتخوف من اجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة،فحتى في بيئة غير حاضنة للنظام بل معادية له كما في لبنان المقاد من جماعة 14 اذار،عندما جرت الإنتخابات الرئاسية قبل عامين،رأينا كيف ان الحشود الشعبية في "تسونامي" غير مسبوق زحفت الى مقر السفارة السورية في الحازمية في شرق بيروت ،لكي تبايع وتنتخب الأسد،هذه الجماهير المفروض "المرتعبة " و"المرتجفة " والهاربة من "قمع" جيشه " و"بطشه" أن تصوت ضده لا ان تلوح بصورة وتهتف بحياته.
"المعارضة" السورية في معارضتها وإصرارها على عدم مشاركة الأسد في المنافسة على الإنتخابات،ليس حباً في الشعب السوري،او انها تنطلق من مواقف مبدئية واخلاقية،بل حالة الرعب والخوف التي تشعر بها من ان ان خوض الأسد لتلك الإنتخابات،يعني ان نسبة فوزه مرتفعة جداً،وقد تكون ساحقة،وبالتالي ستكون نتيجتها صادمة لها،وسيسقط كل إدعاءاتها ويثبت زيف شعاراتها،ويعري مواقفها فوق كل العري الحاصل لها....نعم مثل هذا السيناريو الذي سيحمل على الأغلب فوز الأسد بالإنتخابات الرئاسية المبكرة،سيتحول إلى كابوس يقض مضاجع المعارضة وداعميها، ويقضي بضربة واحدة، على أعمدة خطابها السياسي والفكري الذي انتشر وتفاعل على امتداد سنوات الأزمة الخمس العجاف.
المعارضة بمختلف مكوناتها،والتي تشكل القوى الإرهابية والتكفيرية من "القاعدة " ومتفرعاتها "داعش" و"النصرة" وغيرها من ألوية وتشكيلات تحمل نفس الأفكار والمضامين الإقصائية والمغرقة في التطرف،ومتعددة الولاءات ومصادر الدعم والتمويل،والمتصارعة على المصالح والنفوذ ونهب الثروات،جعلتها مكروه من الشعب السوري،نتيجة ممارساتها على أرض الواقع،في حين المعارضة المسماة بالعلمانية،فهي موجودة خارج الأرض السورية،وسكنت الفنادق والفلل في أكثر من عاصمة أوروبية ولإقليمية وعربية،وهي لا تتمتع بحضور وثقل في الشارع السوري،وهذه المعارضات متعددة التلاوين فشلت في توحيد صفوفها،او في انتاج شخصيات سياسية وازنة او ذات مصداقية في الشارع السوري،وهي لم تكن سوى معارضة يجري تلميعها على العديد من الفضائيات المرتبطة بالدول التي تدعمها وتمولها،وتريد منها ان تنفذ قرارتها وسياساتها وشروطها وإملااءاتها،وبالتالي بالكاد ستجتاز نسبة الحسم في أية انتخابات قادمة،إذا لم يسقط أغلبها سقوطاً مدوياً.
ولذلك رهان المعارضة سيبقى على الإستمرار في تعطيل المفاوضات في جنيف ووضع العصي في دواليبها،من خلال الضغط المستمر على أمريكا عبر حواضنها وداعميها محور السعودية – قطر- تركيا – فرنسا – بريطانيا من اجل إخراج الأسد من دائرة الصراع الانتخابي على الرئاسة ... ، لكن للأسد له أيضاً حلفاء أوفياء ( روسيا وايران وحزب الله)يقفون الى جانبه ويشاركونه انتصاراته ومواقفه،بأن موقع الرئاسة،هو حق سيادي للشعب السوري،وهو صاحب الوكالة الحصرية للتقرير بشأنه.
بقلم/ راسم عبيدات