الدراما الانسانية في مصطلحات علم النفس هي غابة من الأشواك وفي مصطلحات العسكرتاريا هي غابة من الألغام ، أما في مصطلحات دشر عصر المال فهي غابة من السيقان .
إن خوض غمار "غابة الدراما الإنسانية" المركبة تجعلك بين شعورين متناقضين تشعر بالغضب من تصرفات جهابزة المقاطعة الخاطئة حد الخطيئة ثم ينتابك شعور بالشفقه عليهم لما آلوا إليه بحنقهم من فوبيات وهلع في عنادهم للواقع وما فقدوه من مركبات انسانية من استقرار نفسي جميل يتمتع به أي انسان عادي وبسيط خارج أسوار السلطة
ما قرأته في مقال صديقي العزيز عمر الغول عن الفلتان في الضفة الغربية والذي اقترح خطة للقضاء عليه خوفا من وصول مصير السلطة في رام الله لمصيرها في غزة هو حالة شعورية مسئولة عند كاتب وطني بامتياز تحمل مزيجا من الخوف والمسئولية معا ، المسئولية عن تاريخ كبير للوطنية الفلسطينية وخوفا على مصير وطن وقضية بالتأكيد.. ولكن !!
ولكن ما الذي جرى ليشعر به هذا الرجل وكثيرين يشاركونه الرأي في وصف حالة المجتمع وليس في العلاج والأسباب والتشخيص الدقيق ، لا لأن العلاج ليس صحيحا ويحمل صيغة قمع للشعب وتفاعلاته ولكن لأن توقيت العلاج قد فات وبيئته أصبحت غير مناسبة لاختلاف الأسباب عما طرحه صديقي عمروبالتالي فالتشخيص غير دقيق أصلا.
قد يكون هناك في بؤر صغرت أو كبرت في مناطق الضفة الغربية بعض الفالتين أمنيا واجتماعيا كما كل الشعوب ولكن التشخيص الدقيق هي حالة من الفلتان السياسي الاجتماعي وليس الأمني بل الأمني هو نتيجة وعرض من أعراض الفلتان السياسي الاجتماعي الذي أتحدث عنه.
قبل انتفاضة القدس كان هناك معارضين وكان هناك غير راضين عن الوضع وكان هناك مناوئين للحكم والرئيس وكان هناك خلاف كبير داخل فتح ولكنه تحت سيطرة العقل السياسي المدرك لطبيعة الأشياء وهذا شيء طبيعي في حدود المعقول كما في كل الشعوب ولكن بعد انتفاضة القدس بشهور بدأت الصورة تتفاقم على خلفية موقف الرئيس وحكام المقاطعة من شباب الانتفاضة وتفاعلات الحالة والتي مرت بكراهية واشمئزاز زائد من التنسيق الأمني المصرح به بفجاجة مقابل من يسقط يوميا من الشهداء وأصبح المشهد وكأن الشعب في واد وسلطة المقاطعة في واد متناقض مع الشعب الذي تحكمه ويا حبذا لو كان للسلطة ولو موقفا محايدا لكان يمكن استيعابه من الجمهور..
إلى هنا بدأت بوادر عداء نحو سلوك السلطة فالصراع مع المحتل ليس ناعما بل دمويا وزاد شرخ تلك العلاقة بين الحكام والشعب أكثر لتأتي زيارة التعزية ليس لتصب الملح على الجرح بل لتقول أكثر مما مضى عن انحراف البوصلة نحو التواطؤ بلا حدود وهذا يشبه نعم حالة ما قبل انقلاب حماس في غزة من فقدان العمق المجتمعي الحامي للسلطة وان كان على أسباب مختلفة لا علاقة لها بالتنسيق الأمني بل على علاقة الصراع على السلطة بعد الانتخابات .
صديقي عمر الذي حدث ويحدث هو أن الاسرائيليين قد أحسوا بخطر الانتفاضة عليهم بفعل ذكاء شباب الانتفاضة وقد كنت كتبت في مقال سابق لي مع بدء الانتفاضة أن الفلسطينيين حكاما وشعبا هم محظوظون بأن شباب القدس قد بدأوا الانفجار المجتمعي نحو الاسرائلييين وليس على حكام غزة والضفة في الوقت الذي كان مطلوبا أن يثور الشعب الفلسطيني على اسرائيل والسلطتين معا.
إلى هنا كان لا خطر على حكام المقاطعة لو أخذوا موقفا مؤيدا وأداروا الانتفاضة وكانت هي مخرجا لأزمتهم وأزمة الشعب الفلسطيني ولكنهم حكام المقاطعة توهموا أن هناك خطرا على حكمهم اذا اندلعت الفوضى في الضفة الغربية فانحازوا لموقفا يرضي الاسرائيليين في محاولاتهم وأد الانتفاضة وقد يكون لهم ذلك ولكن !!
من هذا الذي يضع القنبلة المسحوب صاعقها في عبه هذه القنبلة الذي يمثلها غضب الشعب من انسداد آفاق الحلول وتفاقم الأمراض الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والانقسام والبطالة والاشباك المستمر بين حماس وعباس منذ ما يقارب تسع سنوات كادت أن تطيح إلى الآن بكل القضية ومستقبلها إن لم تكن أطاحت بها فعلا؟؟
من هذا المجنون الذي يوقف انتفاضة على اسرائيل لترتد عليه قريبا كما يخطط لها الاسرائيليون الذين يعرفون أن الحالة في طريقها للانفجار من الشعب المقهور وليس من بعض الفالتين أمنيا بل من شعب هم وضعوه في وضع متفجر وليس في وضع الفلتان الذي يمكن السيطرة عليه وأرجعوا القنبلة الجاهزة للانفجار إلى عبهم في المقاطعة في رام الله ؟؟
من هذا المجنون الذي ينتظر من الاسرائيليين تنسيقا لحماية سلطته لو توقفت الانتفاضة عليهم وفهم أن وقف الانتفاضة على الاسرائليين سيكون في صالحه ؟؟
انظر ماذا فعل الأمريكان بعد ضرب أبراج نيويورك وواشنطن ؟ لقد قالوها علانية بأنهم أعادوا الارهاب إلى أهله بعيدا عنهم وكانت تلك خطتهم فكان ما كان في العراق وسوريا وليبيا واليمن وجلسوا في بلادهم آمنين وليحترق العرب وشعوبهم.
هذا ما سوف تفعله اسرائيل وما تخطط له عند وقف الانتفاضة وأول الساقطين سيكون عباس وحكام المقاطعة وسيليهم حماس وكل من لم يتعظ ويفهم الدرس ومعاناة شعبه ..
الانتفاضة ستتجدد ولكن أين؟؟ في الضفة الغربية وقطاع غزة على الحكام بالتأكيد.
هل تصبح المقاطعة قريبا سرابا يحتله الغزاوي العنيد وتحتل غزة معنويا مقاطعة الخائفين من كل شيء ؟؟
ننتظر الأيام ونتائج الأخطاء والخطايا بقلب حزين على من نقل القنبلة بدون ساعق لحجره وبيته وأولاده ولا عزاء للتبع من أهل غزة القابعين في المقاطعة يتآمرون طوال الوقت على أهليهم.
ملاحظة : الخائف مثل الحشاش يتخيل ويرى في الجو الصافي زوالات كثيرة كما تخيله صاحب أغنية " حجرين عالشيشة" في ذروة الشبق الأنفاسي حيث يقول: ((شفت ثعلب عم بينط قاعد يلعب ويا البط وشفت ديك كان شايل فيل وشفت نملة ذيلها طويل)) .. وبعد أن يصحو لن يجد ديكا يحمل فيلا هههههه بل سيجد أنه أضاع ثمن الحشيش.
بقلم/ طلال الشريف