من المستحيل أن تقرأ الواقع ، ثم لا تفكّر بفلسطين، ولا تفكّر بحريتك الشخصية، من الصعب ان تكتب عن واقع مؤلم يريدون منك ان لا تكتب عنه ، لانهم يريدون منا الصمت ، فهم يريدون ان يفعلوا ما يشاء لهم ، وان تبقى تبصم على الخطأ ، لأن الخطأ بوجهة نظرهم هو الصح ، يريدون منك ان تصمت ولا تتحرك ، ويريدون ان يبرزوا الى الواجهة ، وهذا الشيئ لم يرضى به عاقل ومناضل ينبض بصرخات المعذبين والعشاق في آن واحد، فهؤلاء الذين يعيشون على انقاض ما تبقى من تاريخ نضالي لم يكونوا في مسيرة الكفاح الشاقة ، فهم اتوا على حساب المناضلين ، لهذا السبب نكتب ونصرخ ونقول كفى لهذه الاعمال ، فنحن نعبر بكل جرأة وصدق وقلب جريح ، فهؤلاء الأوباش ليس هم من يقيمون المناضلين ودورهم ، لأن هؤلاء المناضلين ما زالت حياتهم تهجس بالتحرير والثورة والتغيير الثوري .
نعم نقول بصرخة الغضب لكي يقرع جدران الخزان نقول يجب تسوية اوضاع المناضلين والمناضلات من حيث الرتبة والراتب، ولم نسمع في التاريخ انه هناك في راتب موضوع تسكين ، فكفى لاننا لم نعد نقبل أي مذلّة، ولن نتحمل أي هوان، وأي أذى، مهما يكن، فهذه صرخة أعمق وأصدق وأكثر إيلاماً وتحفيزاً ليسمعها البعض من تسلقوا المهمات والاوضاع في مسيرة النضال بدون وجهة حق، لذلك كله، أو لمجرد الجهل، أو تعبيراً عن الحقد، فنحن نحيا ونجوع ونناضل معاً، عندما كان الزمن زمن الثورة الفلسطينية بامتياز، في زمن أحزاب الحركة الوطنية والأحزاب اللبنانية والفصائل الفلسطينية ، في الزمن زمن العمليات الفدائية لم يكن هؤلاء ، وخاصة عندما كان النضال يبصم بالدم على العلم الفلسطيني وتحمل قطرة منه وتسقي بها تراب فلسطين السليب لم يكن هؤلاء .
نقول ذلك ونحن نكتب عن عزة المناضلين والشهامة والإباء وإرادة النضال، بعاطفة وطنية ، تنسج من شهادة صعبة، حتى حدود المستحيل، ونحن لم نتفاجأ ايضا بأشخاص يعتبرون انفسهم فلسطينيين وقادة يذهبون الى بيت عزاء جنرال الاحتلال الصهيوني اسمه منير عمار رئيس ما يسمى بـ"الإدارة المدنية" لنسأل هؤلاء هل لا يرون ما يفعله الاحتلال بحق شعبنا ، وما هي هذه العلاقة الحميمة ، وهذا العدو يرتكب أبشع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني، ويمعن في التنكر لحقوقه الوطنية المشروعة ، ولماذا صمت الفصائل والقوى عن مشاركة وفد فلسطيني رسمي بتقديم "العزاء " لضابط صهيوني في جيش الاحتلال، فهذا الفعل يعبر عن انحطاط كامل لهذه الفئة من الشعب الفلسطيني ، لأن هذا الفعل هو جريمة بحق الشهداء والجرحى والاسرى الذين سقطوا على يدي هذا الاحتلال.
وامام كل ذلك ورغم خطورة المرحلة نقول بأن الإنتفاضة الفلسطينية التي يقودها شابات وشباب فلسطين ورسمت بدمائهم خارطة فلسطين اعادت القضية الوطنية إلى وضعها الطبيعي، بعد ذلك التراجع الذي نتج عن التطورات والأحداث التدميرية التي يمر بها العديد من دول المنطقة ، وما تتعرض له القضية الفلسطينية غير المعزول عن المخطط الإستعماري الذي يستهدف المنطقة من اجل تقسيمها على ارضية سايكس بيكو جديد حتى يوفر الأمن الدائم لدولة الإحتلال بمحاولة إنهاء مأزقها الإستراتيجي وسط منطقتنا.
وفي ظل انتفاضة باسلة انطلقت قبل سبعة اشهر اسأل لماذا لم تستثمر الانتفاضة التي رسمتها دماء شابات وشباب فلسطين في مسيرة النضال، هل لأن هذه الانتفاضة قدمت صورة جديدة للفداء الفلسطيني وشكلت مفاجأة صاعقة للاحتلال، فالشابات والشباب الذين انتفضوا بسكاكينهم كانوا يصرخون في وجه احتلال يبطش ويقتل ويحرق ويستوطن ويهود في ظل صمت عربي ودولي مريب ، وفي واقعٍ عربي منهار كالذي نشهده، حتى يعيدوا التذكير بقضية فلسطين وإبقائها حية، وسط الفوضى والدمار وضياع الأولويات، وهم يرفضون تصفية القضية الفلسطينية، ويطالبون الجميع بالعودة الى المشروع الوطني التحرري الفلسطيني، فلا يجوز ان نفتش عن سكين تطعن صهيوني يقتل على مرآى العالم ، فهؤلاء الشابات والشباب يستحقون اوسمة الشرف ، وتوجيه تحية تقدير عال لبسالتهم وهو يثبتون أن روح الفداء والاستبسال من أجل فلسطين تشمل الفلسطينيين جميعا، رجالا ونساءً، شيوخا وفتية، شبانا وصبايا الورد، فهذا هو الكفاح الحقيقي من اجل استعادة الحقوق الوطنية المشروعة .
وفي ظل هذه الاوضاع يأتي مشروع للقوى الوطنية والديمقراطية من اربعة فصائل تحت عنوان ورقة مبادئ عامة لنظم العلاقة المشتركة بينهما ، وهنا السؤال على من طرح هذا المشروع داخل هذه الفصائل ولماذا لم تجتمع الهيئة القيادية لكل فصيل حتى تقرر تلك المشروع ، لانه لا يجوز ان ينزل بالبرشوت، علما ايضا ان هكذا ورقة بحاجة الى جميع اكبر عدد من القوى الديمقراطية الفلسطينية وخاصة مثل الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب وفدا والمبادرة الوطنية، لأن هذا المشروع الان مشكل من اربعة فصائل من القوى الوطنية والديمقراطية والقومية حتى تكون اوسع جبهة وطنية متحدة في اطار حماية منظمة التحرير الفلسطينية ومشروعها الوطني.
إن الوفاء لدماء شهداء الانتفاضة يتطلب توفير عوامل دعم الإنتفاضة واستمرارها، كعنوان رئيسي في الدفاع عن الأرض، وحمايتها من محاولة الإجهاض السياسي، من أطرافه المتعددة إقليميا ودوليا، والتصدي لحمام الدم الذي يحاول الاحتلال الصهيوني إغراق الإنتفاضة به، مما يستدعي توفير الدعم السياسي والمادي للإنتفاضة، عبر تبني أسر الشهداء وبناء ما يتم هدمه من بيوت كترجمة لسياسية العقاب الجماعي، وهذا يستدعي تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية ضمن اطار منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل وتطوير مؤسساتها والعمل على حماية الإنتفاضة وزج كل الإمكانيات الشعبية والوطنية في الإنتفاضة،وتوفير مقومات الدعم والإستمرار، لأن هذه الإنتفاضة فتحت الأبواب مشرعة أمام منظمة التحرير الفلسطينية وكل الفصائل والقوى الفلسطينية بطرحها خيارات كفاحية وسياسية بديلة لخيار المفاوضات الذي تم أستنزافه من قبل الإحتلال بل قد وفر له مظلة سياسية لتحقيق برنامجه الإستيطاني على مدار 23 عام من المفاوضات برعاية الإدارة الأمريكية، كما يتطلب ذلك تنفيذ قرارات المجلس المركزي الفلسطيني وخاصة التنسيق الامني مع الاحتلال، وخاصة ان هذه الإنتفاضة غير معزولة عن الأوضاع العربية لكونها محطة في اطار مسيرة النضال الذي يخوضها الشعب الفلسطيني من اجل الحرية والاستقلال والعودة ، وعندما نقول انها غير معزولة عن الوضع العربي لاننا نعي ما تتعرض له سوريا من عدوان شامل شاركت بتمويله ودعمه أطراف عربية، وقبلها العراق وكل الدول التي وقفت شعوبها الى جانب فلسطين حتى تدفع الثمن، مما يترك آثاره السلبية على النضال الوطني الفلسطيني.
ومن هنا يبدو واضحا، ان البعض اصبح يشكل عائق أمام عملية التحرر من الاستعمار الصهيوني، لانه يعمل على قتل روح النضال لدى شعب التضحيات ، ويبدو أن الزمن الفلسطيني لَم يعد يدور في مكانه على قدم واحدة، بل صار جامداً، وإن الممارسات السياسية والمواقف الخاطئة في محطات تاريخية هامة هنا وهناك لا يمكن أن تجد تفسيرها إلا في إطار فهم جدلية العلاقة بين البرنامج والبنية وانعكاسات ذلك في الممارسة السياسية والتجربة العملية، إن هذا الفهم هو وحده الكفيل بتفسير ما آلت اوضاع الفصائل والقوى ومن بينها جبهة التحرير الفلسطينية وعدم التناسب بين التضحيات التي قدمتها ، حيث تراجعت هذه القوى والفصائل في إنجاز المهمة التي طرحتها بما فيها هويتها الأيديولوجية ، او في صياغة البرنامج الوطني بشكل صحيح، وصياغة استراتيجية الصراع مع المشروع الصهيوني ، او في تحديد طبيعة العلاقة مع مع الاحزاب والقوى العربية والعالمية، وكذلك العلاقات العربية والدولية ،:ولكن الاخطر إن الجميع يراقب ويكتفي بتلك التعبيرات دون الإقدام على أيّ فعل سياسي أو ثوري على مستوى الاندماج بالانتفاضة.
لهذا نجد الفلسطيني المسحوق ابن بيت الصفيح في مخيمات اللجوء والشتات وحتى في مخيمات الضفة وغزة ينظر بحسرة إلى الواقع المؤلم ويتحدث بوضوح الى اين تتجه البوصلة في ظل محاولات الالتفاف على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 وتفريغه من مضمونه، في ظل قرارات وكالة "الأونروا" المجحفة بحقه وخاصة الخدمات الصحية والتعليمية ومحاولة بعض الدول تحويل قيود اللاجئين الفلسطينيين إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ، ورغم ما نراه من تحرك للقوى والفصائل الفلسطينية برفضها لإجراءات "الأونروا"، وبعيداً عن التقييم النقدي الايجابي او السلبي لأدوار عموم الفصائل الفلسطينية في في ظل المحنة الحالية،إن الفلسطينيين في مخيمات اللجوء والشتات بحاجة ماسة لدور ناضج وعملي من قبل كل القوى الفلسطينية ،وليس بحاجة لمواقف تنظيرية أو مواقف إعلامية لفظية أو مواقف تبريرية عبر بيانات ممهورة ، فالمطلوب تنشيط أدوار الجميع بعيدا عن كثرة الصور ، فاللاجئون الفلسطينيون في المخيمات بحاجة لدور ملموس من قبل الفصائل والقوى واللجان الشعبية والاتحادات والشباب الفلسطيني، كما مطلوب اعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وخاصة الهلال الاحمر الفلسطيني من خلال المستوصفات والمستشفيات الموجودة ودعمها بكل الامكانيات حتى تأخذ جمعية الهلال الاحمر دورها ايضا فهذا صوت اللاجئين ، مع استمرار التحركات عبر اعادة رسم خطة واضحة من قبل الجميع لمواجهة سياسة تقليصات خدمات الاونروا ، اضافة الى عدم تغيب دور المرأة في المشاركة بصنع القرار واخذ دورها يشكل عاملاً رئيسياً في توحيد الجهود وليس تهميشها ، لأن هي من تواصل نضالها لنيل حقوقها وتحقيق الإنجازات على المستويات كافة، وخصوصاً دورها الفاعل والبارز في الاعتصامات الجارية وفي الحياة النضالية والاجتماعية، فكفى قيود تقليدية اجتماعية بالية ومختلفة وتهميش مقصود لدورها ، فهذه المرأة الفلسطينية العظيمة الى تعيش تحت اوضاع جائرة ومجحفة بحقوقهامن قبل فصائلها سطرت اعظم البطولات في سبيل تحقيق اهداف شعبنا بما فيها حق العودة وتقرير المصير واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس .
وان ارى ان ما يعيشه مخيم عين الحلوة اليوم هو نتيجة تراجع العلاقة بين الشعب الفلسطيني وفصائله وقواه ، والا ولو كان هناك قرار سياسي واضح منذ اللحظة الاولى لما وصلت اليه
الامور الى هذه الدرجة ، علما ان هذا المخيم يمثل من حيث عدد سكانه اكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان ، وهو من قدم الشهداء وصمد وقاتل العدو الصهيوني ، ولكن السؤال هل ما يجري اليوم داخل هذا المخيم ، يأتي في سياق مؤامرة شطب حق العودة ، لأن تصريحات البعض الفلسطيني حول حل عادل لقضية اللاجئين هي جزء من هذه المؤامرة ، ولكن من سينفذ المؤامرة ، فاذا كانت الادوات موجودة تحت يافطات متعددة بهدف تنفيذ شطب حق العودة من خلال سياسية التهجير، نقول لهم لم تنجح سياستكم لأن هذا الشعب متمسك بحقه المشروع في العودة الى دياره وممتلكاته التي هجر منها عام 1948 ، ولهذا ندعو ابناء هذا المخيم الى نبذ الجماعات المتأسلمة والتي هي بكل تأكيد بعيدة عن الاسلام وتريد تنفيذ اجندات خارجية ، وهنا لم اقصد القوى الاسلامية التنويرية ، كما مطلوب من القوى الامنية ان تكون بمستوى المسؤولية من اجل الحفاظ على الاستقرار والامن لابناء المخيم ، وان تضرب بيد من حديد كل من تسول نفسه التعدي على حياة الناس مهما كانت التحديات والظروف ، فمن حق الشعب الفلسطيني في هذا المخيم ان يعيش بحرية وكرامة حين عودته ، والا سيدفع هذا الوضع الى التهجير في بقاع الارض .
وفي ظل هذه الاوضاع نسأل بعض العرب من هو الذي يمارس الإرهاب المنظم ومن يغتال ويقتل الشعب الفلسطيني ، فكيف يتم الصمت على جرائم الاحتلال ، ويتهم حزب مقاوم بالارهاب ، فنحن نعلم ان مشاعر الشعوب العربية عبرت عن اعتزازها بإنجازات حزب الله كعنوان رئيسي في المقاومة، وفي مواجهة العدوان الصهيويني، سواء في تحريره لجنوب لبنان أو بهزيمته جيش الإحتلال إبان عدوانه على لبنان عام 2006، وصولا إلى دعمه لنضال ومقاومة وانتفاضة الشعب الفلسطيني.
ختاما : لا بد من القول ، على جميع الفصائل والقوى عدم اجترار العبارات والكليشهات الجاهزة التي تركز على العواطف والمشاعر بعيداً عن لغة العقل والواقع ،بل المطلوب محطة هامة للمراجعة والتقييم والمحاسبة والمساءلة بعيداً عن لغة المجاملة والمسايرة،ونبذ التكلس والتحجر والجمود والبكاء على الأطلال والتباكي ،ويجب الوقوف امام مسؤولياتها وخاصة لجهة عدم تركيب الامور في الاطر التنظيمية حسب المحسوبيات،والتقاط الطاقات المبدعة والمبادرة وضخ دماء شابة.
بقلم/ عباس الجمعة