لم يعد احد في القدس غير مكرم لمرة أو اكثر، حتى ان البعض منا عدد الأوسمة والدروع والألقاب التي حصل عليها،اكثر ما حصل عليه قادة الجيش الأحمر في تصديهم للنازية،او القائد الكبير "هوشي منه" او الجنرال جياب او تشي جيفارا وغيرهم من قادة الثورات العالمية والعربية والفلسطينية....والأمور وصلت حد الإبتذال والإسفاف،وحتى الإساءة بحق من يجري تكريمهم ...فكلنا رجالاً ونساءً وطلاباً ومؤسسات ولجان وجمعيات وقادة مجتمعيين وسياسيين ورجال فكر واعلام وثقافة وتربية ورياضة ..وحتى باعة متجولين كلنا مبدعون ومتميزون ومنجزون.والقدس حماها الله خلية نحل في كل المجالات ....وقلة هم غير المبدعون والمتميزون.....
ما يجري من "موضة" التكريم ليس له علاقة من قريب او بعيد بالعرفان والتقدير والشكر لمن أبدعوا او تميزوا في مجال ونطاق عملهم أو الحقل او المركز او المؤسسة الذي /التي يعملون به/ا،بدلالة أن عدد كبير ممن يجري تكريمهم/ن أو توجيه المديح والثناء لهم/ن،ليس/ت لهم/ن بصمات وإنجازات جدية في المجال او الموقع الذي جرى تكريمهم/ن من اجله،بل جزء كبير من هذه التكريمات تجري لإعتبارات لها علاقة بالجوانب والعلاقات الشخصية،وأخرى هي لجانب دعائي وترويجي و"تلميعي" أو "مسح جوخ" لمؤسسة أو شخصية ما،يتكسب ويترزق منه/ها الأشخاص القائمين على حفل التكريم،وبالمقابل من يقدم الدعم المادي او يتبرع بتكاليف إقامة الحفل،له اهداف لها علاقة بالترويج لنفسه او مؤسسته،او لتحقيق استثمار يحسن من موقع ومكانته وصورته السياسية،الإقتصادية،المجتمعية والجماهيرية بين الناس والجماهير،يعني البحث عن استثمار واستعراض و"تلميع"،وفي مثل هذه الأشكال من التكريم المرتبط ب"الدروع" و"الميداليات الصينية" التي أغرقت بها الأسواق كما هو حال المسابح واعلام الفصائل وراياتها المصنوعة في الصين،نجد مثل هذه التكريمات،أصبحت تشعر المبدعين والمتميزين في مختلف المجالات والميادين،بأن إنجازاتهم وإبداعاتهم ليست ذات شان او قيمة او معنى،ما دام لا يوجد معايير مهنية واخلاقية ووطنية متفق عليها لقياس معنى التميز والإبداع،واذا كان ما يمكن تبريره او القبول به،هو التكريمات المتعلقة بالشهداء والأسرى ممن قضوا عشر سنوات وما فوق او أسرهم وعائلاتهم،لأن قضايا التميز والإبداع في الدول التي تحترم نفسها،يعبر عنها بجوائز سنوية،تمنح لمبدعين كان لهم اسهامات وإبداعات تركت بصماتها في مجالات وميادين مختلفة أحدثت دوراً تنويراً او تثقيفيا او توعوياً وتحريضياً في المجتمع،او لعبت دوراً فاعلاً في إحداث تغير في ثقافة ووعي المجتمع تجاه قضية ما،أو كان لإختراعها او إكتشافها او منجزها العلمي والتكنولوجي،انعكاساً على تطور المجتمع أو النجاح والإسهام في إيجاد علاج لمرض او مجموعة من الأمراض تفتك بالناس.
ولكن ما يجر في ساحتنا المقدسية على وجه التحديد،بأن حفلات التكريم تضيع فيها التخوم والحدود والفواصل،حتى تجد العديد من المكرمون /ات،كانوا نماذج سيئة في مواقعهم ومجالاتهم،كان الأجدى محاسبتهم بدلاً من إصباغ ألقاب عليهم/ن لا يستحقونها.
فأنا لا أعرف عندما يكرم فاسد او فاسدة،او مدير/ة ممن لا ينجح عنده/ا احد من الطلبة في امتحان الثانوية العامة،او من يستغل الناس ويهدر المال العام،أو يروج لمنتوج او بضاعة إسرائيلية،او يلعب دوراً في تشويه و"تقزيم" وعي الطلبة،أو يدعو ويمارس التطبيع او الدعارة السياسية والفكرية وغيرها،او يستغل حاجة فقراء ومهمشين،لكي يمثل عليهم دور امير المؤمنين..الخ،كيف ستنعكس مثل هذه التكريمات على نفسية من يكرمون الى جانبهم،ممن هم لديهم إبداعات وإنجازات حقيقة؟؟؟.
التكريم للطلبة المتفوقين من باب التشجيع بهدايا وشهادات شرف رمزية أو التكريم بهذه الصيغ للعمال الأوفياء والمخلصين في مهنتهم،او في عيد العمال العالمي،لكي يشكل مكافأة وحافزا لهم محبذ ومرغوب في إطار مؤسساتهم ومدارسهم،ولكن فرق كبير بين التكريمات التي تجري على المستوى الوطني او المناطقي لمنح اوسمة او نياشين وجوائز تقديرية لأشخاص او مؤسسات،ليس لها علاقة بالإبداع والإنجاز والتميز.
نحن عندنا في القدس او فلسطين من ي/تنظم بيتين من الشعر ي/تصبح بقدرة قادر شاعر/ة مبدع/ة ومتميز/ة ومتألق/ة،شاعر/ة القدس وفلسطين،وكذلك من يوفق بكتابة خاطرة او مقالة او قصة قصيرة يصبح من عمالقة الأدب لا الطاهر وطار ولا حنا مينا ولا غيرهم .
وقس على ذلك الفنانين والصحفيين وغيرهم،الكل عندنا مبدع ومتميز،ومع كل ابداعاتنا وتميزنا تزداد هزائمنا،وفقرنا وجدبنا وقحطنا الفكري والثقافي والفني والتربوي والتعليمي .
أنا اعرف اننا نعيش في أزمة عميقة،نتاج لثقافة ووعي مشوهين،تجنحان الى حب الظهور والإستعراض،ليس فقط عند من يستغلون التكريم من اجل "البرستيج" والجاه والمكانة الإجتماعية،السياسية،الاقتصادية والمجتمعية،بل حتى المكرمون انفسهم يتلذذون بهذه الطقوس.
هناك الكثير من الشخصيات المبدعة والمفكرة عالمياً من رفضت جوائز بمليون دولار تكريماً لها،لأن ذلك لا يتفق مع قناعاتها وأفكارها ومعتقداتها،كما حصل مع الكاتب الإسباني خوان غويتيسولو عندما رفض استلام الجائزة من الراحل العقيد معمر القذافي.
في حين عندنا من يدعى لحفل تكريم لدعوة وجهت له من وزير أو وكيل أو مدير تراه يركض طائراً من الفرحة،اتفق ذلك مع قناعاته أو لم يتفق،وهذا يذكرني بحال من يوجهون دائماً سهام النقد لأمريكا وسياساتها ومواقفها وإنحيازها الأعمى لإسرائيل،ما ان توجه الدعوة لهم في عيدها القومي حتى تجدهم أول المصطفين على أبواب سفارتها.
الأموال التي تصرف وتهدر في هذه الجوانب،يجب ان تستغل في خانة ومواقع يستفيد منها المجتمع أو المؤسسات المجتمعية،والتكريم بحاجة الى أن يعطى لمن يستحق وفق معايير صارمة مهنية ووطنية واخلاقية،حتى لا يفرغ من محتواه،كما هو حاصل الآن،حيث أضحى "موضة" من "موضات" العصر،وهناك فرق بين جوائز تقديرية تمنح للأشخاص والأفراد من اجل حثهم وتحفيزهم على التطور والتقدم،وبذل المزيد من العطاء في مجالاتهم،وتعميق وتجذير إنتماءهم،وبين من يجري تكريمهم أفراداً ومؤسسات لتميزهم وإبداعاتهم،كما حصل مع المدرسة حنان الحروب،او فوز عمل أدبي أو صحفي او إختراع علمي على مستوى عربي او دولي،وحتى التميز والفوز على المستوى الوطني،عبر جائزة سنوية تخصص لذلك...الخ،ولكن ما يجري الآن لا يمت للتكريم والتقدير بصلة،بل هي أشكال من أشكال "البرستيج" والجاه الخادمة لمصلحة جهة او فرد بالدرجة الأولى قبل ان يكون هادفاً للتكريم على إنجاز او عطاء.
بقلم/ راسم عبيدات