المحكمة الدستورية هي السلطة الأرفع في مواجهة السلطات الثلاث التقليدية المعروفة: السلطة التشريعة، والتنفيذية، والقضائية. حيث ان سلطة ونفوذ المحكمة الدستورية تطال ما تسنه السلطة التشريعية من قوانين سواء بالالغاء مباشرة أو الطلب من السلطة التشريعية بتعديلها عند الحكم بعدم دستوريتها، وقد يصل الأمر إلى أبعد من ذلك؛ كأن تقضي ببطلان القانون الذي على أساسه انتخب البرلمان، وبالتبعية حل البرلمان..وقد تطال سلطتها ما يصدر عن السلطة التنفيذية من قرارات بقانون ولوائح (انظمة) سواء بالالغاء او بالطلب من السلطة التنفيذية بتعديلها عند الحكم بعدم دستوريتها، وقد يأخذ الأمر منحى أكثر تطرفاً، عندما تقضي المحكمة بعدم أهلية رأس السلطة التنفيذية، كأن تقضي بفقدان رئيس الدولة لأهليته. (المادة 37/1-ج من القانون الاساسي، والمادة24/5 من قانون المحكمة الدستورية العليا). وقد يمتد نفوذها الى مؤسسة القضاء، حيث ان بعض الدساتير تسمح للأفراد برفع دعاوي ضد قرارات المحاكم.
وتعتبر فرنسا الوطن الام لنشأة هذا النوع من الرقابة، وهي لا زالت حتى اليوم على وفائها له، ثم ذاع انتشار هذا الاسلوب في غيرها من الدول وبصفة خاصة في دول اوروبا الشرقية.. ويرجع الفضل في ابتكار هذا الاسلوب في الرقابة على دستورية القوانين الى ما نادى به الفقيه "سيس"، حيث حاول ان يضع في ذهن واضعي دستور السنة الثالثة للثورة عام 1795، فكرة انشاء هيئة سياسية يكون من اختصاصها الغاء جميع القوانين التي تسن مخالفة لاحكام الدستور. ومع ان الفكرة لم تلق ترحيباً بالبداية خشية ان تغدو تلك الهيئة سلطة فوق السلطات وأداة سيطرة واستبداد الا انها اعتمدت في دستور السنة الثامنة للثورة عام 1799م ودستور سنة 1852م.
وأخد القانون الاساسي للسلطة الوطنية الفلسطينية لعام 2003 بفكرة المحكمة الدستورية العليا في الباب السادس منه الخاص بالسلطة القضائية في المواد 103 و 104، حيث تنص المادة 103 منه على :
1- تشكل محكمة دستورية عليا بقانون وتتولى النظر في :-
- دستورية القوانين واللوائح او النظم وغيرها.
- الفصل بين تنازع الاختصاص بين الجهات القضائية وبين الجهات الادارية ذات الاختصاص القضائي.
- تفسير نصوص القانون الاساسي والتشريعات.
2- يبين القانون طريقة تشكيل المحكمة الدستورية العليا والاجراءات واجبة الاتباع والاثار المترتبة على احكامها.
كما وتنص المادة 104 من القانون الاساسي ذاته على أن تتولى المحكمة العليا مؤقتاً كل المهام المسندة للمحاكم الادارية والمحكمة الدستورية العليا، ما لم تكن داخله في اختصاص جهة قضائية أخرى وفقاً للقوانين النافذة.
كما وتناولت المادة 24من قانون المحكمة الدستورية الفلسطينية اختصاصات المحكمة الدستورية والتي تتمثل فيما يلي :-
1- الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح او النظم وغيرها.
2- تفسير نصوص القانون الاساسي والتشريعات.
3- الفصل في تنازع الاختصاص بين الجهات القضائية والجهات الادارية ذات الاختصاص القضائي.
وتنص المادة 25 من القانون المذكور على انه يجوز للمحكمة في جميع الحالات ان تقضي بعدم دستورية اي نص في قانون او لائحة يعرض لها بمناسبة ممارسة اختصاصها ويتصل بالنزاع المطروح عليها. وكذلك تنص المادة 50 من على ان جميع الدعاوى والطلبات القائمة امام المحكمة العليا تحال الى المحكمة الدستورية بحالتها فور تشكلها.
وبتاريخ 17/2/2006 صدر قانون المحكمة الدستورية العليا الفلسطيني رقم (3) لسنة 2006، والذي يعتبر قانون المحكمة الدستورية العليا المصري رقم (48) لسنة 1979، المصدر التاريخي له.
وبتاريخ 30/10/2012، اصدر رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية قرارا بقانون عدّل بموجبه قانون المحكمة الدستورية العليا لسنة 2006، يُطلق عليه (قرار بقانون رقم (؟) لسنة 2012 بشأن تعديل قانون المحكمة الدستورية العليا رقم (3 ) لسنة 2006 . طال هذا التعديل عدد اعضاء المحكمة، وآلية تعيين اعضائها، وشروط العضوية فيها، وآلية ممارستها لاختصاصاتها.
*الرئيس يصدر قرار تشكيل اول محكمة دستورية عليا
وقد أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس مؤخراً قراراً رئاسياً بتشكيل أول محكمة دستورية عليا في الوطن، من قضاة محكمة عليا، وأكاديميين وخبراء في القانون الدستوري ومحامين، وهي استحقاق دستوري قانوني سيعمل على التخفيف من العبء الملقى على عاتق المحكمة العليا. وتتشكل المحكمة الدستورية العليا على النحو الآتي:
السيد/ محمد عبد الغني أحمد الحاج قاسم رئيساً.
السيد/ أسعد بطرس سعيد مبارك نائباً للرئيس.
السيد/ عبد الرحمن عبد الحميد عبد المجيد أبو نصر عضواً.
السيد/ فتحي عبد النبي عبد الله الوحيدي عضواً.
السيد/ فتحي حمودة أبو سرور عضواً.
السيد/ حاتم عباس محمد صلاح الدين عضواً.
السيد/ رفيق عيسى إبراهيم أبو عياش عضواً.
السيد/ عدنان مطلق محمود أبو ليلى عضواً.
السيد/ فواز تيسير فؤاد صايمة عضواً.
*المؤسسات الحقوقية توجه رسالتها:
ووجهت المؤسسات الحقوقية الفلسطينية في رسالة إلى الرئيس محمود عباس فور الإعلان عن تشكيل المحكمة الدستورية العليا، طالبته بـ"ضرورة أن يأتي تشكيل المحكمة الدستورية العليا خطوة لاحقة تتوج إعادة الحياة الدستورية المتمثلة بإجراء الانتخابات العامة (الرئاسية والتشريعية) وإعادة توحيد القضاء الفلسطيني". كما طالبت المؤسسات الحقوقية بـ"أن لا يأتي تشكيل المحكمة مبنياً على محاصصة سياسية يسعى من خلالها أي حزب أو جهة سياسية للسيطرة على هذه المحكمة. فالمحكمة الدستورية العليا، هي حارسة القانون الأساسي، وحامية الحقوق والحريات العامة، فحياديتها ونزاهتها واستقلاليتها شأن ينبغي عدم المساس به".
ودعت المؤسسات الحقوقية السيد الرئيس إلى "ضرورة أن يراعي تشكيل المحكمة الدستورية العليا تمثيل النساء كمعيار غير تمييزي، وتحقيقاً لالتزامات دولة فلسطين اتجاه الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، التي انضمت لها دون تحفظات، وفي سبيل تحقيق المساواة، ولما فيه من خطوات في سبيل تحقيق العدالة بين المواطنين والمواطنات الفلسطينيات كافة".
وتطلعت المؤسسات الحقوقية الموقعة على الرسالة الى شراكة حقيقية وأداء تكاملي بين المجتمع المدني ومؤسسات دولة فلسطين، حيث عبرت عن تفاجُئها من حالة التكتم والسرعة التي تمت فيها هذه التشكيلة، دون الأخذ بعين الاعتبار مطالب المؤسسات التي سبق أن قدمتها في مذكرات رفعتها للرئيس محمود عباس في العام 2014. والمؤسسات الموقعة:- الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، مجلس منظمات حقوق الانسان، ويتألف من مؤسسة الحق "القانون من أجل الإنسان"، ومركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي، و مركز إنسان للديمقراطية وحقوق الإنسان ومركز الميزان لحقوق الإنسان، ومؤسسة الضمير لحقوق الإنسان، والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، والحركة العالمية للدفاع عن الأطفال – فرع فلسطين، ومركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، ومركز رام الله لدراسات حقوق الإنسان، والمركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين – بديل، و مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية "حريات"، والمركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء (مساواة)، وشبكة المنظمات الاهلية، والمؤسسة الاهلية لاستقلال المحاماة وسيادة القانون (استقلال، ومؤسسة مفتاح.
بقلم/ د. حنا عيسى