قطاع غزة الجزء الجنوبي من الوطن الفلسطيني ... الذي وصل به الحال ... الى ما وصل اليه من تحديات ومصاعب ... كوارث ونكبات ... في اطار الوطن الذي لا زال يعاني الاحتلال وممارساته ... وفي واقع شعب بأكملها لا زال يعاني التهجير والتشرد والشتات بمخيمات اللجوء .
الحديث عن غزة ... ورسم صورتها الحقيقية... بما تعاني وتتألم ... وبما تحتاج وتتطلب ... يصعب علينا سرده وكتابته بأسطر معدودة ... وبعناوين محددة ... لأن الهم كبير ... والتحديات تتعاظم وتزداد بمرور الزمن وقسوته .
الحديث عن غزة... ليس محاولة للانفراد بحكم موقعها وجغرافيتها ... او بحكم ظروف انقسامها وشتات المسئولية حولها ... بل لأنها ذات خصوصية فريدة من نوعها ... ولأنها الجزء الجنوبي من اراضي السلطة الوطنية ... وانها قانونا وشرعا تحت ولاية السلطة ... وفي اطار ولاية ومسئولية حكومة التوافق ... هذه المسئولية الواضحة والمحددة ... والغائبة عن ارض الواقع ... تزيد من حيرتنا ... كما وتزيد من أعبائنا ومصاعب حياتنا .
منذ الانقسام وحركة حماس تتولى مقاليد حكم القطاع ... وحتى ما بعد تشكيل حكومة التوافق لا زالت الحركة على حكمها ... وكما قالت في حينه... أنهم يتنازلون عن الحكومة ...لكنهم لا يتنازلون عن الحكم ... وأنا من الذين فهموا... أن عدم تخليهم عن الحكم بمعنى شراكتهم بالنظام السياسي ... وعضويتهم بالمجلس التشريعي ... ولم افهمها ... أنها استمرار للأمر الواقع ... وتجاهل تام لحكومة التوافق ... التي تتحمل كامل المسئوليات ... كما تتحمل السلطة الوطنية ... والرئيس محمود عباس ... هذا ما يعلن ويردد من خلال التصريحات ووسائل الاعلام التابعة لحركة حماس ... وما نسمعه ونشاهده من خلال التصريحات والمقابلات وعبر كافة المناسبات .
المشهد الغزي ليس خافيا على أحد... وتفاصيل أحوالنا أصبحت مكشوفة ... وليست غائبة أو مغيبة عن احد ... فالأمور واضحة ... رغم الالتباس والتداخل في المسؤوليات والذي يجعلنا في موقف طرح السؤال حول من يتحمل مسؤولية غزة ؟!
سؤال مشروع انسانيا ووطنيا وقانونيا ... مما يجعل من حق كل مواطن أن يحمل المسؤولية للجهة المتحملة للمسؤولية ... هذا اذا كان هناك من يعلن عن تحمله للمسؤولية بصورة معلنة ... وبصورة قانونية وسياسية ... وليس بحكم الواقع .
السلطة الوطنية وحكومة الوفاق يمثلون عنوان المسؤولية الحقيقية للشعب الفلسطيني ... وليس خافيا على أحد أن السلطة الوطنية تقدم أكثر من نصف ميزانيتها لقطاع غزة ... وتغطي كافة الميزانيات التشغيلية للعديد من الوزارات والمرافق ... كما وتصرف الرواتب لعشرات الالاف من الموظفين الذي يحركون سوق العمل داخل القطاع كما ويتم تسهيل دخول المواد والبضائع والمستلزمات الصناعية وكافة الاحتياجات من ادوية ومواد غذائية ومستلزمات حياتية ومواد بترولية.
أي أن السلطة الوطنية تعمل ما بوسعها ... وتقدم بحسب المساحة المسموح لها ... وأنها ليست صاحبة السيادة والولاية الحقيقية على الأرض ... لأنها لو كانت كذلك ستكون هي من تتحمل مسؤولية كل صغيرة وكبيرة .
هذا الواقع والمشهد الغزي جعل المواطن حائرا بين حكمين... وسلطتين ... وحكومتين... فهل هذا يخدم شعبنا ؟!
وهل هذا في السياق الذي يجعلنا قادرين على مواجهة تحدياتنا ومشاكلنا ؟!
وهل نحن بهذا الحال يمكن أن نكون قادرين على تحرير أنفسنا وبناء دولتنا ؟!
بطبيعة الحال ... وبحكم ثقافة الناس ... وبمتابعتهم لأحوالهم وظروفهم المحيطة ... يزدادون وعيا ومعرفة بحقائق الأمور ... والذي يجعلهم بموقف تبيان الحقيقة ... مهما كانت مساحة الاعلام الممنوح لهذا الطرف أو ذاك ... ومهما كانت الرواية والشعارات المرفوعة ... لأن الحقيقة على أرض الواقع تفرض نفسها ... وتجعل لكل مواطن قدرة عالية على معرفة الحقائق .
وما بين تلك المواقف ... يقف الانسان الغزي ... حائرا ... تائها ... مترددا ... متخبطا ما بين مصالحه الذاتية... وظروف حياته الخاصة والعامة ... وما بين الحملات الاعلامية والسياسية ... ومحاولات اثبات صدق رواية كل طرف من الأطراف التي تقوم على هذا الانقسام ... الذي شل حياة القطاع ... وجعل من همومه وتحدياته... عبئا ثقيلا يزداد مع مطلع كل فجر جديد ... في ظل بطالة متفشية ... وحالة كساد ملحوظ ... وانخفاض بمعدلات الدخل وضعف عام بالإنتاج ... حالة من الجمود والسكون في ظل قطاع مغلق ... ومحاصر ... لا دخول ولا خروج منه ... وفي ظل حكومة تحكم عن بعد ولديها الامكانيات ... وحكومة تحكم عن قرب ولا تمتلك الوسائل والامكانيات لمعالجة الأزمات .
حالة يرثى لها ... وظواهر مجتمعية ... بدأت تزداد بضراوتها وأمراضها ... والتي تهدد نسيجنا الاجتماعي ... ومنظومة حياتنا الاخلاقية والثقافية ... وحتى الوطنية ... ولا زلنا على عنادنا ومكابرتنا ... وعلى موقف كل منا ... وكـأن غزة ... ومن فيها... ليسوا على قمة الأولويات ... ولكنهم سيبقون... على سلم التضحيات والعطاء ... والاستجابة لنداء الوطن .
بقلم/ وفيق زنداح