كنا قد ذكرنا سابقا انه لا يمكن الخلاص من الإحتلال دون تحصين للمجتمع الذي نعيش فيه, ولا يمكن تحرير الإنسان ايضا دون تطوير لأنشطته الاقتصادية والتكنولوجية ولا حتى استراتيجيته السياسية ,وبالتالي فانه لا تحصين ولا تحرير او تطور دون أمن ,وعليه كنا قد دعونا جهات الإختصاص بالأجهزة الامنية بضرورة البحث عن الأساليب الملائمة لتحقيق كل ما سبق حيث كان الإعلام الامني الفلسطيني من أهم الأساليب التي يجب اعتمادها من اجل الوصول الى تحقيق ما نسعى اليه نظرا لما يعيش فيه مجتمعنا الفلسطيني من خصوصية الانقسام والاحتلال ,وذلك من اجل الاتصال عبر المخطط الإعلامي بكافة طبقات الشعب وفئاته المختلفة لإيجاد الأرضية المشتركة ما بين الأجهزة الامنية والمجتمع والمواطنين للوصول الى استراتيجية وطنية لتحصين المجتمع والانتقال به نحو الدولة المستقلة بعد ارساء كافة معالمها ,
اذا فان على الإعلام الامني الفلسطيني ضرورة العمل من اجل تطوير الرسالة الإعلامية, وبما تتوافق مع الاستراتيجية المتوخاة تحقيقها ,والتي يجب ان تاخد حيزا واسعا من البحث والاتفاق في جلسات حوار المصالحة , حيث ان الإعلام الأمني لا بد وان يلعب دورا مهما ,ليس من اجل تحصين المجتمع من الجريمة فقط , بل وحتى ومن اجل تعميق المصالحة المجتمعية ونبذ كل ما فعلته سنوات الانقسام والاقتتال من امراض اجتماعية وآلام ,وهذا ايضا ما يؤكد حاجتنا الى ضبط الرسالة الإعلامية وخضوعها لمعايير لا يمكن تجاوزها او القفز عنها لتحقيق ما نصبو اليه ,وهي نفسها التي نود التطرق لها كإجابة على تساؤل كنا قد طرحناه في نهاية مقالنا السابق من حيث توضيح المعايير التي يجب ان تمتاز بها الرسالة الاعلامية وصولا لإعلام امني فعال نسعى الى تحقيقه.
من الطبيعي بان اي نشاط إعلامي,حتى لو كان ترفيهياً الخضوع لبعض المعايير الشكلية والموضوعية ,وذلك لضمان توفيرها لكافة احتياجاتنا من حيث الامن والحماية والدفع بشعبنا نحو المساهمة في البناء والتحرر ايضا,حيث علينا ان نسال أنفسنا ,سواء كنا رجال أمن او اعلام ,او حتى كلاهما معاً, وقبل البدء بإعداد الرسالة الإعلامية او القيام بتصميمها وإنتاجها لإخراجها, ألا وهو ما هي الفكرة أو الرؤية المراد نقلها وإيصالها الى الشعب ولماذا؟ , ومن ثم وبعد تحديد معرفة ما اردنا تحقيقه نبدأ بتحديد شكل الرسالة الاعلامية ومضمونها ايضا ,حيث ان شكل الرسالة الإعلامية هي بمثابة صلب العملية الإعلامية ,شرط توافق هذا الشكل مع المضمون ايضا, وبما يتلاءم هذا الشكل والمضمون مع قناة الإعلام التي سيتم استخدامها لإيصال كل ما نسعى اليه لكافة ابناء شعبنا او لجزء منه.
كما أن التوازن بين شكل الرسالة الاعلامية ومضمونها يعتبر من اهم الأمور الأساسية لإطلاق الرسالة الإعلامية الامنية الفعالة ,فلا ينبغي لأحدهما التغلب على الآخر لما في ذلك من اضعاف لأي اثار قد تتركه هذه الرسالة الاعلامية ,ولما يمكن السير بهذه الرسالة والاتجاه بها بعيدًا عن الهدف المنشود ايضا ،فإذا ازداد معدل الإبهار في شكل الرسالة الاعلامية مثلا ,فإن في ذلك تقليل من اهتمام وفهم من تصله هذه الرسالة من حيث عدم ادراكه لمحتوى ما جاء فيها .
ان الاهتمام اللامحسوب بمضمون الرسالة الاعلامية التي يتوخاها المخطط الامني وبشكل قد يؤثر على شكلها يعد من العوامل الرئيسة احياناً لانصراف الجمهور عن هذه الرسالة الاعلامية وعدم اهتمامهم بها ايضا, بل وقد يؤدى هذا إلى اضعاف ثقتهم بمقدم هذه الرسالة وبالقناة الاعلامية التي تنقلها لأن البعض قد يفسر هذا على انه عدم احترام من جانبه لهم ,أو على انه تعبير عن مستوى مهني إعلامي منخفض ,وهذا ما يمكن لنا ان نلمسه فيما تقدمه الاجهزة الاعلامية الفلسطينية, الرسمية منها والحزبية ,من حيث رؤيتنا مثلا ازدياد معدل الإبهار فيما تصدره أجهزة حماس الإعلامية من رسائل بنفس الوقت التي تصدر فيه اجهزة الإعلام الرسمية لبعض الرسائل الخالية من الشكل حيناً, ومن المضمون حيناً آخر ,وفي غالب الأحيان خلو الرسالة الإعلامية من الشكل والمضمون في ان واحد,وهنا نجد بعض الإستغباء المقصود للجمهور من طرف وسائل حماس الاعلامية في الوقت الذي نجد فيه ايضا استغباء الجمهور لوسائل الإعلام الرسمية للسلطة لما يصدر عنها في غالب الأحيان من تخبط واستهبال وعدم توافق ما تصدره مع الحالة الفلسطينية, ولو بالحد الادنى من متطلبات هذا التوافق, فهل يمكن لنا ان نتحدث عن اعلام امني فلسطيني رسمي عند النظر لما تقدمه هذه الوسائل من مواد؟.
ان استغباء اجهزة حماس الاعلامية للجمهور الفلسطيني وتجاهل اجهزة الإعلام الرسمية لمتطلبات الحالة الفلسطينية ايضا من حيث مواجهة الانقسام ومقاومة الاحتلال مع الوقاية من الجريمة ايضا وتحصين المجتمع منها لا يظهر لنا ذلك جليا فقط عند النظر الى ما يقدمونه للجمهور من حيث شكل ومضمون ما يقدمونه من رسائل ,بل وبطريقة ما يقدمونه من معلومات في موادهم الاعلامية ايضا,حيث ان التوازن في كم المعلومات والذي يجب ان يكون متوافرًا في الرسالة الإعلامية وخاصة الأمنية منها هو اما معدوم وإما مبالغ به ,حيث لا يجب أن تحتوى الرسالة الاعلامية الامنية على كم كبير أو مبالغ فيه من المعلومات بشكل قد يشتت افكار المتلقي لهذه الرسالة ,وربما تساهم في ابعاده عما تسعى الى تحقيقه ,على ان لا يكون ايضا كم المعلومات محدوداً بحيث لا يفي باحتياجات المتلقي ,لأنه في هذه الحالة سوف يقوم المتلقي لهذه الرسالة باستكمال المعلومات الناقصة ذاتيًا أو من خلال الآخرين ,الأمر الذي قد يؤدى إلى تشويه الرسالة الإعلامية أو تحريفها بما يخل بالهدف المراد الوصول إليه من إطلاقها ،هذا بالإضافة إلى الدقة والوضوح وعدم استخدام أي ألفاظ أو جمل تقبل تأويلاً وتفسيرات متعددة ,وهذا ما يقودنا الى تساؤل اخر وهو مرتبط ايضا بما نقدمه من معلومات متوازنة ,ألا وهو ما هي القناة الاعلامية التي يمكن لنا ان نقدم من خلالها هذه المعلومات من اجل ضمان اكبر عدد من متابعتها والاستفادة مما قدمنا من معلومات يخدم رؤيتنا وبما اردنا تحقيقه من اطلاق الرسالة الاعلامية ؟,وهل هذه القناة يجب ان تكون مرئية او مسموعة او مقروءة؟,وهل يمكن لنا عرضها على جميع القنوات وفي ان واحد ولماذا؟.
من المعروف انه توجد ثلاثة أنواع من القنوات الإعلامية وهي المقروءة والمسموعة والمرئية ايضا ، ولا يمكن القول بأفضلية نوع على نوع آخر ,إلا ان الافضلية هنا في الاختيار تتأتى من خلال طبيعة موضوع الرسالة وخصائص الجمهور المستهدف والأهداف المراد الوصول إليها من إطلاق الرسالة وتوقيتها ،وقد يتطلب الأمر استخدام أكثر من قناة في وقت واحد ,إلا انه في هذه الحالة لابد من مراعاة طبيعة كل قناة من هذه القنوات عند تصميم وإنتاج الرسالة الإعلامية ,لأن تصميم الرسالة وإنتاجها تختلف من قناة مرئية عن انتاجها وتصميمها لقناة مسموعة مثلا ,ولذلك فانه لا بد من الأخد بعين الاعتبار عند تصميم الرسالة الإعلامية المزايا الخاصة بكل قناة, وذلك لتوظيفها التوظيف الأمثل ,وبما يخدم الأهداف المراد الوصول إليها .
من ناحية أخرى فان العمل على استخدام أكثر من قناة لإطلاق الرسالة الإعلامية يتطلب منا ضرورة مراعاة التنسيق فيما بينهما من حيث القضاء على أي تناقض في جوهر محتوى الرسالة الإعلامية المراد توصيلها للجمهور المستهدف ،ومراعاة التوقيت فيما بينها من حيث النشر والإذاعة ,وهنا يستوجب القول بأن اتساع الاعلام بأنواعه وازدياد اهميته وامتداد وظائفه ايضا يتطلب من الاعلام الامني الفلسطيني كإعلام نرى اهميته بضرورة التخصص على استخدام أكثر من قناة لنقل رسالته وذلك لاتساع نطاق الموضوعات التي يتناولها وأهميتها بالنسبة لقطاعات كبيرة من المجتمع ,الأمر الذي يعنى اتساع قاعدة الجمهور المستهدف وتنوع خصائصه وعاداته الاتصالية ،هذا فضلاً عن تعدد المستويات النوعية التي يخاطبها الإعلام الأمني الأمر الذي يتطلب نقل رسائله من خلال عدة قنوات وعدم الاقتصار على قناة واحدة ,إلا إذا كانت هناك ظروف موضوعية تتطلب ذلك.
الجمهور المستهدف يعتبر من اهم العناصر الحاكمة لأي عملية إعلامية وهو العنصر الرابع فيها من حيث ارتباطه بمفهوم الاعلام الامني وفقا لما اشرنا اليه في مقدمة مقالنا ,ولذلك من الاهمية بمكان الإجابة على تساؤل ملح ومطروح عند البدء بإعداد رسالتنا الاعلامية ,ألا وهو من هو هذا الجمهور الذي نسعى لان تصله الماده الاعلامية التي نحن بصدد عرضها ؟.
بداية لا من التوضيح انه من البديهي ان تتنوع الجماهير في العادات والتقاليد والقيم والمفاهيم ايضا ,وعليه فان على المخطط الاعلامي الفلسطيني ان ياخد بعين الاعتبار خصائص هذا الجمهور المتلقي للرسائل الإعلامية عند عرض بعض الأفكار والرؤى الجديدة بحيث عليه ان يقدم هذه الافكار بالشكل وبالصيغة التي لا ينتج عنها أي شك أو حذر أو صدام مع الجمهور المتلقي للرسالة الاعلامية الامنية ,لأن الهدف هو توصيل الرسالة وليس الصدام مع الذين يحملون افكارًا مضادة لها, وللتغلب على اية احتمالية وقوع الصدام ما بين ما تطرحه الرسالة الاعلامية من افكار او رؤى, وما بين اختلاف القيم والعادات والتقاليدوالمفاهيم ايضا داخل المجتمع ,فانه يجب العمل على التكرار المنظم في بث الرسالة الإعلامية, وذلك من خلال استخدام أشكال مختلفة للرسالة تحمل ذات المضمون, حيث يتولد عن التكرار نوع من التآلف بين المتلقي والرسالة الأمر الذي يجعله أكثر استعداداً لقبولها والتسليم بصحتها , وهنا يأتي دور المخطط الاعلامي او اللجنة الامنية الاعلامية في التأكد من تحقيق الرسالة الاعلامية مبتغاها حيث ان الإعلام الأمني بحكم طبيعته وخصائصه النوعية في أشد الحاجة لذلك ,فهو بحاجة إلى التأكد من وصول رسائله إلى الجمهور المستهدف ,وبحاجة ايضا إلى التيقن من مستوى تطابق فهم هذا الجمهور للمعنى المراد توصيله ,هذا فضلاً عن حاجته إلى التعرف على نوعية استجابة هذا الجمهور لرسائله الإعلامية .
يبقى القول ,انه وعلى الرغم مما يمكن تحقيقه من حيث نجاحنا في تطبيق ما سبق من معايير للرسالة الاعلامية الامنيه ,فانه لا يمكن لنا التحدث عن اعلام أمني فلسطيني فعال دون بناء استراتيجية وطنية سياسية وإعلامية ,فحينها فقط يمكن لنا ان نحدد ماذا نريد؟,وكيف؟والى أين ,وإلا فان استمرار الإعلام الفلسطيني بلا استراتيجية ودون وفاق سياسي هو بمثابة اعلام هدام ,لا اعلام بناء ,وحينها يمكن القول ايضا بان الاعلام الفلسطيني هو اعلام مجرم بحق المجتمع والقضية ,لأن كافة وسائل الاعلام لن تبحث إلا على ما يحقق المشاهدة وبما يتوافق مع اهداف القناة والمعد فقط ,لا أهدافنا الوطنية , فهل وصلت الرسالة؟..
عقيد/ماجد هديب