عادة ما تلجا مصانع المنتجات الغذائية لإقامة مهرجانات التذوق وهم يشجعون المستهلك على شراء منتجاتهم ويدعونه بالإغراء بكل الطرق لزيادة الكميات التي يستهلكها من الطعام ويتفننون بإنتاج نماذج جديدة ومبتكرة من الطعام بالشكل واللون والطعم والرائحة كل ذلك بهدف زيادة الأرباح ورفع نسبة المبيعات بينما تستخدم مصانع الألبسة نماذج لأشخاص مشهورين لتقديم ملابسهم وتقام مهرجانات عروض الأزياء لذلك ليرى المستهلكين كيف يكون المنتج على ارض الواقع ويندفعون لشراء هذه الملابس ولذا فان شركات إنتاج الملابس العالمية تقضي كل وقتها بالتفكير بالموضة ومتغيراتها وتستقدم لذلك خبراء ومختصين بكل صنوف الحياة لكي يقدموا للمستهلك نموذجا جديدا لفستان جديد او بدلة جديدة يدفع بالمستهلك للإقدام على شراءه رغم أن القديم لم يستهلك بعد ولذلك فان هذه الشركات تشجع التبرع مثلا بالملابس القديمة للفقراء والمعوزين كأساس لشراء المنتج الجديد وهكذا فان هذا النموذج للعمل الدعاوي للمنتجات والسلع بكل أصنافها ينسحب على كافة أنواع السلع ومن بينها الأسلحة التي يجد.
الدول المنتجة للسلاح لها المصلحة الأولى لإيجاد أسواق لتصريف هذه الأسلحة وفي المقدمة طبعا الامبريالية الأمريكية المنتج الرئيس الأول للسلاح في العالم وتليها في ذلك روسيا ثم الصين ثم دول أوروبا وفي المقدمة منها فرنسا وتتنوع حاجة الدول للأسلحة ففي حين تعتبر الحروب القومية والدينية والطائفية هي مصدر الحروب في الشرق الأوسط فان تجارة المخدرات في بعض بلدان أمريكا اللاتينية تعتبر مبررا قويا لتجارة السلاح كما في المكسيك مثلا, عديد الدول الغنية في الشرق الأوسط تشتري الأسلحة الثقيلة في سباق محموم للتسلح تغذيه بشكل أو بآخر الدول المنتجة للسلاح ففي حين تعتبر دول مثل السعودية وتركيا والإمارات من أهم أسواق السلاح لأمريكا تأتي إيران وفيتنام والهند كأسواق للسلاح الروسي وقد ساهمت المشاركة الروسية في الحرب الدائرة في سوريا كأداة ترويج كبيرة للسلاح الروسي في المنطقة.
التقرير الصادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام " سيبري " إلى أن تجارة السلاح ارتفعت في السنوات الأخيرة بنسبة 16% وذلك بسبب من الحروب الدائرة ضد التنظيمات المسلحة في العالم ومنها تنظيمات داعش وبوكو حرام وهو ما يدفع المراقب للسؤال من المستفيد من أنشطة وحروب هذه التنظيمات التي تساهم في رواج تجارة السلاح للدول المنتجة نفسها والتي تهتم بترويج هذه الأسلحة خارج حدودها ولولا أنشطة هذه التنظيمات وما نتج عنها من حروب مشتعلة لما تمكنت تلك البلدان المتاجرة بالموت من بيع قطعة سلاح واحدة.
البحث عن أسواق جديدة هو الأساس وما يجري اليوم من تفجيرات في بعض الدول الآمنة تاريخيا كما حدث في تفجيرات بروكسل والتي قد تمتد إلى دول اسكندنافية أخرى من تلك النوعية من الدول التي ليس لها أية خبرات او دراية في مسائل من هذا النوع ولذا فهي ستجد نفسها مضطرة أيضا للتزود بتكنولوجيا وخبرات الأمن مما سيفتح أسواق جديدة في دول تذهب ميزانياتها عادة للرخاء لمواطنيها وهذا يجعل لعاب المسوف الامبريالي لتكنولوجيا وخبرات الأمن تسيل أمام أسواق قد تكون هي الأكثر خوفا من غيرها من الإرهاب والفوضى وهي لذلك ستجد نفسها مضطرة لتخصيص كل ما يلزم من ميزانياتها لحماية الأمن الداخلي ولن تجد مصدرا لذلك أفضل من الولايات المتحدة نفسها الغول الامبريالي الذي يسعى لبيع الموت في العالم لأية جهة بغض النظر عن لونها او دينها او قوميتها او حتى تحالفها او عدم تحالفها معه.
مليارات ومليارات الدولارات تذهب يوميا إلى خزائن تجار السلاح بأشكال وأنماط مختلفة وقد كان قديما وحتى اليوم يجري استغلال الجهل والفقر والظلامية والتعصب في البلدان الفقيرة لصالح تسويق السلاح والموت ونهب خيرات شعوبها مقابل الموت فلم تكتفي الامبريالية البشعة هذه بذلك بل انتقلت حتى لدول الرخاء لإثارتها وتضخيم المشاكل بها لفتح أسواق جديدة لأدوات الموت هذه.
تقول التقديرات إن حجم تجارة السلاح في العالم تصل إلى 2 تريليون دولار سنويا والتريليون هو مليون مليون لمن لا يعرف ذلك وكما أن الطعام وجد ليؤكل والقماش وجد ليلبس والسيارات وجدت لتركب فان السلاح وجد ليقتل البشر ويدمر الممتلكات فهو إذن بحاجة أكيدة للموت والدمار لكي يتم بيعه وكما هو معروف فان صناعة السلاح في تطور مستمر وعادة للسلاح عمر افتراضي يفقد قيمته إن لم يستعمل بسبب ما سيجد من أصناف واختراعات وتطويرات جديدة كما أن تجربته ضرورية لمعرفة نجاعته ولذا لم تجد الولايات المتحدة بدا من استخدام القنبلة الذرية لمعرفة نجاعتها فكانت تجربتها في هيروشيما وناكازاكي الشهيرتين مما أدى إلى مقتل ربع مليون إنسان لمجرد فحص سلاح جديد لا أكثر خصوصا وان الحرب عندها كانت قد شارفت على الانتهاء وهو أيضا أي السلاح إن لم يستعمل فلن تجري تجارة قطع الغيار ولا الاستبدال ولا التطوير فالحروب إذن هي حرفة أصحاب صناعة الأسلحة في العالم وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية ثم روسيا والصين ثم تأتي دول أوروبا فرنسا وبريطانيا وألمانيا بينما تعتبر الهند البلد الأول في استيراد الأسلحة تليها باكستان والسعودية وتجد إسرائيل لنفسها مكانا في هذه التجارة والصناعة فهي أيضا تحوز نسبة غير قليلة من تجارة الموت ويمكن اعتبار سباق التسلح القائم بين الهند وباكستان والذي وصل بهم إلى إنتاج القنابل النووية رغم الفقر والتخلف الذي يعانيه كلا البلدين صورة عن حجم مثل هذه الكارثة الإنسانية وبشاعتها.
الولايات المتحدة الأمريكية أنفقت فقط في الحرب على العراق وفي أفغانستان ما قيمته حسب تقديرات معهد واطسون للدراسات الدولية في جامعة براون 6 تريليون دولار وأكثر من نصف هذا الرقم هو أرباح مجنونة لصانعي الأسلحة في حين تشير تقديرات مجموعة جولدن ساكس الأمريكية للخدمات المالية أن تكلفة القضاء على الفقر في العالم جميعه ممكن فقط بصرف مبلغ 175 مليار دولار سنويا لمدة عشرين عام ومعنى ذلك أن ما صرف على الحربين يفوق بكثير ما يكفي لإنهاء الفقر بين كل بني البشر على كل الأرض, ألا يكفي ذلك لإدراك حجم الكارثة التي تصنعها الامبريالية المتغولة وان نرى أن هذا الاستغوال سيتفاقم أكثر فأكثر لرفع الأرباح التي تذهب لخزائنهم عبر الزيادة المجنونة للقتل والتدمير والإفقار للبشر وحضارتهم على وجه الأرض.
الغول الامبريالي الأمريكي هو الزارع الرئيس لمشاتل الموت في العالم وهو في سبيل تسويقها معني بحراثة كل الأرض الممكنة تمهيدا لنقل اشتال الموت وبيعها إليها لزراعتها ونموها أكثر فأكثر مما سيسهل عليه بيع اكبر قدر ممكن من أدوات الموت والدمار بما في ذلك الأدوات الممكنة للحماية من هذا الموت كما يسعى الآن لفتح هذه الأسواق في الدول الاسكندينافية.
إن حالة الاستغوال الامبريالي الأمريكي هذه تتقدم بشكل محموم وبلا هوادة, وهي إن لم تجد من يقف في وجهها من قوى الخير وأعداء الحروب واللصوصية في العالم ستمضي في تغولها أكثر فأكثر دونما رادع او مانع وكما لم تنجح مقولة الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية فستموت أيضا حكاية الاستغوال أبشع مراحل الامبريالية وهي لكي تكون آخر مراحلها وطريقها إلى القبر تحتاج لتعاضد كل قوى الخير في وجهها لإسقاطها وقبرها وسلاحها إلى الأبد.
بقلم
عدنان الصباح