التنظير ... ثقافة قائمة ...واصبحت متجذرة في العقول والفكر السياسي .... حتي اصبحنا من الذين يجيدون التنظير الكلامي .... بل يجيدون الجدل والتناقض .... المماحكة والمناكفة ... والي حد الوصول لحالة عدم الفهم لحقيقة المواقف واسباب تناقضها .
التنظير الكلامي ... الفكري .... الثقافي ... الاعلامي وحتي السياسي .... تنظير مفتوح ... ولا يغلق .... ويتسع بكافة جنباته لمجمل الاجتهادات والتباينات .... ولكافة الآراء والافكار ..... ولا يوجد (فيتو) علي احد .... فالتنظير متاح ومتسع ومفتوح .... ونحن لا زلنا بساحة واسعة تمتلي بالمنظرين ...الذين يحاولون ....كل ما باستطاعتهم ان يفسروا ويحللوا .... وان يأخذوننا لمربعات .... والي مواقف ... والي خانات... رسمت بعناية فائقة ...لكي نصبح من المرددين لمقولاتهم ... ولمجمل شعاراتهم .... في ظل ما يستهلكون من ساعات بث فضائي .... وبث اذاعي .... وعبر العديد من المقالات والتحليلات التي تنظر علينا .... وتحاول اقناعنا .... يتحدثون بما يعتقدون انه الاصوب والاصح... وبما يعتقدون انه الاحق بالالتزام.
ساحة واسعة للاجتهادات والتباينات .... في اطار من التنظيرات والمحاولات الفلسفية والفكرية .... بمحاولة اقناع من يخاطبون .... وكأنهم يمتلكون الحقيقة .... وقدرة الحديث .... لتصويب وتصحيح المسار .... وتجاوز كافة الاخطار والاخطاء والسلبيات .
اذا ما تحدثت في سياق ما يتحدث به الاخرين .... تكون بحالة تالف وامان ... واذا ما تحدثت خارج السياق وضعت نفسك في فوهة البركان .... وعلي اعتاب النار ..... فالمطلوب ان تتحدث كما يتحدث غيرك .... لا ان تجتهد خارج الصندوق .
التنظير الكلامي .... حتي الاجتماعي ... الاعلامي... الثقافي... والسياسي لا يخرج عن اطار المألوف كما يقال ويردد .... بطريقة واحدة ... وبمضمون واحد ... وان اختلفت الاساليب والمفردات والعبارات ... لأننا لا نستطيع الخروج عن اطار المرسوم بمعالم الطريق .... وبمحددات وملامح التنظير المسموح .... والمقبول .... التنظير الذي لا يحرج احد ولا يقدم حلولا .... ولا يساعد علي خيارات اخري .... تنظير الثبات علي الحال.... تنظير الرضي والقبول.... بما قسم لنا ... وبما كتب علينا .
الحديث عن التنظير المشاهد والمسموع وحتي المقروء ... حديث يطول ... ويحمل في طياته الكثير من الجوانب التي يصعب علينا فيها الحديث بإسهاب واطالة ... حفاظا والتزاما ... بما نحرص عليه .... وبما نخشي الكشف عنه ....وبما يبقي الصورة علي حالها وبريقها .
من السهل علي كل منا ان ينظر بطريقته ...وبمفرداته وبأسلوبه الخاص .... من السهل ان يمسك كل منا بقلمه ...او يحرك لسانه... للكتابة وللقول بما يريد ... وحيث يريد ... ووقتما يريد... هذا الاستسهال التنظيري.... يتولد بفعل حالة الفراغ .... وما يشعر به البعض من امكانية التأثير ... والتغيير في فكر الراي العام .... او احداث التغييرات بالمواقف .... استغلالا لحالة من الفراغ التي طال امدها في العمل المؤسساتي ... كما الفراغ في قدرة اتخاذ القرارات من قبل مستويات عديدة .... تشمل الجميع دون استثناء .
نعيش حالة من التمهل ... كما نعيش حالة من الاستسهال .... كما حالة من الفراغ .... في ظل التنظير السائد والمتسارع ببياناته وخطاباته وتصريحاته ....ولقاءاته المتلفزة... وحتي مقالاته المكتوبة.
الفرق شاسع ....ما بين القرار التنظيمي الملزم والواضح والمثبت داخل الاطر الرسمية .... وما بين التنظيرات والتصريحات التي تأخذ دورها ومكانتها ....من اجل الكسب الجماهيري كما يعتقد البعض ....بمحاولة التبسيط ودغدغة العواطف .... وكأننا بسلة واحدة .... وناكل من صحن واحد .... وهذا بعكس الحقيقة ... وحتي لا يفوتنا التاريخ والتجربة .... واستخلاصاها ... فما كان يقال قبل عقود... لم يعد يصدق ويسمع اليوم ... وما كان يقال قبل عقدين او اقل من الزمن لم يعد له جمهور اليوم .... وحتي لا نبعد بخيالنا .... ونتجاوز تاريخنا واستخلاصاته.... فربما ما يقال اليوم .... قد تجاوز الواقع .... واصبح من الخيال .... في ظل ازماتنا القائمة .... وما استجد علي حياتنا من فصول مأساوية.... ومشاهد درامية .... تقشعر لها الابدان.... ويلفظها كل صاحب عقل وضمير.
الناس لم تعد تريد ان تسمع ...او تشاهد ...او حتي ان تقرا .... لم يعد الناس يريدون المزيد من التنظيرات والتحليلات ... الخطابات والتصريحات ....لا النارية ....ولا حتي الباردة منها .
شعبنا المكلوم .... الصامد المرابط ... الذي عصف به الزمن والتاريخ ... بكافة تقلباته واحداثه .... يحتاج الي شيء واحد ووحيد .... يحتاج الي قرار وطني جماعي .... قرار قائم علي المصالح الوطنية العليا .... قرار يسقط كافة الاجندات الخاصة ...لتعلوا اجندة الوطن... قرارات تاخذ في اساسها مصالح المواطنين ...واحتياجاتهم وتوفير سبل حياتهم .....ومعالجة مشاكلهم .
نحتاج الي قرار الرزمة الواحدة ....بمفهوم الوطن والشعب والقضية وليس بمفهوم الفصيل او الحركة .
المصالحة ... لا زالت تتأرجح ... ما بين التنظير الكلامي الفاشل ...وما بين القرارات الضائعة والمغيبة بقاموس اصحابها .... وحتي يأتي القرار ... وانتظارا لساعة الفرج ... الذي يصوب من حالنا .... ومن قراراتنا وفكرنا .... ليس لنا الا ان نتمنى .... ان يتبقى لدينا ما يمكن ان نتحدث عنه.
بقلم/ وفيق زنداح