نفذ جهاز المخابرات الإسرائيلي "الموساد" مجزرة فردان في بيروت بتاريخ 10/4/1973م بحق؛ القائد الشهيد/ كمال عدوان، والقائد الشهيد/ كمال ناصر، والقائد الشهيد/ أبو يوسف النجار، كما استشهدت أيضاً الأخت البطلة الشهيدة/ رسمية أبو الخير "أم يوسف النجار" التي تصدت للوحدة الإسرائيلية الخاصة، وأطلقت النار على أفرادها من سلاح كان بحوزتها، وسقطت شهيدة مع الشهداء القادة الثلاثة، كما تم تفجير مقر الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين، وأشرف على هذه العملية أيهود بارك رئيس الوزراء الاسرائيلى الأسبق الذي تنكر أيهود باراك في ثياب امرأة شقراء، ومعه أمنون شاحاك وزير السياحة السابق، وسميت هذه المجزرة بعملية "ربيع فردان"، أو كما سماها جهاز مخابرات العدو الإسرائيلي بعملية "غضب الرب"، ويعتبرها الإسرائيليون أشهر عملية اغتيال نفذت في عهد غولدا مئير رئيسة وزراء العدو الإسرائيلى، التي توعدت في خطابها المشهور أمام الكنيست الإسرائيلي بالقصاص من قيادة فتح وقيادة منظمة التحرير انتقاماً لعملية ميونخ، وقد قتل في العملية رجلان من الشرطة اللبنانية، وحارس، وعجوز إيطالية تبلغ من العمر 70 عاماً.
وقد بدأ التنفيذ في الساعات الأولى في 10/4/1973م في قلب العاصمة اللبنانية أسفر عن اغتيال القادة الثلاثة وأخرون، حيث شارك في عملية الاغتيال وحدات عسكرية إسرائيلية من نخب الكوماندوز البحرية وقوات المظلات؛ وزعت على ثلاث مجموعات لتتوجه باتجاه مساكن القادة الثلاث في شارع فردان، إضافة إلى التوجه باتجاه بعض المؤسسات الفلسطينية، وتمت مهاجمة منازل القادة الثلاثة باطلاق نار كثيف عليهم بعد قتل حراساتم، وجاءت هذه المجزرة بعد تهديد رئيسة وزراء العدو الإسرائيلي غولدا مائير لقيادة فتح وقيادة منظمة التحرير على الإنتقام بعد قيام مجموعة أيلول الأسود في الخامس من أيلول بمهاجمة الفريق الرياضي الإسرائيلي المشارك في الألعاب الأولمبية في ميونخ- ألمانيا، في حينها كان الصراع وصل ذروته بين فتح الكيان الصهيوني من خلال العمليات النوعية التي كان يقودها في الداخل كمال عدوان وفي الخارج أبو يوسف النجار، فاتخذت قيادة العدو الإسرائيلي قراراً بتصفية القادة أبو يوسف النجال وكمال عدوان وأبو اياد وكمال ناصر لما يمثله الأخير من احراج لدولة الاحتلال، حيث كان يكشف حقيقة العدو الإسرائيلي في دول أوروبا.
الشهيد القائد كمال ناصر: ولد في مدينة غزة عام 1924م، ينتمي إلى إحدى العائلات المسيحية الفلسطينية العريقة في بلدة بير زيت، أحد رموز النضال والأدب في فلسطين، خريج الجامعة الأمريكية في بيروت، كان عضواً في حزب البعث العربي الاشتراكي، وانتخب عضواً في مجلس النواب الأردني، وتعرّض للاعتقال بعد الاحتلال عام 1967م، أبعده الاحتلال للخارج، وأصبح عضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومسؤول دائرة الإعلام والتوجيه القومي، والناطق الرسمي، ومشرفاً على مجلة فلسطين الثورة. كان يؤمن بالديموقراطية وبالحوار وصراع الأفكار، ويحترم المواقف والاتجاهات، ويعتبر أي قرار جماعي مهما كان خاطئاً هو أفضل من أي قرار فردي صحيح، وكان يؤمن إيماناً قاطعاً بأن القضية الفلسطينية هي محور التاريخ العربي المعاصر، كما كان يؤمن بضرورة استمرار الثورة، ويقدس الكفاح المسلح ويجلُ المقاتلين، لقد استشهد القائد كمال ناصر إثر الرصاصات التي أطلقها عليه إيهود باراك مباشرة في مجزة الفردان في 10/4/1973م، تاركاً مجموعة كبيرة من الأعمال الشعرية والكتابات النثرية الوطنية الرائعة.
الشهيد القائد كمال عدوان: عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، ولد في بربره عام 1935 ودرس في غزة والقاهرة. اشترك في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي لمدينة غزة عام 1956م، من أوائل المؤسسين لحركة فتح حيث شارك في المؤتمر التأسيسي، سافر إلى قطر، وتعرف هناك على الأخ محمود عباس والأخ عبدالله الدنان والأخ محمد يوسف النجار، ثم ترك عمله وتفرغ للعمل مسؤولاً للاعلام في حركة فتح، أول المؤسسين للتنظيم في السعودية، وأُختير عضواً في أول مجلس وطني فلسطيني عام 1964م، تسلم مكتب الإعلام في منظمة التحرير واستطاع أن يؤسس جهازاً اعلامياً متطوراً وشارك في تأسيس وكالة الأنباء الفسطينية "وفا"، انتُخب عضو اللجنة المركزية لحركة فتح في المؤتمر الثالث لحركة فتح يناير عام 1971 التي كلفته بالإشراف على القطاع الغربي إلى جانب مهمته الإعلامية، كان رجلاً حقيقياً صلباً في وقت ضعف فيه الرجال أمام سطوة السلطة والمال؛ كان يؤمن بأن بأن أقرب مسافة بين نقطتين هو الخط المستقيم، طالته يد الغدر الصهيونية واستشهد في منزله الكائن في شارع فردان ببيروت بتاريخ 10/4/1973م.
الشهيد القائد محمد يوسف النجار( أبو يوسف ): ولد في يبنا عام 1930، ودرس في القدس، ولجأ مع أهله إلى رفح بعد النكبة، عرف عن أيو يوسف النجار بمواقفه الوطنية الجريئة حيث قاد في شبابه إحدى المظاهرات عام 1954م مطالباً فيها بالتجنيد الإجباري للشباب الفسلطينين، من أوائل المؤسسين لحركة فتح، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ورئيس اللجنة السياسية لشؤون الفلسطينيين في لبنان، شغل المفوض المالي، وأسندت إليه القيادة العامة لقوات العاصفة، وقيادة عملية الانطلاقة في 1/1/1965م، تفرغ للعمل الثوري عام 1967، وتولى مسؤولية جهاز الإعلام وجهاز الأمن والدائرة السياسية، وشارك في الكثير من المؤتمرات العربية الدولية .وقد كان دائماً يؤكد على رفض القرار (242)، ويصر على القتال حتى النصر، كان يجمع بين الفكر العسكري المسلح وبين الفكر السياسي، وصاحب مواقف شجاعة وقوية، وكان يعمل بهدوء دون ضجيج، طالته يد الغدر الصهيونية هو زوجته الأخت رسمية أبو الخير في بيته في شارع فردان ببيروت في 10/4/1973م.
وهكذا فقد شهدت المدينة الثكلى، مدينة بيروت تشيع الجنازة الضخمة للشهداء القادة، حيث شارك أكثر من نصف مليون مشيع ازدحمت بهم الشوراع والساحات مودعين القادة الأبطال إلى مقبرة الشهداء، وقد أدّت عملية فردان إلى استقالة رئيس الوزراء اللبناني صائب سلام احتجاجاً على عجز الجيش اللبناني عن تحقيق الأمن وإيقاف فرقة الكوماندوز التي نزل أفرادها على أحد شواطئ بيروت، واستقلوا سيارات أعدها عملاء لـ (إسرائيل)، والتي تركوها بعد أن استخدموها في عدوانهم في أماكن متفرقة على الشاطئ اللبناني، وغادروا بالطريقة التي دخلوها. وتبقى هذه التضحيات جزءاً من رحلة العطاء من أجل فلسطين، وجزءاً أصيلاً في رحلة الكفاح والصمود والنضال الوطني من أجل تحرير فلسطين وتحرير الأسرى وعودة اللاجئين واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وأصبح لزاماً على الكل الوطني إظهار تلك الجوانب المضيئة من تاريخ الثورة الفلسطينية لما تشكله من دروس وعبر في رحلة صراع البقاء والوجود والهوية مع الكيان الصهيوني الغاصب، المجد والخلود لشهدائنا الأبرار، رحم الله شهداء الثورة وأسكنهم فسيح جناته.
بقلم/ عاطف محمد شعث
