سقطت المزاعم الإسرائيلية، بأن الجيش الإسرائيلي أكثر جيوش العالم طهارة، في أعقاب الهبة الشعبية الفلسطينية ضد الاحتلال، والانتفاضة التي عرفت بانتفاضة السكاكين، كما أن مقولة "إسرائيل ديمقراطية"، وأنها دولة القانون، فهي مزاعم تبخرت، وتكشفت، في أعقاب الإعدامات الميدانية، التي أدت لقتل أكثر من (300) فلسطيني، وقيام الجندي "اليؤور عزرياه" بإطلاق النار على رأس الشهيد الفلسطيني "عبد الفتاح الشريف"، الذي كان ملقى على الأرض جريحاً وقتله، فهذه العملية، وما سبقها من إعدامات، شاهدها العالم من خلال القنوات الفضائية، والتي فجرت نقاشاً واسعاً في إسرائيل وفي العالم، واعتبرت نهجاً إسرائيلياً ثابتاً في قتل الفلسطينيين كسياسة إسرائيلية ممنهجة، انتقدتها شرائح واسعة من الإسرائيليين، فيما بررتها شرائح إسرائيلية أخرى، فرئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، دعا جنوده للمزيد من قتل ومحاربة ما يسميه بالإرهاب الفلسطيني دون قيود ودافع عن الجندي القاتل، وهاتف عائلته مقدماً مساندته ودعمه لهم "هآرتس 3-4-2016"، كما تعهد ضابط إسرائيلي من قوات الاحتياط بتوفير شاليه لكل جندي يعدم فلسطينياً، هذا الضابط - واسمه "حغاي الياهو"- يملك سلسلة شاليهات شمال البلاد، كما أيد 67% من الإسرائيليين في الاستطلاع الذي نشرته جريدة "معاريف 7-4-2016"، قتل كل فلسطيني يحمل سكيناً، استجابة لدعوة الحاخام الأكبر "اسحاق يوسف" والغريب – ولا غرابة في النهج الإسرائيلي- أن "نتنياهو" قال في مؤتمره الصحفي، مستغلاً الإرهاب في أوروبا، أنه لا فرق بين الإرهاب في أوروبا، والإرهاب في إسرائيل، محاولاً الربط بينهما، وبين العمليات الإرهابية التي جرت في باريس وبروكسل وأنقرة واسطنبول وساحل العاج، وكاليفورنيا، مع ما يجري في تل-أبيب والقدس، فهو يساوي بين الإرهاب العالمي، والإرهاب الفلسطيني، مؤكداً أنهما منتج واحد، فهو يريد تعليم الغرب والتبجح بأن إسرائيل نجحت في القضاء على الإرهاب، ويريد تعليم الغرب بأساليبه الفاشلة، وكل غايته إظهار بأن إسرائيل جزء لا يتجزأ من التعرض للإرهاب العالمي، وأن الإرهاب الفلسطيني والعالمي صنوان ويريد تعليمهم سبل محاربته، "يديعوت احرونوت 24-3-2016"، وهذه مُغالطة كبيرة، فالاحتلال الإسرائيلي لم يبق طريقاً أمام الفلسطينيين سوى المقاومة، لكن الإرهاب الإسرائيلي، قتل الأبرياء كما يحدث في الضفة الغربية وغزة ولبنان، وينفذ في الطائرات الأميركية المتقدمة والتي يقودها إسرائيليون .. هذا هو الإرهاب بعينه.
الإرهاب الإسرائيلي، وإعدام الفلسطينيين ميدانياً، بدأ منذ عام 1948، فكانت الأوامر بإطلاق النار على الفلسطينيين، من بين اللاجئين الذين طردوا إلى لبنان، وأرادوا العودة إلى قراهم، وحسب جريدة "هآرتس 1-4-2016"، استهل رئيس الحكومة ووزير الجيش "دافيد بن غوريون"، جلسة حكومته عام 1951، في مناقشته قانون لإعدام الفلسطينيين بقوله:" أن العرب ليسوا بشراً، وأن كل شيء مسموح به تجاههم، مع أن الاعتقاد بأن الشرائع الإلهية اليهودية، تنص على قتل العرب، إلا أن ما تقوله السلطات الإسرائيلية ضد قتل العرب ليس جدياً والحقيقة أن الحكومة تبارك قتل العرب لتخفيض أعدادهم، والتخلص من أكبر عدد من الفلسطينيين، فكانت النظرية الإسرائيلية بالتخلص من أكبر عدد منهم، من خلال سياسة القتل والطرد والتهجير، لتطبيق الشعار اليهودي القائل، "شعب بلا أرض، لأرض بلا شعب".
إن ما قام به الجندي القاتل، ليست ظاهرة، وليست الوحيدة، بل هي استكمال لممارسات كثيرة من القتل، فالإدعاء بأن الجيش الإسرائيلي الأكثر أخلاقية وطهارة في العالم "كذبة كبيرة" تنفيها الوقائع على الأرض، ففي سنوات الخمسينات أعدم الجيش الإسرائيلي بقيادة الضابط "مئير هارتسيون" خمسة من المواطنين البدو، وفي حرب الليطاني في لبنان عام 1978، نفذ الجنرال "رفائيل ايتان"-الذي كان قائد منطقة- وفيما بعد رئيس أركان- جرائم قتل، وفي عام 1982 شارك في مجزرة صبرا وشاتيلا، وفي قضية الحافلة المعروفة "خط 300"، بين تل-أبيب وعسقلان، وتم إعدام فلسطينيين مقيدين، ونشرت صورة الجريمة في وسائل الإعلام، فالقتل بدم بارد يعتبر في إسرائيل عملاً بطولياً، فقاضي المحكمة العليا السابق "إسحاق زمير" –حسب "القناة الإسرائيلية السابعة 5-4-2016" – اعتبر أن حادثة الحافلة (300) كانت أخطر من الحوادث الأخرى، فقد قام رجال المخابرات – بأمر من رئيسهم "ابراهم شالوم"- بقتل الفلسطينيين، وزعموا أنهما قتلا خلال اقتحام الحافلة، وحاول جهاز المخابرات ممارسة الأكاذيب للتغطية على الجريمة، وجندي في حرس الحدود يدعى "بن دبري"، الذي أعدم الفتى "نديم نوارة"، قامت النيابة العامة بإغلاق ملف التحقيق ضده بمزاعم عدم كفاية الأدلة، بينما كتبت جريدة "هآرتس 31-3-2016"، وجود أشرطة تصوير عن إطلاق النار على الفتى بالرصاص الحي من بندقية "ام 16" من قبل الجندي ومن لا يتذكر المشهد التلفزيوني قبل عامين، بقيام جندي بإطلاق النار على معتقل فلسطيني، كانت يداه مكبلة، وعيناه مغطاة بوشاح وقتله، وقضية قديمة-جديدة نشرتها جريدة "هآرتس 1-4-2016"، شهادة على قتل الأسرى المصريين في حرب عام 1967، حين تلقى "تسفي كفتوري" الأوامر من ضابط الأمن بإنهاء المهمة، وقتل جنود مصريين كلهم مصابين بالظهر أصبحوا أكواماً من الجثث، ويقول:" أن قتل الأسرى والعاجزين كان دوماً، فهل الجيش والأخلاق ينفران الواحد من الآخر؟ ما الجديد؟ فالأحداث كثيرة لم تتكشف وبقيت طي الكتمان، وهم لا يستطيعون الإدعاء بعد اليوم بأن الجيش الإسرائيلي الأكثر أخلاقية بين جيوش العالم، حتى أن شرائح واسعة من داخل المجتمع الإسرائيلي ترفض هذه الادعاءات.
أعمال القتل والذبح سبقت إقامة إسرائيل، فقد نفذت منظماتها الإرهابية الكثيرة عمليات قتل وتصفية للمئات من القيادات الفلسطينية التي تتعارض مع احتلالها للأراضي الفلسطينية وتعمل من الخارج، وما أكثر الرموز الفلسطينية التي قامت إسرائيل بتصفيتها، لكنها الآن أصبحت أكثر دموية وبشاعة وإعدامات في الشوارع، وحرق عائلات داخل منازلها، وتتغذى من الفتاوى الدينية، والمزايدات بين السياسيين والأحزاب لاستثمارات انتخابية، فإن معظم الأصوات المؤيدة دافعت عن الجندي القاتل، هم من قادة اليمين المتطرف، والمتدينين، وغابت الأصوات اليسارية عن المسرح، فالأصوات والخطابات الدينية والتحريض على الفلسطينيين، شجعت على ممارسة القتل، في غياب محاسبة لسياسة القتل والإعدامات الميدانية، ومن أبرز الذين يرفعون لواء التطرف ودافعوا عن الجندي المجرم هم: الوزير "نفتالي بينت" والوزير "اوفير كونس" ورئيس حزب إسرائيل بيتنا "افيغدور ليبرمان"، إضافة إلى "نتنياهو" طبعاً، للتنافس من أجل حصد الأصوات الانتخابية.
وفي الوقت الذي تضرب إسرائيل المجتمع الدولي عرض الحائط، فإنها تخشى من تناقل القنوات الفضائية، ووسائل الإعلام العالمية لجرائمها، التي تحاول إخفاءها، لكن الأمر وصل هذه المرة إلى احتجاج (10) نواب من الحزب الديمقراطي في الكونغرس الأميركي على الممارسات الإسرائيلية، وقلق واشنطن لقيام إسرائيل بهدم أكثر من (400) منزل ومبنى منذ مطلع هذا العام، أي أكثر مما هدمته طيلة عام 2015، ومطالبة النواب العشرة، من وزير الخارجية "جون كيري" التحقيق في تنفيذ حكومة الاحتلال الإسرائيلي، عمليات خارج نطاق القانون، وأن هذه الممارسات الإسرائيلية ما زالت تنتهك القانون، فرسالة النواب الأميركان أثارت غضب الحكومة وأيضاً المعارضة الإسرائيلية على حد سواء، وجاء في نص الرسالة: أن كثرة التقارير المقلقة عن انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان في إسرائيل، سيكون لها علاقة بالمساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل، وجاء في الرسالة:"نحن الموقعين أدناه، نحث على تحديد ما إذا كانت هذه التقارير صادقة، والتحرك فوراً وإبلاغنا عن النتائج التي ستتوصل إليها، وكان تعليق "نتنياهو" على الرسالة، بأن أفراد الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن، ليسوا قتلة، إنهم يدافعون بأجسادهم عن مواطنين أبرياء، من إرهابيين متعطشين للدماء يجب قتلهم، في رده على رسالة النواب الأميركان، من جهة أخرى، فإن السيناتور الأميركي "باتريك ليهي"، طالب الإدارة الأميركية في رسالته التحقيق مع إسرائيل على انتهاكاتها الصارخة لحقوق الإنسان، حول تصفيات دون محاكمة من قبل الجيش الإسرائيلي، فرسالة هذا السيناتور هامة، لأنه صاحب القانون الذي ينص على أن المساعدات الأميركية تمنح إلى الدول إذ تم التأكد من أن جيشها وقواتها لا تنتهك حقوق الإنسان، حتى أن المرشح اليهودي الديمقراطي ساندرس قال أن إسرائيل قتلت (10) آلاف فلسطيني بريء في الاعتداء الأخير على غزة.
وأخيراً تعقيباً على طهارة السلاح للجيش الإسرائيلي فإن مقاومة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال، ومن أجل حقوقه المشروعة، وحتى لو كان الجيش الإسرائيلي أخلاقياً، وقادته ملائكة، فالحرب والاحتلال لا يجتمعان في مكان واحد، فـ "نتنياهو" ومجلس وزرائه، هم الذين أقروا القتل الميداني للفلسطينيين دون محاكمة، ويتحملون المسؤولية، وقلق معسكرين إسرائيليين أحدهما يؤيد الإعدام الميداني، والآخر يتحفظ لأنه لا يحقق نهاية للأزمة، فالسياسة الإسرائيلية التي لا تضع اعتبارات لجميع المحرمات، على أن لا يكشف عنها، فإن الباحث الميداني "عماد أبو شمسية"، من الخليل، والذي يعمل مع منظمة "بتسيلم لحقوق الإنسان"، يتعرض هو وعائلته، لتهديدات المستوطنين، لتوثيقه بالصورة، إطلاق الجندي من سلاحه النار لقتل الشهيد "عبد الفتاح الشريف"، ووقاحة أكثر لنائبة وزير الخارجية "تسيبي حوتوبلي"، أن إسرائيل يجب أن لا تعتذر عن قتلها للفلسطينيين، "يديعوت احرونوت 30-3-2016".
بقلم/ غازي السعدي