ربما المرة الاولى اكتب فيها هذه المقالة بآليه مختلفة عن المعتاد ، ففي العادة اكتب مقالاتي بطريقة الالقاء المباشر على من يقوم بالطباعة على جهاز الكمبيوتر . اما هذه المقالة التي ارتأيت ان اوثق فيها شيئا قليلا من المعلومات كتبتها بشكل مباشر ، فمنذ فترة وأنا متردد كيف أكتب في ذكرى أمير الشهداء ، كيف أكتب في قائد طليعة التغيير التي كانت يمكن أن تحدث انقلابا ً سياسيا ً واستراتيجيا ً في مسيرة منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح .
في ذكرى استشهاده سيكتب الكثيرون عن هذه الذكرى وسيحدث اخوة أبو جهاد بالكثير كما هو معروف ولكن لا أدري هل هي دواعي الجبن أو الخوف تجعلهم أن لا يفصحوا عن المهمة التي لم تنجز لأبو جهاد وعمل عليها ودفع حياته ثمنا لها ، سيكتب الاوفياء لأبو جهاد ما بين الحسرة على فقدانه وما بين الوفاء لهذا المعلم والأب الروحي وعشاق الكفاح المسلح والمؤمنين بفلسطين كل فلسطين هي للشعب الفلسطيني
قالوا عن الاسباب الرئيسية لاغتيال أبو جهاد
قالوا : عملية ديمونه وقالوا قيادته للانتفاضة
وعموما ً أعتبر كل تلك المسببات هي مسببات ثانوية فكان الهدف من التصفية هو تغيير ما تبقى في منظمة التحرير وفتح من وجه نضالي إلى الالتحاق بالبرنامجي الأمريكي التصفوي للقضية الفلسطينية بدايتها اتفاق غزة اريحها ونهايتها دولة قزمية كدولة فياض وبشرعية من لا ليس لهم شرعية وهم مشرعي اوسلو وقيادتها التي أتت كنتيجة لعملية غادرة لاغتيال قادة اشداء مثل أبو جهاد وأبو اياد وابو الهول في تسلسل زمني ممرحل يؤدي إلى نتيجة بروز تلك القيادة وخطها السياسي وقيادتها لمنظمة التحرير ولحركة فتح .
ربما كانت الانتفاضة هي مفجرة الثورة في الوقت المناسب لأبو جهاد وربما كانت هي الفتيل المعزز والمقوي لعملية التغيير التي قاد ارهاصاتها منذ الخروج من بيروت .
منذ ان حققت الانتفاضة انجازات نضالية وشعبية كانت مجموعات أبو جهاد مستهدفة داخل الوطن وخارجه بل كانت مجموعات ابو جهاد مستهدفة في عملية اغتيالات ملحوظة خارج الوطن ، فإثناء زخم الانتفاضة وما كان يمكن ان ينتج عن هذا الزخم من هزيمة محققة للعدو الصهيوني كانت هناك مجموعات وقيادات في هذه الحركة تخوفت على وجودها ونفوذها فبدأت في عمليات اختراقية يعززها المال السياسي لمجموعات أبو جهاد في الضفة الغربية وغزة واخذت اسماء مختلفة .
لا اريد هنا ان اذكر اسماء فمنهم من كان يتحكم في المال الحركي ومنهم من هو الآن في قيادة أوسلو .
ربما يعرف الكثيرون عن توجهات أبو جهاد وسلوكه ولكن لماذا لم يتحدث هؤلاء عن توجهات أو جهاد بعد عام 1983 واقتناعه التام بحتمية تغيير تلك القيادة التي كان كما توقع ابو جهاد انها ستصل إلى مشاريع وتوافقات ومبادرات مع العدو الصهيوني.
لقد مضى على استشهاد ابو جهاد 24 عام ومن الاجحاف ان لا تسجل المهمة التي لم تنجز لأبو جهاد في التغيير فهي رصيد هذا القائد امام التاريخ بأنه عمل على الكفاح المسلح ولم يفرط بل حاول التغيير ، بل كانت الاجهزة والاختراقات أقوى من كل ما اعده لعملية التغيير هذه ، لقد كان أبو جهاد ممتعظاً بل متخوفاً وقلقاً من تغلغل الجواسيس في الجيش بحكم قرار أبو عمار بالإفراج عنهم في بيروت والتحاقهم بالجيش برتب عسكرية واصطدمت قرارات ابو جهاد باعتقالهم مرة اخرى بقرارات القائد العام وعبد الرزاق المجايدة والتنظيم والإدارة ، كان ابو جهاد يعمل ليلا ً نهارا على تنظيم أطر وكوادر حركة فتح الشرفاء في داخل المؤسسة العسكرية وخارجها وكان منزعجا ً من قيادات الجيش وتشكيلاته ومهامه .
كان الصدام الأولي بين توجهات أبو جهاد والمؤسسة العسكرية وعلى رأسهم عارف خطاب الموالي لنهج الاستسلام وتذويب الروح المعنية للمقاتلين في اليمن وبعد الخروج من طرابلس لبنان ووصلت الامور من الحدة إلى المواجهة العسكرية ، ودخلت القرارات المتنفذة بتشتيت كوادر القطاع الغربي والشرفاء بقرار من القائد العام حماية لقائد الجيش وتشكيلاته على الارض ، لاحقت تلك القوى تنظيم حركة فتح في داخل القوات ضمن مواجهات وتحقيقات وقطع رواتب وعقوبات بحجة أن الجيش ليس فصائليا ً في حين أن كل فصائل المقاومة كانت تمارس دورها التنظيمي في داخل القوات .
لم تقتصر تحركات أبو جهاد وخاصة بعد عام 1986 وبعد نبذ الارهاب من ابو عمار في عام 1986 على الأوضاع الداخلية في داخل حركة فتح بل كانت نشاطات أبو جهاد ضمن نشاطات ابو جهاد على المستوى الخارجي مع قوى عربية مهمة ومع فصائل المقاومة ، اقتنع الجميع فيها بضرورة التغيير ، تغيير نهج تلك القيادة وما تمثله على طريق الانهيار للثورة الفلسطينية ولمبادئها واهدافها .
ربما لو لم تنفذ مهمة الاغتيال في منتصف ابريل 16 ابريل وتباطأت لأسابيع أو شهور لشهد الشعب الفلسطيني والأمة العربية الثورة داخل الثورة ،الثورة المحافظة على المبادئ والاهداف والمنطلقات وشرف الانتماء ، ربما كان توقيت الاغتيال لمنع هذا التفجير ومنع التغير المعد على مدار أكثر من سنة .
لو انجزت المهمة لما رأينا أوسلو ولما رأينا خارطة الطريق ولا رأينا ابطال أوسلو وقيادات مركزية فتح الانقلاب النهائي على الجذور .
انها مهمة دقيقة تم القضاء عليها في الوقت المناسب لتصبح حركة فتح حركة التطبيع والتنسيق الأمني ونكران للشهداء والمناضلين وأصبحت حركة فتح على ايديهم مجرد مجموعات من المتسولين على راتب الرباعية داخل الوطن .
فعلى ايدي هؤلاء التي قامت زعامتهم وقيادتهم على عملية اغتيال أبو جهاد ، تمت تصفية مؤسسات حركة فتح خارج الوطن وتم تشريد كوادر القطاع الغربي وكوادر العاصفة في عملية انتقامية لمهمة ناتجة عن المهمة التي لم تكتمل لأبطال القطاع الغربي وقائدهم أبو جهاد الوزير .
وفي النهاية مبروك لأبو ردينه بما منحه له عباس من عضوية للجنة المركزية لحركة المتسولين على الرباعية في يوم وفي ذكرى استشهاد أبو جهاد ليعلو صوت الانقلابيين وصوت الثورة المضادة .
سميح خلف