لعل من ابرز مظاهر القوة في مجتمعنا الفلسطيني هو ذلك النسيج الاجتماعي المتماسك والذي استمر وما زال مصدر فخر واعتزاز لشعبنا بما يجعلنا شعبا له قوامه وشخصيته العربية والإسلامية بين الشعوب العربية المحيطة بنا والتي تربطنا بها روابط وثيقة تاريخية ودينية وثقافية ، ومظهر هذا التماسك يكمن في عدم وجود الطوائف الدينية آو العرقية أو اللون ، أو اللغة ، جميعا شعب واحد ، ديننا الإسلام وإخواننا المسيحيين هم جزء أصيل من أبناء هذا الشعب لهم ما لهم وعليهم ما عليهم ، ولا يوجد لهذا المعيار أي حسابات في علاقاتنا ، لذلك وعلى مر التاريخ لم يسجل صراعا طائفيا أو دينيا أو عرقيا في فلسطين ، حتى أثناء أوج اشتعال الثورة الفلسطينية لم يكن لاختلاف وجهات النظر النابعة من اختلاف البرامج والعقائد السياسية عائقا أمام الهدف الواحد لذلك واجه شعبنا عدوه متحدا متلاحما تجمعه وحدة الهدف إلا وهو التحرير والعودة ، لأجل ذلك كانت قوافل الشهداء من كل الأطياف الفلسطينية تذهل من اجل فلسطين وشعب فلسطين، هذا التماسك كان الرافد الأول للتمسك بحقوق شعبنا المغتصبة ، وهدم التفريط في ثوابتنا الوطنية منذ اليوم الأول للنكبة ، وكان عاملا مهما من عوامل التي دفعت شعوبنا العربية أولا من احتضان شعبنا ودعمه ومساندته من اجل نيل حقوقه والحفاظ على حقه في تقرير مصيره .
هذا المظهر أصبح في اعتقادنا مهددا تهديدا ربما يمس كينونتنا الفلسطينية التي ظللنا متمسكين بها وما زلنا متشبثين بها ، ثمة شواهد هامة ذاتية في اغلبها تشير بشكل جلي إلى مدى الخطر الذي يحدق بهذا المظهر ألا وهو مظهر القوة لدى شعبنا المتمثل في نسيجه الاجتماعي وتماسكه أمام كل أنواع الرياح العاصفة التي هبت وستهب عليه ، ليبقي صامدا قويا عصيا على المتربصين من الأعداء والطامعين ، ولعل أول هذه المشاهد هو الانقسام الفلسطيني الذي قام بشق الوطن والشعب إلى شقين شق مع وشق ضد ، وهذا هو الطامة الكبرى التي لم تجد حتى الآن حلا يخرج الشعب الفلسطيني من مأزق يقترب من إتمام عامه التاسع رغم عشرات الجلسات والمؤتمرات واللقاءات والاتفاقات إلا أننا ما زلنا نراوح في مربعنا الأول .
المشهد الثاني هو الإصرار على سياسات أثبتت الأيام والسنين بأنها سياسات غير ذات جدوى ، فما معنى استمرار سياسة المفاوضات لأكثر من عشرين سنة بلا طائل ، مصطدمة بجدار المماطلة والتسويف الإسرائيلي ، في الوقت الذي تسير فيه إسرائيل بخطى سريعة من اجل السيطرة على كامل الأراضي الفلسطينية والتوسع الاستيطاني ببناء عشرات الآلاف من الوحدات السكنية الاستيطانية واستجلاب المهاجرين اليهود من كل بقاع العالم ،مع إمعان أعمال القتل والاعتقال بين صفوف أبناء شعبنا ، وتدمير المساكن والمزارع والمنشآت الاقتصادية .
تستمر سياسة المفاوضات على الرغم من أن شعبنا يمتلك الخيارات العديدة والإرادة الصلبة في مواجهة الصلف والغرور الإسرائيلي .
المشهد الثالث : تغييب المؤسسات السيادية للشعب الفلسطيني التي جاءت نتيجة تضحيات هذا الشعب على مر السنين ، وأول هذه المؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية ، التي أصبحت لا دور لها ، صحيح أن مجلسها المركزي يجتمع بين الفترة والأخرى ، ويتناول الموضوعات الحيوية والمصيرية لشعبنا ويتخذ فيها من القرارات ولكن هذه القرارات تبقى طي السجلات والأوراق بلا خطوات عملية أو آليات لتنفيذ هذه القرارات .
كذل مؤسسة المجلس التشريعي المعطلة منذ تسع سنوات أيضا ومع يعقبها من أزمة أو أزمات في التشريع والمراقبة والمحاسبة .
المشهد الرابع ، الخلافات الحزبية الحزبية ، كالخلاف الأخير ما بين الجبهة الشعبية وحركة فتح ، في أعقاب اتهام حركة فتح قيام أفراد تابعين للجبهة الشعبية بحرق صور الرئيس محمود عباس ، بعد أنباء بقطع مخصصات الجبهة من الصندوق القومي الفلسطيني .
المشهد الخامس ، هو قرار إنشاء المحكمة الدستورية الجدل الدائر من القوى الفلسطينية حوله ، وما صحبها من تخوفات التفرد في اتخاذ القرارات
المشهد السادس : الانتقادات التي وجهتها العديد من القوى الفلسطينية لعملية تأدية العزاء في احد القادة العسكريين الإسرائيليين ، وتصريحات الرئيس عل لأحد وسائل الإعلام الإسرائيلية حول الانتفاضة الحالية ..
وأخيرا قيام حركة حماس بعدم السماح للقوى الفلسطينية بالتجمع في الأماكن العامة طلبا في إنهاء الانقسام .
المشهد السابع : هو استمرار الحصار المفروض على قطاع غزة وما يلقي بظلاله من معاناة لشعبنا تجلت مظاهرها مؤخرا في تزايد عدد حالات الانتحار ، نتيجة المعاناة الاقتصادية من تفشي للبطالة التي أصبحت الأعلى معدلا في العالم وتفشي ظاهر الفقر .
هذه المشاهد وغيرها تجعل شعبنا يعيش فوق صفيح ساخن ،حيث تهدد علاقاتنا الداخلية وتعمل على انهيارها ، لذلك يجب العمل على سرعة تداركها قبل أن فلتأن الأمور ، وتعم الفوضى في مجتمعنا وهذا ما تصبو إليه إسرائيل لاستكمال مخططاتها وإطماعها
أكرم أبو عمرو
غزة – فلسطين
16/4/2016 .