الزمن الحالي يختلف عن الزمن الذي قاد فيه ابو جهاد الثورة الفلسطينية ,لكن ابو جهاد خلد نظرية يمكن الاستعانة بها في كافة مراحل النضال الفلسطيني حتى في زمن المقاومة الشعبية الحالية وانتفاضة القدس التي تفجرت اليوم لمقاومة الاستيطان والتهويد, انها نظرية الاستمرار في الهجوم , تلك النظرية التي عنوانها الثورة الفلسطينية واستخدام كل الادوات والاساليب لإشغال العدو, هذه النظرية لم يكن يعرفها قادة اسرائيل الا بعد أن وصلت اجهزة الموت الصهيونية الى ابو جهاد ونالت منه امام عائلته ,وبعدها نشرت رسالة ابو جهاد الى قادة الانتفاضة الفلسطينية في ابريل 1988, خليل الوزير ذلك الرجل الذي ارعب اسرائيل وجعل قادتها يتخذوا قرارهم باغتياله دون تردد حتى لو جاء بعده مائة ابو جهاد , لقد جن جنون قادة العدو عندما علموا بأن ابو جهاد هو من خطط لعملية ديمونا الشهيرة والتي كشفت ركاكة كل حلقات الامن الاسرائيلية وتفاهتها , تلك العملية التي كادت أن تفجر كل ما في ديمونا من اسطورة تتمثل بالمفاعل النووي الاسرائيلية حينها اعتبر قادة اسرائيل أن ابو جهاد اخطر رجل على اسرائيل لو بقي على قيد الحياة فإن ابو جهاد بالفعل سيصل هو وجنوده الى كل شبر في اسرائيل بل وكل موقع اسرائيل محصن وحتى اكثر المواقع التي لم تفكر يوما ما المؤسسة العسكرية الاسرائيلية أن الفدائيين الفلسطينيين يمكن أن يصلوها . لكن ابو جهاد بفلسفته الثورية واستراتيجيته المقاومة اوصل المقاتلين الفلسطينيين الى هناك في عملية اربكت كل قادة اسرائيل العسكرين .
هذه واحدة من العمليات التي كانت خلف خطوط العدو والتي اراد بها ابو جهاد أن يثبت لقادة اسرائيل ان كل تحصيناتهم ودفاعاتهم وطائراتهم وجيشهم يمكن أن تصبح لا شيء امام مقاتلي حركة فتح , ليس هذا هو الهدف الوحيد تبني نظرية الاستمرار في الهجوم على مواقع العدو و تحصيناته واستمراره في قيادة العمليات النضالية ,بل أن ابو جهاد كان صاحب هذه الاستراتيجية التي تعني ابقاء الجيش الاسرائيلي في حالة توتر دائم و خوف من وقوع عمليات عسكرية بين دقيقة واخري , فلا يمكن قبول وقف الهجوم بأي شكل من الاشكال او حتى تحت اي تفاهمات مؤقته او اي هدن تفضي بتوقف المقاومة الى حين اعادة بناء قواعدها من جديد , أن هذه الفلسفة مبنية على استنزاف الجيش الإسرائيلي في كل المواقع بالداخل المحتل بل وان تكثيف العمل المقاوم يعني ابقاء شعلة الثورة مشتعلة , ابو جهاد كان الرجل الثاني في صفوف الثورة الفلسطينية بعد ابو عمار رحمهما الله وكان الرجل المخطط والعقل العسكري الاول الذي كانت تحتار اسرائيل في دراسة سلوكه الثوري .
اسرائيل واجهت نظرية ابو جهاد الثورية بنظرية اخري لمجرم صهيوني عرفت بنظرية "الستار الحديدي " للصهيوني زئيف جلبوتنسكي " ولقد جاءت عملية اغتيال الشهيد ابو جهاد استكمالا لهذه النظرية وتنفيذا لنظرية اخري هي نظرية " كي الوعي الفلسطيني " الخاصة بموشيه يعلون وزير الجيش الاسرائيلي الان والذي نفذ الجرائم تلو الجرائم بحق ابناء الشعب الفلسطيني في الحرب والمختلفة وكان اخرها الحرب على غزة الصيف الماضي , والمعروف في علوم الثورة ان نظرية المحتل دائما تسقط وتبقي نظريات الثوار وـاخذ اشكالا اكثر عنفوانا ,وهذا بالفعل ما حدث في قضية اغتيال ابو جهاد ولعل اشهر ما جاء في هذه النظرية " لنستمر في الهجوم فقد وضعت الانتفاضة عدونا في المواجهة الأخيرة مع أزمته فإما التنازل وإما التشدد، وفي الخيارين معاً فناؤه ومقتله . فإذا تراجع نشد عليه وإذا تشدد نقاتله ونقاومه ,ونستمر في الهجوم حتى نحرق الأرض من تحت أقدامه حتى يتنازل ويخضع... ويرحل" و لعل نظرية ابو جهاد بنيت على ثمانية عشرة قاعدة ثورية اهمها الاستمرار في الهجوم حتى نعري عدونا ونسقط الورقة الأخيرة التي تستر عورته فيغدوا عاراً على اصدقائه، وعبئاً ثقيلا على حلفائه, ولنستمر في الهجوم لنخرج المستوطنين الصهاينة من حظائرهم , ولنستمر في الهجوم حتى تنتصر انتفاضتنا ونفشل أي التفاف على اهدافها , ولنستمر في الهجوم لان تصعيد الانتفاضة يزهق روح الباطل , ولنستمر في الهجوم حتى تدخل قضيتنا كل بيت عربي , ولنستمر في الهجوم حتى نحول كل تعاطف كسبناه حتى الآن في اوساط الرأي العام العالمي إلى مواقف عملية ضاغطة على الحكومات والبرلمانات والأحزاب الحاكمة, ولنستمر في الهجوم حتى نجبر الإدارة الأمريكية على الكف عن المراوغة والتسويف والمماطلة، والرضوخ لمطالبنا علنيا، والاعتراف بحقوقنا عمليا، ولننقل المعركة إلى قلب عدونا. ولنستمر في الهجوم حتى نشل فعالية ودور اللوبي اليهودي الصهيوني في أمريكا وأوروبا" و هذه كانت اهو القواعد التي تكونت منها نظرية الاستمرار في الهجوم .
بتنا اليوم بالفعل نطلب المزيد من الالتزام بهذه القواعد الذهبية التي لا تعلو عليها قواعد والتي ان تخلينا عنها في نضالنا الفلسطيني اضعنا مسيرة التحرر واصبحت مسيرتنا فقط مناورة الاحتلال وليس اشتباك حقيقي يؤدي في النهاية الى التحرير وينهى الاحتلال وادواته ,دون ذلك لن يتحقق أي تقدم من شأنه ان يسقط الاحتلال عمليا وقانونيا , ولا بد ان نأخذ بعين الاعتبار الاستمرار في الانتفاضة لمشاغلة المحتل والنيل من هدؤه في كل مرحلة وكل وقت وابقائه قلقا في فراشه الليلي ومعاشه النهاري وشل اقتصاده وحصار مستوطناته , اليوم و الشعب الفلسطيني يقود انتفاضة ثالثة فهو بحاجة ماسة الى كل قواعد تلك النظرية الثورية , ولعل معركتنا الحالية التي نواجه فيها الانغلاق السياسي الذي تخططه اسرائيل عبر التنكر لمشروع حل الدولتين ونواجه سياسة التهويد والاستيطان الذي يتسارع في القدس ومستوطنات الضفة الغربية لإعاقة تنفيذ أي مشاريع لحل الصراع تقام على اساسها الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف , لعل هذه المعركة تتطلب من الجميع العمل حسب قواعد نظرية هذا الرجل وليبقي الهجوم مستمراً .
د. هاني العقاد
[email protected]