حتى لا نبحث بين الركام

بقلم: عدنان الصباح

بعد هزيمة عام 1967م وظهور الأنظمة العربية بمجملها كنموذج للفشل والتراجع والضعف جاءت منظمة التحرير الفلسطينية وفي المقدمة منها فتح لتشكل الرافعة التي أعادت للأمة العربية وليس للشعب الفلسطيني فقط القدرة على الوقوف مرة أخرى والتماسك مرة أخرى والاستعداد لرفع رايات التحرير والحرية مرة أخرى واستعادت مصر آنذاك قدرتها على الانخراط من جديد في صياغة غد جديد وشكلت حرب الاستنزاف على طول الجبهة المصرية وعمليات المقاومة الفلسطينية التي شكلت فتح والجبهة الشعبية قطبيها الرئيسيين وحتى بعد أن انضمت عديد الفصائل للمنظمة والثورة ظلت فتح والجبهة الشعبية توأمان وان أخذت العلاقة بينهما شكل الصراع الوطني أحيانا إلا أن التوافق بين فتح والشعبية شكل دائما أساس التوافق الوطني الداخلي واعتبره الشعب دائما دليل عافية وطنية ومصلحة فلسطينية عليا لا يجوز المساس بها.

في الماضي القريب كان الضعفاء والفقراء يستجيرون بفتح والشعبية والديمقراطية وحماس والجهاد حين تضيق عليهم جنبات الدنيا وكانت هذه الفصائل تجير من يستجير بها ولم يكن احد يجرؤ على التطاول على حدودها أو حتى حدود من استجار بها, النساء المقهورات من أزواجهن والأطفال الغاضبين من آبائهم والعمال المستغلين من أصحاب العمل وعائلات الأسرى والجرحى والشهداء, الجائعين والبردانين والمنفيين جميعا كانوا لا يجدون ملاذا لهم إلا خيمة الثورة التي كانت لا تضيق على احد ولا تعرف كيف تغلق العشيرة الكبيرة الموحدة لأعمدة البيت الواحد أبوابها أمام من يقصدونها فلم يكن هناك باب يمكنه أن يغلق حماها الأكبر من كل الأبواب.

المظلوم من أسرته أو حزبه أو حتى بلده كان يلوذ بقوى الشعب وثورته, التي كانت تتسع للسوداني والليبي والتونسي, لليساري واليميني, للشيوعي والليبرالي, للمسلم والمسيحي, فلماذا أنزلت جدرانها وأعمدتها وأغلقت أبوابها وحددت مساحاتها ومنعت الجميع من إلقاء همومهم على كتفيها بل وراحت تقف في وجه هذه الأحلام وتمنع المستجير بها من برد الآخرين من الاقتراب من نارها, أين هي الثورة التي عرفناها في كل مرحلة حين كنا نحتاجها, أين هي فتح التي غنى أبناءها دائما بها وهم يطاولون السماء معلنين للجميع أنها الأم حارسة الوطن وناسه وحضن المستضعفين قادرة على استيعاب الجميع والدفاع عنهم.

أين هي الجبهة الشعبية بوابة ثوار الأرض إلى فلسطين وحارسة أحلام شعبنا وحاملة رايات العدل والحرية وضمانة الوطن من الانحراف, حزب الفقراء والثوريين والمدافعين أبدا عن الثوابت والقيم التي لا تموت وأين هي الديمقراطية حاملة لواء اليسار والذائدة عن الفعل الديمقراطي والتشارك بالقرار الوطني ولم تمت أدبياتها بعد التي قدمتها كضامن لرؤية التقدم والثورة وأين هي حماس رافعة لواء المقاومة التي لا تنحني والتي احتفظت بشعار الوطن كل الوطن وفلسطين كل فلسطين حين فتر الجميع واستكانوا وأين هي الجهاد التي قالت ولا زالت أن دربها هو المقاومة ولا شيء عداها وهي وان جاز التعبير تشبه إلى حد بعيد تلك الشعبية التي عرفناها في صبانا فكلاهما أي الجبهة الشعبية والجهاد رفعتا لواء الأمام بلا تراجع والصمود بلا انحناء.

أين هم جميعا اليوم فتح في واد والجبهة الشعبية في واد والأخطر أننا اليوم نجد صراعا جديدا تقف كل منهما على طرفيه مقابل الأخرى في صراع على الخبز وهو الصراع الذي كان على فتح أن تسابق الريح لتحضره للجبهة الشعبية وهي أي فتح تجد نفسها تقف في وجه رفاق اليوم ليس من اجل قضية وطنية كبرى بل دفاعا عن قرار اقل ما يقال فيه انه سلب رفاق اليوم خبز يومهم وان فتح لها دور منتظر واحد هو الدفاع عن هذا الحق بكل ما أوتيت من قوة لأنها بذلك ستدافع عن حقها هي قبل أي كان, فتح التي إن قبلت بما يجري وبدور المدافع عن أي قرار يتخذه الرئيس ستواصل التنازل عن مكانتها القائدة للشعب وقواه وقضاياه, فتح سيدة الوطن, فتح التي لا زالت تمر من هنا إلى أين يأخذها أصحابها واليوم ولا طريق لها إلا من هنا.

فتح اليوم توصد أبوابها في وجه أبناءها المعلمين وغيرهم وتصم آذانها عن نداءاتهم بل وتتطوع للوقوف إلى جانب من يقف في وجههم فلماذا يا فتح تغيبين حين يحتاجك الضعفاء وتقفين إلى جانب من يستقوي عليهم ثم تتهمين الغير إن حاول أن يسندهم وتستغربين إن عاقبوك غدا لماذا يا فتح إذن يا أجمل ما في أحلامنا أنت لماذا.

قوى الثورة التي كانت يوما ملاذ الشعب كل الشعب لم تعد لديها القدرة اليوم على ان تكون ملاذ ذاتها وباتت تتنازع وتقتتل لاتفه الاسباب ولم يجد المعلمين من يقف الى جانبهم وحين بحثوا عن فتح التي كانت لهم وجدوها تهديهم الى حماس وحين بحثوا عن حماس لعلها تنجدهم وجدوها تخشى على ذاتها في غزة فتصمت مواربة عنهم في الضفة واليوم الفصائل نفسها تغلق ابوابها في وجه بعض فلا احد سيدري الى اين سنصل بحكاية الضمان ولا احد سيدري اذا كانت صورة ابو مازن اهم من وحدة قوى الوطن او العكس ولا احد سيدري ما الذي علينا فعله تجاه القدس والمستوطنات والحواجز والتقسيم والتهميش والتدمير وبماذا ينشغل ثوار الامس اليوم ان لم تكن قضايا الشعب والوطن هي قضيتهم فماذا اذن يسجلون في صفحات نشاطهم اليومي.

فتح اليوم غائبة عن قضية صندوق الضمان الاجتماعي وغائبة صامتة عن موضوعة الوطن المقسم والثورة المقسمة والغد المقسم والخبز المحرم, فتح التي لا احد ينبغي له أن يسبقها في الدفاع عن وصايا الحكيم وأبو عمار وأبو علي مصطفى وأبو جهاد وأبو إياد واحمد ياسين والرنتيسي والشقاقي وعمر القاسم وقائمة العز هذه لا نهاية لها, فتح اليوم وكأن احد ما قد سلب منها عينيها فلم تعد تبصر دورها الذي ينبغي أن يبقى لها وتقبل أن تتساوق مع كل ما يجري دون أن تكون هي صانعة الحدث.

لفتح التي عرفنا مكانتها عبر عقود... فتح الرصاصة الأولى والأسير الأول والشهيد الذي لم يغادر بعد, فتح هذه نفسها عليها أن تستعيد ذاتها فالوطن اليوم وكل الشعب بحاجة لها عماد الخيمة الأوسط وعليها أن تدرك أن انهيار الأعمدة المحيطة يعني غيابها وهي صاحبة المصلحة الأولى قبل غيرها بحماية كل الثورة وكل فصائلها وان هي سمحت بغياب أي من أعمدة البيت تكون كمن يسعى لتحطيم ذاته قبل الآخرين فعليها قبل غيرها حماية كل أعمدة البيت كل البيت إن كانت تعتقد كما نعتقد أنها العماد الأساس, عماد الدار ولا دار ستبقى إن انهارت أعمدتها الواحد تلو الآخر

اليوم نحن لا نحتاج أصلا لصراعاتنا السابقة وانقساماتنا السابقة لنأت بصراع جديد وانقسام جديد فالمطلوب وطنيا استعادة وحدة قوى الثورة جميعها بخيمة الوطن ووحدته قبل أية مسميات أو مكونات فالوطن هو المكون الوحيد وفلسطين هي ضمانة غدنا لها نسعى وعلى ترابها نحيا معا موحدين وان اختلفنا بالرؤى لكن الطريق واحد والوطن واحد وانقسام الوطن ومكوناته هو السير بعكس دربه وتركه نهبا للأعداء وأهدافهم فتوحدوا فوق التراب قبل الخبز وتوحدوا خلف الدم الذي لازال يورق انهرا وإلا فان بوابة الخروج إن انفتحت فإنها ستتسع يوما فيوم لتطال الجميع, ولن نجد عندها مكانا لنبحث به عن سلم الوطن والشعب للحرية والتحرير إلا مخازن الركام وتحت غبار الزمن, كل معاركنا اليوم في بيتنا والاحتلال يقضمه رويدا رويدا ويقضم لحمنا قبله فيا أيها الثوار استعيدوا ثورتكم وخوضوا حربكم للبيت لا في البيت.

بقلم/ عدنان الصباح