على الرغم من الكثير الذي قيل في شأن المحكمة الدستورية والمرسوم الرئاسي القاضي حديثاً بتشكيلها، إلا أن ما سيقال في هذا الشأن، في قادم الأيام، لهو أكثر وأكثر، بل وأخطر.
فوسط ما يثار هذه الأيام - وهو كما أسلفنا كثير – حول المحكمة الدستورية التي أصبحت ، في أعقاب إصدار الرئيس عباس مرسومه الرئاسي القاضي بتشكيلها، حديث الإفطار والغداء والعشاء،
وبعد أن تواصل النقاش على المستويات القانونية والقضائية والفقهية والدستورية والسياسية... إلخ حتى بات يومنا الفلسطيني كله حلقة نقاش كبيرة خلت تماماً - مع أبلغ الأسف وأشده - من الأكاديميين القانونيين الذين تقوم على أكتافهم وعقولهم وأبحاثهم أول كلية حقوق في قطاع غزة، والتي اختير أكاديميان منها ليكونا عضوين في هذه المحكمة الدستورية،
فقد رأينا – مع أبلغ الأسف وأشده أيضاً -عند أساتذة القانون من الطاقم التدريسي لكلية الحقوق في جامعة الأزهر بغزة، غرابة كبرى على المستوى السلبي في ردود أفعالهم، وكأن أحداً منهم لا يملك شيئاً يقوله في شأن هذه المحكمة الدستورية التي ما انفك الجميع يتحدث عنها... وكأن أحداً ليس لديه ما يقدمه أو يناقش فيه أو يشرحه أو ينتقده معلقاً عليه حيالل هذه المحكمة من حيث صوابية تشكيلها أوانعدامه، سواء على المستوى القانوني الفقهي الدستوري، أو على مستوى الاقتدار والكفاية لتحقيق العدل وبسط العدالة.
وعليه، أليس من الغرابة السلبية النادرة ألا ينشغل في شأن هذه المحكمة الدستورية – كتابة وشرحاً وتعليقاً - كل أساتذة القانون في كلية الحقوق الأولى في قطاع غزة، فكيف يكون، إذن، مستوى هذه الغرابة السلبية الطافحة إن كانوا جميعهم – ودون استثناء أي أحد منهم – ليسوا منشغلين على الإطلاق، وكأن الأمر بعيد عنهم ولا يعني أياً منهم، سوى أن اثنين منهم قد عبر كل منهما، على مواقع التواصل الاجتماعي، عن تهنئته لزميلين أصبحا – في غياب الحق والعدل وتغييب أسس العدالة - عضوين في هذه المحكمة التي ينبغي لنا جميعاً ألا ننسى أو نتناسى، أو نجهل أو نتجاهل، أنها شأن وطني يستأهل الموضوعية القانونية التي تلتزم بالقانون وتبتعد عن التحيزوالعاطفة والانفعال والتأثير والتأثر!!!
وبعد، فكم أعجب وأستغرب من ذلك الصديق الأكاديمي الحقوقي ضمن الطاقم التدريسي لكلية الحقوق في جامعة الأزهر لاستمراره في الدق على معزوفة مفادها أن أحد زملائه قد اعتدى على بحث علمي لغيره، فيما أراه اليوم ساكناً صامتاً صمت القبور –وكأن على رأسه الطير أو كأنه قد ألقم حجراً – عن اعتداء آخرين من زملائه القانونيين على كتب غيرهم، حتى أن ذلك الاعتداء هو من نوع السرقة العلمية التي توصف بأنها
"سرقة الحافر على الحافر"، ذلك أنها سرقة شملت - دون أدنى شفقة أو رحمة – كل شيء حتى أنه لم يسلم منها ولو فاصلة أو نقطة أو صفحة أو هامش، من الكتب المسطو عليها، أو حاشية.
أما آخر الكلام، أفلا يعيب كلية الحقوق في جامعة الأزهر ( وهي أول كلية حقوق أنشئت في قطاع غزة ) أن تظل حبيسة ذاتها، وأن يظل أساتذة القانون فيها حبيسي أسوارها، فلا ينبس أحد منهم فيها - من عميدها إلى كل أكاديميها من أساتذة وأساتذة مشاركينن وأساتذة مساعدين ومحاضرين ومعيدين – ببنت شفة حول هذه المحكمة الدستورية والمرسوم الرئاسي الذي قضى بتشكيلها والمطرز بأعضاء من بينهم من يعرفونهم ويعرفون عنهم ما يعيبهم ويعيب أكاديميتهم كما يعيب – حد المنع والتحريم والتجريم – وجودهم في هذه المحكمة الدستورية قضاة ليحكموا بالعدل الذي كان ينبغي لهم أن يَعْلموه وإن كانوا لطلبتهم قد علَّموه دون أن يتعلموه؟!
بقلم الدكتور/ أيوب عثمان
كاتب وأكاديمي فلسطيني
جامعة الأزهر بغزة