يستمر الحصار الظالم على قطاع غزة منذ عشرة أعوام , مما تسبب بمعاناة شديدة لسكان قطاع غزة , وتزامن الحصار الجائر مع ثلاثة حروب مدمرة شنها جيش الإحتلال , إنعكس بشكل تدميري على نواحي الحياة المعيشية والمدنية على أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة , وللأسف أنبرى كثيرا من السياسيين في فريق السلطة لتبرير الحصار في إطار إنغماسهم في أتون التنافس الحزبي والصراع السياسي , وكأن جوع الأطفال وآلام المرضى وأمال الطلبة , أسلحة تستخدم في التناحر الناجم عن الإنقسام البغيض , وخسرت السلطة وتيارها فرصة كبيرة للفوز برضى جمهور قطاع غزة العريض , لو تعاملت مع الحصار إنطلاقاً من الإعتبارات الوطنية والإنسانية , فلا يعقل أن توظف معاناة الناس لصالح طرف في حربه ضد الطرف الأخر على الساحة الفلسطينية , بعيداً عن الإحتكام للأدوات الديمقراطية والتي أجهضناها بأيدينا إرضاءً للأغراب , وخسرنا التجربة الديمقراطية الحقيقية التي كانت بمثابة بشارة لإنطلاقة واعدة في الحياة الفلسطينية , وإرتضينا السير خلف الأحقاد الحزبية والتحريض الخارجي , وجعلنا المال المسيس المتحكم في قراراتنا المصيرية , لينعكس ذلك سلباً على صورة القضية الفلسطينية التي كانت تشع شمسها واضحة جلياً , لتكشف للعالم عن مشهد الظلم الواقع على شعبنا ووطننا فلسطين .
ولعل من المهم الإشارة الى أن السلطة بقيادتها وحزبها , قد فشلت فشلاً ذريعاً في الإنحياز لمعاناة الناس وتبني مشاكلهم والتخفيف عنهم أوجاع الحصار ,بل شاهد الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة كيف أن قادة تلك السلطة وأقطابها المؤثرين يسعون إلى تشديد الحصار وإستمرار المعاناة لأكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة , رغم أن حل جميع المشاكل التي يعانيها قطاع غزة في يد رئاسة السلطة , الا أن الخصومة السياسية مع حركة حماس تحولت إلى خصومة مع أهالي قطاع غزة بالكامل , وهذا يوضح التجاهل الخطير لكافة القضايا المطلبية لقطاع غزة , والتي تعتبر ضرورة للمجتمع الغزي الذي يحتاج إلى مقومات الصمود والتنمية للعيش بكرامة .
بعد عشرة أعوام من الحصار , ينتظر أهل غزة أي بارقة أمل تلوح في الأفق لكسر الحصار القاتل , بعد أن فشلت حكومة التوافق الفلسطينية , والتي جاءت بعد إتفاق الشاطئ الشهير في رفع الحصار وإزالة أثاره المدمرة , وكما أن مفاوضات التهدئة خلال الحرب الأخيرة في صيف 2014م , لم تعطي النتيجة المرجوة لإعتبارات وأسباب كثيرة في مقدمتها عدم منح المقاومة الفلسطينية أي إشارة لإنتصارها في معركة الإرادات مع الإحتلال , ومع ذلك سجل الشعب الفلسطيني في قطاع غزة صموداً أسطورياً , وشكل في مجموعة سنداً قوياً للمقاومة في كافة المراحل العصيبة التي عاشها قطاع غزة , وكأنه يسجل في ذلك رسالة من عمق الألم والمعاناة , أن الحصار سلاح فاشل وظالم ويتنافى مع المبادئ الإنسانية المعتبرة , ولعل رسالته الأقوى للقوى المشاركة في الحصار لن تستطيعوا إختراق جبهة غزة القوية , وإزاء هذا الأداء الشعبي الوطني فأن من الواجب إكرام هذا الشعب وحمايته والتخفيف عن كاهله أعباء الحياة الصعبة بكل الوسائل والسبل المتاحة .
يزداد الأمل لذا سكان قطاع غزة حول إقتراب رفع الحصار وإنهاء المعاناة وفتح المعابر نحو العالم الخارجي , بعد تداول معلومات في الصحافة حول مفاوضات تركيا مع " إسرائيل" والمطلب التركي الأساسي لإعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما متمثل برفع الحصار وإيجاد ممر بحري لقطاع غزة نحو الخارج , رغم أن الأمر لم يرتقي لمستوى الإتفاق المعلن , بل كان مجرد تسريبات من الصحافة التركية والإسرائيلية , الا أن ذلك كان كفيل بأن يثير حفيظة السلطة وقادتها , فسارعت بالتنديد بأي إتفاق تركي إسرائيلي يقضي برفع الحصار عن قطاع غزة , رغم عدم ممانعتهم مبدئياً لعودة العلاقات التركية الإسرائيلية , حيث أن الرئيس عباس دائما يردد بأن أي إتفاق تسوية بينه وبين الإحتلال , سيفتح أبواب التطبيع بين كيان الإحتلال والدولة العربية والإسلامية.
التصريحات الأخيرة الرافضة لمسألة رفع الحصار عن قطاع غزة وخاصة ما نقلته وكالة شهاب الإخبارية عن القيادي في حركة فتح أحمد عبد الرحمن , تسئ للحركة وسلطتها, ويوثق مشاركتها الفعلية في الحصار الواقع على أهل قطاع غزة , وحتى تبرأ ذمة حركة فتح أمام الجماهير من جريمة حصار غزة , عليها أن تعلن مباركتها لكل الجهود المبذولة لرفع الحصار ومن ضمنها الجهود التركية , وأن تعمل بكل جدية على تفعيل وتطبيق بنود المصالحة , وخاصة فيما يتعلق بإدراج قطاع غزة على جدول أعمال حكومة التوافق , والتوقف عن التذرع بالحجج الواهية لتعطيل عمل الحكومة في قطاع غزة , حيث أن تطبيق إتفاق المصالحة الحقيقي والجاد , كفيل بوضع ملف إدارة المعابر البرية والبحرية في قطاع غزة ضمن إختصاصات الحكومة القادمة , ومن يشكك في الجهود العربية والإسلامية التي تهدف لرفع الحصار عن غزة وأهدافها , عليه أن يبادر بالعودة على ميدان قطاع غزة عبر التوافق القائم على أساس الشراكة الحقيقة التي لا تلغي ولا تستثني , وإلى أن يتم ذلك فإن غزة وأهلها سيباركون أي خطوة ترفع الضيم والظلم الواقع عليهم , وبكل تأكيد سيساندون أي خطوة تكسر الحصار وتفتح لهم أي نافذة نحو العالم الخارجي , ومن يقف في خانة العداء لهذا المطلب الإنساني العادل ستلعنه الأرواح التواقة للحرية , وستسجل له الذاكرة الوطنية موقفه المعيب , فلا تحسبوا أن الشعب يملك ذاكرة السمكة !.
بقلم/ جبريل عوده