منذ أن كنا اطفالاً نلعب في شوارع المخيم وأزقته,وحينما كنا لا نعلم عن الفدائي شيئا إلا كوفيته, ونحن نسمع بأن لا حياة لأمة او مستقبل لشعب إلا بالشباب ,حيث هم صناع الحياة وأداة التغيير ,وقد كان هذا القول مقرونا بغياب الكثير من الشباب عن شوارع المخيمات وأزقتها داخل الوطن وخارجه ,ولم نكن نعلم في حينه سبب هذا الغياب , رغم ما كان يجري من تكالب لرجال الأمن والمخابرات عربا كانوا او يهودا على ذوي من غابوا سبا وشتما ,مع ما كان يصاحب ذلك التكالب من تهديد ووعيد , لأن عقولنا في ذلك الحين لم تتجاوز مرحلة تفكيرنا بحلم الاشتراك بلعبة نتزاحم كما كل الاطفال عليها كلعبة كومستير الطاسة او طاق طاق طاقية .
لقد اختزن في عقولنا كل ما كان يصدر عن اجهزة الامن والمخابرات العربية منها والصهيونية من تهديد ووعيد ,كما انطبع في عيوننا ما كنا نشهده من ترهيبهم لنا دون ان نفرق بينهما من شدة ما كانوا يرتكبون ,ودون ان نعلم لسنوات لماذا يفعل بعض العرب من دول الجوار كما تفعل اسرائيل من سياسة الاذلال والملاحقة ومحاولات تذويب الهوية ,الى ان تفتحت عيوننا كمن سبقونا وأدركنا ان ما تقوم به الانظمة العربية هي وظائف امنية تعهدت القيام بها حماية لمصالح الاستعمار,ولذا كان علينا ان نلتحق ايضا بمن اراد ان يصنع الحياة لشعبنا ولنكون كمن سبقونا أداة لتغيير واقعه والانتقال به من اللجوء الى التحرر وبناء الدولة ,فما عاد التزاحم امام مؤسسات التموين كما هو التزاحم في طوابير الالتحاق بمعسكرات الثورة والفدائيين , ولا خوف من عدو ,ولا خنوع لمن يحميه ,او خضوعا لمن اجلسهم الاستعمار على عروشهم ,حيث آمنا بان الثورة المسلحة هي الطريق الحتمي والوحيد لتحرير فلسطين فتحملنا الصعاب دون كلل او ملل , الى نجحت ثورتنا بتثبيت فلسطين سياسيا, لكن حلم تثبيتها جغرافيا لم يكتمل بعد ,لان تحقيق هذا الامل كان وما زال معقودا على من هم خلفنا من جيل الشباب بعد ان فشلنا نحن في ذلك , ولكن اين هم الآن؟.اين انتم ايها الشباب؟.
كم يعتصر القلب الما وانا انظر الى جيل الشباب اليوم ,وما هم فيه من حسرة وآهات ,ومن حيرة في زمن نحن اوصلناهم إليه وكنا سببا لما هم فيه ,ولكن اعود لأقول بأن عليهم وحدهم لا غيرهم التغيير ,لأنه ما من امة قامت او اندثرت إلا وكان الشباب سببا في ذلك ,فلما لا يكونوا كإبراهيم عليه السلام ,ولما لا يكونوا كياسر عرفات وصحبه ,او كهؤلاء الذين فعلوا شيئا لمجتمعاتهم في ظل عالم متغطرس لا يعرف ديمقراطية او عدل؟.
ايها الشباب نحن ندرك ما انتم فيه من بؤس وسوداوية, ولكن ما زالت امالنا معقودة عليكم لإكمال ما بداناه , فلا حدود الان تمنع الوصول الى قلب الاحتلال,ولا قوات عربية تقتل ثائرا من الخلف اثناء عودته الى قواعده من عملية تكللت بالنجاح,ولا وجود لأنظمة تتحكم بكم وتتآمر عليكم لإخراجكم من حيث انتم الى حدود ابعد من حدود فلسطين , بل ان كل ما هو مطلوب منكم هو البناء ,ومطلوب ايضا ان تصنعوا الوئام, فالدولة التي عجزنا عن اعلانها رغم ارساء معالمهما مطلوبة منكم انتم لا غيركم, فمعذرة منكم لأننا لم نعد كما كنا حتى نصلح فساد ما تركناه لكم ,وما عاد بأيدينا ان نبعدكم عما اوصلناكم اليه من تيه وضياع وانقسام.
نعم ايها الشباب فانتم اساس بناء المجتمع وتنميته سياسيا، ثقافيا، اجتماعيا واقتصاديا ,ووحدكم لا غيركم واجب انتزاع قرار توظيف امكانياتكمم وطاقاتكم وإشراككم في عملية صنع القرار, وعدم السماح بتهميش طاقاتاتهم من ميليشيا هنا او حكومة هناك ,وهنا اسمحوا لي ان اسالكم,ولكن قبل ذلك عليكم ان تنظروا الى أنفسكم ,والى من هم حولكم ايضا من جيل الشباب فماذا حققتم؟ , الى اين انتم ذاهبون؟, ولماذا لا يكون بينكم كإبراهيم عليه السلام ,او لم يكن شابا يافعا حينما واجه قومه لأنهم كانوا يعبدون الاصنام ولم يبقي لهم صنما ليعبدوه؟.
ولماذا لا يكون بينكم ايضا كياسر عرفات الذي صنع من المعجزات حقائق, فقد ان لكم ان تعملوا الان على تغيير واقعكم فلا يجب ان يدوم الاحتلال ,كما لا يجب ن يطول الانقسام ,ولا تجعلوا من البطالة سببا للتيه والضياع فيكفي ما فعلته تلك البطالة ودلك الانقسام فيكم حتى الان من جرائم وعنف ونقمة على المجتمع ؛ وانقطاع الولاء للوطن ,ويكفيكم ما اصابكم ايضا من اعتلال في الصحة ومن انعدام الامن والفلتان الأمني , ويكفيكم ايضا ما نتج عن محاولات هجرة الشباب من تيه في الصحارى, وغرق في المحيطات , ومن فقدان الولاء للوطن وغياب الانتماء اليه ممن نجح في اختراق تلك المسافات والحدود والبحار ؛فانتم وحدكم لا غيركم المورد الاقتصادي الأول للدولة التي حلمنا بها، فلا دولة في ظل بطالة وانقسام لان البطالة هي من تضعف قيمة الشباب وتعمل على نزع طاقاتهم وان الانقسام هو من يعمل على إفشال عمليات التحرر والبناء والتنمية ايضا. .
ايها الشباب..عليكم ان تحددوا الان وليس غدا , ماذا تريدون ,وكيف تفعلون, ومعرفة من هو الذي يعمل على افشالكم, ومن هم الذين يحاولون احباط عزائمكم, فلا عمل او معبر ولا حتى كرامة او اقتصاد يريدون لكم ,ولا حتى دولة, في الوقت الذي يجب ان تعلموا فيه ايضا من يعمل لكم ,ومن يحاول ان يكمل ما بدأت به الاجيال من عمليات التحرير والبناء وخلق فرص عمل والقضاء على البطالة، ومن هم هؤلاء الذين يحاولون دعم المشاريع الشبابية الفردية والجماعية من اجل رفع القدرات الشبابية الاجتماعية والاقتصادية، وتقديم المساندة والإرشاد اللازم لكم. .
ان الاوان ان تعلموا ايها الشباب انه لا بناء لدولة او مستقبل للتنمية والإصلاح في حال استمر تهميش دوركم في صنع القرار ,وان الاوان ايضا ان تدركوا ان الوظيفة ليست مصدرا للرزق فحسب, بل هي ايضا مصدرا للكرامة واحتراما للذات ,وأنكم انتم وحدكم سواعد البناء اليوم وقادة الدولة في الغد ,فلا يقتصرن دوركم على الانضمام الى صفوف البـاحثين عـن العمل في كل عام، بل عليكم الان بالمؤتمرات واللجان وجلسات الحوار لتنمية المعارف والمهارات واكتساب الخبرات والتجارب وتفعيل السياسة الوطنية وتطويرها على مستوى قياداتها والعاملين فيها، مع ضرورة العمل على وصولكم إلى الهيئات التشريعية وأماكن صنع القرار.
ايها الشباب ..ندرك انكم اتيتم الى الدنيا تماما كما نحن في ظل فقر وجوع قد عم البلاد, وكل مكان تشرد اليه شعبنا ولم يتبدل شيء ,وما زلنا نسمع وإياكم صراخ وعويل امهات الشهداء وأصوات الصواريخ وقصف الطائرات ,وندرك ايضا بأنه ما من شىىء صنعاه لكم غير الامل بالبناء ,وان كنا لا ننسى اننا حملناكم عبئا اخر ,ومعاناة أخرى لا يمكن ان تغفروها لنا وهي بكاء امهات من فقدوا اطرافهم في انقسام بغيض ,وحقد اخ على اخيه , وابن على ابيه كما تركنا لكم عبئ الركوع والسجود للأحزاب والميليشيات, في الوقت الذي لم نكن نركع فيه إلا لله ,لا للملوك والطواغيت وأمراء الحروب رغم قوة بأسهم, ولكن ما يجعلني من المتفائلين بكم انكم حتما قرأتم كيف كان سيدنا ابراهيم وأدركتم ماذا فعل
ايضا من قاد الثورة وأطلق الرصاصة الاولى في الفاتح من يناير عام 1965, فظروف انطلاقة الثورة كانت اسوا بكثير مما انتم فيه الان ,لكنهم عقدوا العزم ففعلوا وحققوا, فلما الصمت اذا على ما انتم فيه؟. .
ما الذي حدث ايها الشباب وما الذي جرى!؟؟, وما هذا الهوان والضعف والاستكانة التي انتم فيها؟ ,فما هكذا كنا بأعماركم, فلماذا هذا الذل والفقر والجوع الذي انتم فيه؟..انهضوا فقد ان اوانكم , وقبل ان يفوتكم قطار الحياة ,فماذا انتم فاعلون؟ ..هيا شدوا سراويلكم واربطوا عليها احزمتكم وغطوا رؤوسكم بكوفية و واركنوا جانيا ايفوناتكم وكل ما تمتلكون من وسائل تكنولوجية, وعليكم ان تعلموا ان لا دولة دونكم, ولا وئام او وحدة دون سواعدكم, ولا تنمية دون جهودكم فالقيادة لكم ونحن جنودكم, فكونوا الان كما هو مطلوب منكم ان تكونوا ,وإلا فتبا لكم وللحياة التي ارتضيتموها لأنفسكم...تبا لكم وللحياة التي ارتضيتموها لأنفسكم.
بقلم/ ماجد هديب