الاستغوال أبشع مراحل الامبريالية (3)

بقلم: عدنان الصباح

لا يوجد في الحكاية الامريكية الا حكاية اللصوصية منذ بدايتها فالعالم يعرف جيدا من هم اولئك الذين وصلوا الى الشواطئ الامريكية وشكلوا طلائع لصوص الارض والقتلة ممن الغوا عن الارض امة بكاملها وقد يكون ضروريا دوما تذكير العالم بذلك كبوابة لأي حديث عن ما يجري اليوم على الارض من جريمة متواصلة يرتكبها احفاد اولئك اللصوص الطلائعيين ومؤسسي دولة النهب والسرقة الرسمية التي تتربع اليوم على عرش العالم كله بلا منازع
ومن يدقق في تاريخ الدولار الامريكي يقرأ تاريخا يشبه الى حد بعيد حكاية نصب عادية يمكن مشاهدتها فقط في أي فيلم هوليودي حاليا ففي الثامن من اب 1786م قرر الكونغرس الامريكي اصدار العملة الامريكية الدولار بفئاته المعدنية والورقية وفي العام 1788م انشأ الكونغرس نظام نقد وطني امريكي وجعل الدولار وحدة النقد الرئيسية فيه وفي العام 1900م بدأ نظام الكتلة الذهبية أي ربط الدولار بالذهب لتثبيت قيمته السوقية وفي العام 1913م نشأ الاحتياطي الفيدرالي من الذهب واستقرت قوة الدولار بما يملكه من احتياطي مساوي لقيمته من الذهب في خزينة الولايات المتحدة الامريكية.
خرجت سائر دول اوروبا من الحرب الاستعمارية الثانية وهي مدانة للخزانة الامريكية لسداد ثمن العتاد الحربي لها واستنفذت دول اوروبا كل احتياطي الذهب لديها وانتقل هذا الاحتياطي الى خزينة الولايات المتحدة الامريكية التي ظلت بمنأى عن اثار الحرب حتى نهاياتها حين استخدمت قنبلتها الذرية لتغيير مجرى الحرب التي كانت قد شارفت على الانتهاء اصلا حتى دون تدخلها, لكنها وجدت الفرصة المناسبة للظهور كقائد للحرب في اللحظة الاخيرة حين تدخلت والدول الاوروبية منهكة كليا من اثار الحرب المدمرة والتي انهكت اقتصاد هذه البلدان بينما ظل الاقتصاد الفيدرالي الامريكي وخزينته بتمام عافيته وتكدست كميات هائلة من الذهب لديها كفائض كبير فقدنه الدول الاوروبية والاسيوية التي انهكتها الحرب كليا.
بعد انتهاء الحرب الاستعمارية الثانية استطاعت الولايات المتحدة تنظيم اتفاقية برتون وودز والتي حددت سعر الدولار ب 35 دولار لكل اونصة ذهب وهذه الاتفاقية جعلت دول العالم تقارب قيمة عملاتها بالدولار الذي تحول الى اساس قياس وقاعدة ضمان واحتياطي مدعوم بقيمة ما تملكه خزينة الولايات المتحدة من احتياطي هائل من الذهب وهذه الاتفاقية جعلت الجميع يعتقدون ان الدولار بات اصولا افتراضية لعملات معظم دول العالم وهذا الوضع كلف معظم دول العالم وحتى يومنا الكثير لحرصها على اقتصاد الولايات المتحدة من باب حرصها على اقتصادها مما دفع الولايات المتحدة للامعان بالاستفادة من هذه الحالة الشاذة في مسيرة الاقتصاد الدولي والتي يصعب جديا التخلص منها عالميا.
الوعد الامريكي للعالم بتحويل كل 35 دولار الى اونصة ذهب الغاه فجأة صاحب فضيحة ووتر جيت وصاحب قرار الانسحاب من فيتنام بما اسماه العالم في العام 1971م بصدمة نيكسون الذي اعلن فجأة عن تحرر امريكا من التزامها تجاه العالم بالقيمة الذهبية لدولاراتها والتزامها بتحويلها حسب السعر المقرر وهو ما قاد الى هزة اقتصادية عالمية طالت العديد من البلدان وحررت امريكا من اخطر التزاماتها المالية تجاه الاقتصاد العالمي وجعلت الدولار سلعة جديدة في السوق يتحدد سعرها بناء على نظام السوق أي العرض والطلب دون تحميل الخزينة الامريكية اية مسئولية على الاطلاق وهو ما يشبه قرار رئاسي امريكي بالسطو العلني في وضح النهار على اقتصاديات الدول التي رهنت اقتصاد بلادها بكذبة امريكية تاريخية عبر الاتفاقية الخبيثة برتون وودز.
حضر اتفاقية (برتون وودز ) 44 دولة من مختلف دول العالم، وقد تواصل انعقاد المؤتمر المذكور حوالي 22 يومً، وقد جرى خلاله توقيع أهم الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي اعتبرت الاساس لتنظيم التجارة العالمية فيما بعد والى جانب ذلك فقد تم الاتفاق بين الدول المشاركة على تطبيق الشروط الخاصة بتنظيم التجارة العالمية. وقد كان اعتماد الدولار الأمريكي كمرجعٍية اولى ورئيسية لتحديد سعر سائر عملات الدول الأخرى اخطر واهم قرار تذالك المؤتمر وبذلك فقد اعتبرت هذه الاتفاقية هي اساس تشكيل نظام صرف العملات وبها تأسس صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للتطوير والتعمير مما ساهم في تثبيت هيمنة الدولار الامريكي على سائر التعاملات الاقتصادية في العالم.
بعد الحرب الاستعمارية الثانية كانت الولايات المتحدة تملك 75% من احتياطي الذهب العالمي وهو ما كان الاساس لدعم الدولار الامريكي وما اعطاه مكانته الدولية الثابتة الا ان حجم الاضرار التي لحقت بالولايات المتحدة جراء تواصل الحرب في فيتنام لأمد طويل 1956 – 1975 جعل الولايات المتحدة بحاجة ماسة لمزيد من النقد وهو ما لم يكن ممكنا مع تواصل الاحتفاظ بالتغطية الذهبية الثابتة للدولار فأقدمت حكومة نيكسون على مواصلة طباعة الدولارات بدون تغطية ذهبية مما شكل سطوا غير معلن على اقتصاديات الارض وثروات الدول الوطنية في سائر انحاء العالم.
تحول ذلك الى سطو معلن حينما طالبت فرنسا بتحويل مبلغ 191 مليون دولار لديها الى ذهب حسب القيمة الثابتة للدولار فعجزت الولايات المتحدة عن فعل ذلك مما دفع الرئيس الامريكي نيكسون آنذاك لإعلان ذلك السطو رسميا وتحرير الدولار من قيمته ضاربا بذلك اقتصاد العالم عبر سرقة علنية للذهب الذي كان من المفترض انه ملك البلدان التي اتخذت من الدولار احتياطا ضروريا لاقتصاد بلدانها.

 

بقلم
عدنان الصباح