"عميرة هس" يهودية بأهواء فلسطينية

بقلم: فايز أبو شمالة

دخلت قاعة المجلس الوطني الفلسطيني في غزة سنة 1996 وبصحبتي الصحفية الإسرائيلية "عميرة هس"، وحين عرفت الحضور عليها، غضب مني أحد المسئولين الكبار في جهاز المخابرات الفلسطينية، وخاطبني بلغة الاستهجان والاستغراب قائلا: بأي حق يدخل مجلسنا الوطني الفلسطيني يهود؟
قلت له: وهل نسيت أننا قد وقعنا على اتفاقية أوسلو التي اعترفت بإسرائيل؟ فما المانع من دخول اليهود قاعة المجلس الوطني، طالما نسعى إلى تحقيق السلام معهم؟ وأضفت: هذه صحفية تقف إلى جانب قضايا الشعب الفلسطيني، وهي متقدمة في تفكيرها السياسي، ولها رؤية بحل الصراع، أتمنى ان يرتقي إليها كثير من الساسة الفلسطينيين، وأضفت: حين دخلت إلى غزة يا حضرة العميد، مررت عن الحاجز الإسرائيلي، واستوقفك الضابط الإسرائيلي، وختم على جواز سفرك، ولا تنس أن هنالك لجان للتنسيق الأمني تلتقي مع ضباط المخابرات الإسرائيليين، فهل وقفت الوطنية الآن على دخول صحفية إسرائيلية قاعة المجلس الوطني؟
انتبهت الصحيفة الإسرائيلية لانفعالي في الحديث، وسألتني بالعبرية: ماذا يقولون؟ هل هم غاضبون من حضوري إلى المجلس الوطني؟
قلت لها: لا، إنهم يرحبون بك على طريقتهم، فنحن في عصر السلام، وأنت في ضيافة دولة فلسطين، وهؤلاء مؤيدون لاتفاقية أوسلو، ومقتنعون بمشروع السلام مع إسرائيل.
أخرجت الصحيفة الإسرائيلية من حقيبتها خريطة للضفة الغربية، ووضعتها على الطاولة، وقالت لي: لو سمحت، ترجم إلى العربية ما سأقوله بالعبرية، فماذا قالت اليهودية؟:
سعيدة بأن أكون وسط أعضاء المجلس الوطني، ومن واجبي أن أضع بين أيديكم بعض الحقائق المعززة بالوثائق، والتي قد تساعدكم في اتخاذ القرار، وأضافت: انظروا إلى هذه الخريطة، وراحت تشير بأصبعها على المستوطنات الإسرائيلية المتناثرة على أجزاء كبيرة من أرض الضفة الغربية، وقالت: انظروا، أين ستقام دولتكم الفلسطينية؟ ألا تلاحظون أن هذه المستوطنات قادرة على قطع التواصل بين مدن الضفة الغربية في أي لحظة؟ ألا تلاحظون أن الفلسطينيين يعيشون في معازل داخل مدنهم؟ أنا أؤكد لكم أنه لن يكون هنالك إمكانية لإقامة دولة فلسطينية طالما بقت هذه المستوطنات، فكيف وافقتم على اتفاقية سلام لا تضمن لكم رحيل المستوطنين؟ إن اتفاقية أوسلو التي تؤيدونها يا سادة، ستأخذكم إلى الاستسلام الكامل للاحتلال الإسرائيلي، الذي سيستثمر الزمن لصالح المزيد من التوسع الاستيطاني!.
لم يكلف بعض أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني نفسه بالنظر إلى الخريطة، ورد بعضهم بترفع: نحن نعرف أن هذه اتفاقية مؤقتة، ونحن الآن في مرحلة بناء مؤسسات الدولة، التي ستكون قائمة سنة 1999، وسنقتلع وقتها كل هذه المستوطنات، لا تقلقي.
ومنذ عام 1996 وحتى عام 2016، مرت عشرون سنة، تعزيز خلالها الاستيطان، وتضاءل الاحترام للرموز الوطنية، فكتبت الصحفية الإسرائيلية عميرة هس في هآرتس تقول:
إن التقدير الشعبي السائد بين الفلسطينيين هو أن الفساد بات يرتبط بصاحب أي منصب سياسي رفيع، وأصبح كل من لديه مكانة جماهيرية مشتبها به، وليس جديراً بالثقة، وبات من النادر أن تسمع حديثاً فلسطينياً إلا ويذكر فيها كلمة "الفساد".
وأضافت الصحفية: إن أكبر مؤشرات الفساد المنتشر في السلطة الفلسطينية تتعلق ببيع أراض فلسطينية لليهود على جانبي الخط الأخضر، وتجلى مؤشر الفساد الأكثر الذي تعيشه السلطة الفلسطينية مع قيام عدد من قادة فتح والسلطة الفلسطينية - وبعضهم مقربون من عباس - قبل أيام بتقديم التعزية بوفاة رئيس الإدارة المدنية الإسرائيلية في الضفة الغربية. والإدارة المدنية ليست كياناً إسرائيلياً محايداً، فهي الذراع العملي الإسرائيلي لسياسة مصادرة الأراضي الفلسطينية، وسرقة المياه وهدم المنازل وبناء المستوطنات، مما يطرح السؤال: هل المصالح الشخصية دفعت الزعماء الفلسطينيين للتعزية، مما أثار عليهم الرأي العام الفلسطيني؟
وأضافت: إن الزعماء الفلسطينيين يواصلون العمل في مهامهم القيادية ليس لكونهم منتخبين من قبل الفلسطينيين، بل بفضل الدعم الدولي مقابل استمرار المفاوضات مع إسرائيل.
وختمت بالقول، إن الواقع القائم يعني استمرار السيطرة الإسرائيلية، بما يحقق للزعماء الفلسطينيين رفاهية واستقراراً لهم ولعائلاتهم، ولذلك فلن يستطيعوا قلب الطاولة على إسرائيل، وفتح صفحة جديدة، لأن ذلك سيشوش على وضعهم الاقتصادي، وهذا هو عين الفساد.

د. فايز أبو شمالة