ربما لسنوات طويلة ونحن نكتب في هذا المكان وغيرة من الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي عن حالة قطاع غزة منذ الانقسام البغيض ، آملين بكل صدق أن تنتهي هذه الغمة عن قطاعنا وأهلنا لنواصل حياتنا طبيعية كباقي البشر ، ومع ذلك لم تتغير الأمور إلى ما يصبوا إليه شعبنا رغم عشرات اللقاءات والجلسات والاتفاقات بين الأقطاب المتصارعة وفي أكثر من مكان في عالمنا العربي ، ما زلنا نواجه نفس التصريحات ، نفس الشعارات دون أي تقدم إلى الأمام ، والغريب أننا نرى العديد من قيادات الطرفين وفي مناسبات عديدة يقفون جنبا إلى جنب وأحيانا متشابكي الأيدي مطالبين بإنهاء الانقسام وإتمام المصالحة ، هذا من جهة من جهة ثانية نسمع ونقراء العديد من تصريحات القيادات العليا من كلا الطرفين عن حرصهم وسعيهم إلى إنهاء هذا الانقسام وحرصهم على تحقيق الوحدة الوطنية والحفاظ على تماسك شعبنا لاستمرار نضاله من اجل استعادة الحقوق المغتصبة ، والحفاظ على الثوابت الفلسطينية إذا كان كذلك نطرح سؤالنا الصريح هو من من تطلبون إنهاء الانقسام ، ومن الذي ينهيه، هل تطلبون من الشعب إنهاء الانقسام ، وهل الشعب هو المنقسم على نفسه
من جهة أخرى برزت خلال الفترة الأخيرة حركات ومجموعات لا نشك في مسعاها ونواياها أعلنت عن أهدافها وهي السعي لإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية ، منها أولا مجموعة المستقلين الفلسطينيين ، وحركة الخامس عشر من آذار ، وأخير وطنيون من اجل إنهاء الانقسام ، ترى هل هذه الأجسام قادرة على التحرك الفاعل لإنهاء الانقسام حتى ولو جاء معها عشرات الأجسام والحركات .
ويستمر الانقسام وتزداد الأوضاع الحياتية لشعبنا سوءا ، وترديا من تردي خطير في الأوضاع الاقتصادية ، إلى زيادة وتيرة التردي للأوضاع الاجتماعية ، حيث لوحظ تعدد حالات الانتحار بين أوساط الشباب ، تعدد الجريمة وأصبحنا نرى ونسمع جرائم قتل لأتفه الأسباب ،انتشار الأمراض الاجتماعية ، تزايد الحصار على قطاع غزة، كنا في البداية نواجه حصارا إسرائيليا فقط ، اليوم يشترك أشقائنا في تضيق الخناق علينا حيث جاء إغلاق معبر رفح من الجانب المصري ، ووقف إصدار عدم الممانعة لأبناء قطاع غزة من الأردن ، ترى لماذا هل لأمر مخيف فينا ، هل لأمر شعبنا يهدد امن هذه البلاد الذي لا يكن لها شعبنا إلا كل محبة وتقدير ولا ننظر إليهم إلا كنظر الأشقاء ، أم أصبحنا كائنات خطيرة يحظر الاقتراب منها ، سؤال يبحث عن إجابة .
اعتقد انه آن الأوان أن نبحث في ذاتنا وفي أنفسنا ، لان أعدائنا نعرفهم جيدا وأصبح لشعبنا صغيرا وكبير خبرة طويلة في أساليبهم وعانينا كثيرا وما زلنا من ممارساتهم ، أما نحن فنبتعد عن أخطائنا وكأننا منزهين عن الخطا ، نعرف الأخطاء ، ونعرف الطريق إلى الحلول ، ولكن نهرب منها بعيدا أو على الأقل ندفن رؤوسنا في الرمال . ولا نستفيد من الدروس والتجارب من حولنا ، فكل ما حولنا متغير غير ثابت ، من حولنا ذهبت دول وحكوماتها ورؤسائها وهي في طريقها إلى التمزق ، من حولنا تجري التحالفات والقوي للحفاظ على المصالح والحفاظ على الذات ، أما نحن فلا ما زلنا مصرين أن نواجه بعضنا بعضا مواجهة الديوك التي تريد نتف ريش بعضها البعض .
هناك تجربة جرت مؤخرا وباليتها تكون درسا يستفاد منه ، تجربه تمر علينا دون التدقيق فيها ، ما زال الوقت سانحا للاستفادة منها لنعرف كيف أن المصلحة الوطنية العليا لأي شعب تقتضي اتخاذ قرارات قوية بعيدة عن العواطف والأهواء ، أنها تجربه دعوة مصر لوفد من حركة حماس لزيارتها للتباحث في موقف حركة حماس من الوضع الجديد في مصر ، جاءت الدعوة في ظل ذروة الاحتقان المصري رسميا وشعبيا ضد حركة حماس خاصة بعد إعلان وزير داخلية مصر بضلوع حركة حماس في عملية اغتيال النائب العام المصري ، وفي ظل هجمة شرسة يشنها بعض الإعلام المصري ليس على حماس بل على شعب فلسطين خصوصا في قطاع غزة ، وكانت الحكمة من الجانب المصري بأن تعالي يا حماس حتى نسمع منك ، وذهبت حماس للقاهرة وهناك بالتأكيد وضع كل شيء على طاولة البحث بشكل جدي لا لبس فيه ، قال المصريون لحماس ما قالوا ، وردت حماس بما ردت ، بعدها هدأت النفوس كما نرى ، وبدأت التصريحات المتفائلة تطفو ، والآمال تقترب ، وما نراه من نشر قوات الأمن الوطني على طول الحدود مع مصر إلا دليلا على أن هناك ثمة شيء حقيقي تم الاتفاق عليه من شانه أن يعيد مياه العلاقات الفلسطينية في غزة إلى مجاريها مع مصر . إذن هنا تفهم وتفاهم ، هناك تغير للمواقف ، هناك تفهم لطبيعة المشكلة ، هناك إمكانية لحل أي معضلة ، فلماذا عند الانقسام نبقى متسمرين في أماكننا ونطالب بانهائة .
محصلة القول هو أن أوضاعنا لن تتغير أبدا طالما بقينا على هذه الحال ، طالما بقيت قياداتنا على ما هي عليه ، وأقول هنا بصراحة ، خاصة للأجسام و الحركات الجديدة التي تتكون من اجل إنهاء الانقسام ،أن من يقوم بالتعويل على تحركات شعبية قد تصل إلى العنف للتغيير فهو مخطئ ، ويجهل طبيعة تكوين المجتمع الفلسطيني ، فهو مجتمعا متجانسا أولا ، متشابكا ومتداخلا ثانيا ، فليس اقل من 70% من سكانه في تقديري تربطهم علاقات اجتماعية وثيقة من خلال تقارب النسب والمصاهرة من الحدود الشمالية عند بيت حانون وبيت لاهيا حتى الحدود الجنوبية عند رفح ومن الحدود الشرقية حتى ساحل البحر ، ترى معظم الأسر والعائلات تربطها هذه العلاقة هذا ابن أخت أو ابن خالة أو عمة ، وهذا خال أو ابن خال وهكذا . هذا من ناحية ، من ناحية أخرى هناك تداخل كبير في الانتماء الحزبي والفصائلي فكثير من العائلات والأسر ينتمي احد أفرادها اوبعضهم إلى حركة حماس وآخر إلى فتح وثالث إلى حركة الجهاد الإسلامي وهكذا .
لذلك المعطيات نجد أن مجتمعنا لدية الحس الوطني والاجتماعي والثقافي بالبعد عن المس بهذه العلاقة ، إذن كيف يمكن إنهاء الانقسام لتنتهي معاناة شعبنا ، والخروج من هذه الدوامة المميتة ،وعليه فمن الضرورة تتدارس إيجاد وسائل سلمية فاعلة وضاغطة بقوة لدفع الطرفين المتصارعين للرضوخ إلى إرادة الشعب الرافضة لاستمرار هذه الحالة إن الحل هو عند القيادة واقصد بالقيادة هنا القيادتين في رام الله وغزة ، المفروض أولا توفر الإرادة القوية لتجاوز كل الخلافات والإيمان القاطع بان تعدد الرأي هو مصدر قوة لهذا الشعب ولكل شعب ، يجب العمل على تهيئة الأجواء التي تساعد على تجاوز كل خلاف ، وقف الحملات التحريضية ضد بعضنا البعض ، ويجب وقف استخدام كل عبارات التخوين ، والانقلابيين والظلاميين ، يجب أن يكون الإعلام في كلا الطرفين إعلاما فلسطينيا نظيفا يهتم بقضايا شعبنا مع عدونا ومع محيطنا ، ويجب أن نضع كل الأمور بكل جدية وإخلاص على طاولة البحث ، وعند الاتفاق يتم التنفيذ دون الوقوف للتصيد هنا أو هناك ، ولتكون مصالحنا الوطنية فوق كل اعتبار .
أكرم أبو عمرو
غزة - فلسطين
27/4/2016