تتطلع معظم دول العالم إلى رضا أميركي عنها، وإلى علاقات وطيدة ومميزة معها، والأسباب مختلفة، إلا أن دولة واحدة في هذا العالم رغم اعتبارها ولاية أميركية، تكسر هذه القاعدة، وهي إسرائيل، فأميركا تتطلع إلى رضا إسرائيل عنها، رغم المماحكات بينهما التي تتصادم أحياناً مع السياسة الأميركية، -الاتفاقية النووية مع إيران مثالاً- فالإشكاليات كثيرة، لكن الولايات المتحدة تصفح عنها وكأن شيئاً لم يحدث، وتعود المياه إلى مجاريها الطبيعية حتى أن المصالح الإسرائيلية، والأمن الإسرائيلي، وضرورة إبقاء إسرائيل متفوقة عسكرياً على جميع الدول العربية، من أهم المواضيع المطروحة من قبل جميع المرشحين، لانتخابات الرئاسة الأميركية، ومسامحة أميركا للعرقلة التي وضعتها إسرائيل وما زالت فيما يتعلق بالعلاقات الأميركية-الإيرانية، بعد أن أشعلت إسرائيل ولوبياتها وأعضاء الكونغرس الأميركي، وقيادات أميركية حرباً شرسة لمنع التوصل للاتفاق مع إيران، وللمزيد من الابتزاز من أميركا، والحصول على ثمن أكبر مقابل الاتفاق، ويجري حالياً محادثات أميركية-إسرائيلية بصمت، بعيدة عن وسائل الإعلام، حول ما يسمى بالتعويضات والمساعدات المالية والأمنية، التي ستحصل عليها إسرائيل من أميركا، تعويضاً عن الاتفاق النووي مع إيران، وكما جاء في كتاب "التوراة" "قتلت وورثت"، وهذا ينطبق على العلاقات الإسرائيلية-الأميركية، مع أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي اعترف، أنه لا خطر ولا خوف على إسرائيل، وأن الجيش الإسرائيلي على حد قوله، من أقوى الجيوش في العالم، ويبدو أن الرئيس "باراك أوباما"، الذي تلقى الصفعات المتتالية من قبل "نتنياهو"، وتعرض للتحريض من الكونغرس والرأي العام الأميركي، يبدو أنه على استعداد لمواصلة تقديم المساعدات والتطمينات لإسرائيل، منها: زيادة المساعدات العسكرية، زيادة الوجود العسكري الأميركي في إسرائيل، زيادة تخزين الأسلحة المتطورة في مستودعات الجيش الأميركي، في إسرائيل، باستطاعة إسرائيل الاستفادة منها عند الحاجة، زيادة التعاون في مجال الدفاع الصاروخي، تمديد مذكرة التعاون والمساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل، التي وفرت منذ توقيعها عام 2008 لإسرائيل، ولمدة عشر سنوات، ثلاثة مليارات دولار سنوياً، وتطالب إسرائيل رفعها لتجديد الاتفاق الإستراتيجي لعشر سنوات أخرى إلى خمس مليارات دولار سنوياً.
اما على صعيد الأسلحة المتطورة والحديثة، فإن إسرائيل تطالب بتزويدها بطائرات مقاتلة من طراز "أف-35"، الحديثة التي يحظر تزويد دول أخرى بها، ثم زيادة البحث والتطوير العلمي المشترك بين البلدين، المدني منه والعسكري، وتزويد إسرائيل بقنابل متقدمة خارقة للتحصينات، تعزيز قوة الردع الإسرائيلية-في حال احتالت إيران على الاتفاق النووي الموقع- تزويد إسرائيل بالنوع الخاص من الذخائر ليكون لديها خيار عسكري في حال وجود خروقات إيرانية للاتفاق، فالولايات المتحدة حولت لإسرائيل-حسب جريدة "يديعوت احرونوت 18-9-2015"- (350) مليون دولار إضافة للمساعدات السنوية، على خلفية الاتفاق النووي مع إيران، لدعم مشروع القبة الحديدية، فتعزيز قدرات إسرائيل العسكرية، بغياب أي تقدم لحل القضية الفلسطينية، ودون أية التزامات إسرائيلية لحل الدولتين، مع استمرار الهجمة الاستيطانية، مما يزيد من غرور إسرائيل، واستمرارها بسياسة التوسع وفي تكريس الاحتلال.
لقد كشف موقع "واللا" الإلكتروني العبري بتاريخ "7-4-2016"، عن قيام الجيش الأميركي، في بناء معسكر سري وسط إسرائيل، مصمم لمواجهة الأخطار من الصواريخ الموجودة بحوزة إيران، وحزب الله اللبناني، وحركة حماس في غزة، وقد وصل بناء المعسكر –حسب المصدر- إلى مراحل متقدمة، وسيكون محصناً ضد الهجوم الصاروخي، وستتواجد فيه وحدات من الجيش الأميركي، بشكل دائم، يعمل على مدار (24) ساعة، وسيكون هذا المعسكر مرتبط بمركز الرادار، في مفاعل "ديمونا"، وهذا الرادار يشغل من قبل الجيش الأميركي، فإسرائيل مرتاحة جداً لهذا المعسكر الذي سيساهم بشكل كبير في زيادة قدرات منظومة الدفاع عن إسرائيل، وبخاصة حسب المعلومات فإن هذا المعسكر سيقوم بتركيب أنظمة الصواريخ الدفاعية المختلفة، من منظومات حيتس إلى باتريوت ومعطف الريح والقبة الحديدية، للدفاع عن إسرائيل في حال قرعت طبول الحرب، فإن ست قواعد تخزين أميركية في إسرائيل، تحتوي على معدات عسكرية بقيمة مليار دولار، موضوعة تحت تصرف إسرائيل، وكل المطلوب منها الاستئذان من أميركا، وتحتوي هذه المستودعات العسكرية السرية المنتشرة في أنحاء إسرائيل على الذخيرة والقنابل الذكية والصواريخ والمركبات من أنواع مختلفة، إضافة إلى مستشفى عسكري مع (500) سرير، وهذه المستودعات موجودة في مدينة هرتسيليا، وفي مطار بن غوريون، وفي قاعدتي سلاح الجو (عوفدا) و(نبطيم) في النقب، بعضها مبنية في أقبية تحت الأرض، وجاء في بيان خاص صدر عن البيت الأبيض، بأن القوات الإسرائيلية تتمتع بقدرة الوصول إلى مخازن الطوارئ الأميركية، وحسب موقع "واللا العبري 8-4-2016"، ففي إطار مناورات الدفاع الجوي الأكبر في العالم، التي تجريها الولايات المتحدة مع إسرائيل، وتسمى "جنيفر كوبرا"، أبقت أميركا المعدات العسكرية وبطاريات الصواريخ المحمولة جواً وبحراً في إسرائيل، لإقناعها بالأمان إلا أنه ليس لديها قناعة بأن لا خوف عليها، فالمظلة الأميركية لحمايتها حقيقة وقائمة، فإسرائيل تتخوف من حزب الله الذي يملك –وفق معلوماتها- ما يزيد عن (120) ألف صاروخ، وزاد من جهودها لاستيعاب صواريخ أكثر دقة لاستهداف منشآت إستراتيجية وعسكرية إسرائيلية.
إن المعسكر أو القاعدة الأميركية الجديدة، تعتبر أكبر مساهمة أميركية في حماية إسرائيل وجبهتها الداخلية من الصواريخ التي تهددها، أما محطة الرادار المقامة في مفاعل "ديمونا" والتي تعرف باسم (X) قادرة على رصد إطلاق أية صواريخ على إسرائيل، من مسافات آلاف الكيلومترات، فالقاعدة الأميركية المقامة في إسرائيل، تعتبر مشاركة مباشرة، في مواجهة الصواريخ، أو الاعتداءات الخارجية التي قد تتعرض لها إسرائيل، كما أن الأسلحة التي قد تحتاج إليها إسرائيل، ستكون خارج نطاق المساعدات المالية والعسكرية التي تحصل عليها سنوياً، إذ أن هذه المخازن تحوي فائض الأسلحة والذخائر الأميركية، ومع كل هذه المساعدات والدعم، فإن رئيس لجنة الشؤون العامة الأميركية-الإسرائيلية، وزعت بياناً جاء فيه:" أن تعهدات الولايات المتحدة لتعزيز أمن إسرائيل-بعد الاتفاق النووي مع إيران- ليست كافية، وأن الوعود والتعهدات الأميركية لأمن إسرائيل، ليست مضمونة.
لقد حدد الرئيس "باراك أوباما" أربع مجالات سيتم فيها التعاون مع إسرائيل:1-تمديد المساعدات الأمنية لعشر سنوات أخرى، 2-بحث دفاع صاروخي مشترك، 3-جهود مشتركة للكشف عن الانفاق، 4-تعزيز الجهود لمواجهة التهديدات التقليدية، ولم يفت الرئيس "أوباما"، من العمل على منع حزب الله من الحصول على الصواريخ، وفي نفس الوقت، فإن الولايات المتحدة، تعمل على عرقلة تمرير المشروع العربي الذي تقوده مصر، لفرض الرقابة على المفاعل النووية الإسرائيلية، في المقابل فإن رئيس البعثة الأمنية الإسرائيلية السابق في سفارة إسرائيل بواشنطن، "دان اربيل"-والذي يعمل حالياً محاضراً في الجامعة الأميركية- قال: أن ما يقدمه الرئيس الأميركي لإسرائيل، قائمة شاملة جداً تحقق الرضا لمؤسسة الدفاع الإسرائيلية، وأن حلفاء أميركا في الخليج يتمنون الحصول على مثل هذه الضمانات والمساعدات التي تحصل عليها إسرائيل.
فإسرائيل ... وعلى الرغم من الدعم الأميركي الهائل، والقواعد الأميركية العسكرية للدفاع عنها، فإنها ما بين الافتخار بقوتها وعظمتها العسكرية، التي تتفوق على الدول العربية مجتمعة، وبين الإدعاء بمعضلة الأمن الإسرائيلي عند مطالبتها الانسحاب من الأراضي المحتلة، لتجد ذريعة أمنها للحيلولة دون الانسحاب، وتتذرع بخطوطها الحمر التي لا نهاية لها، فـ "نتنياهو" الذي ذهل هو وحكومته، حينما علموا أن الرئيس "أوباما"، والرئيس الروسي "بوتين"، طلبا من وزيري خارجيتهما "كيري" و"لافروف"، تضمين مسودة الاتفاقية التي ستطرح على مؤتمر جنيف لإنهاء الحرب في سوريا، بنداً يتعلق بإعادة هضبة الجولان من الاحتلال الإسرائيلي إلى سوريا، هرع "نتنياهو"، بالسفر إلى موسكو للقاء الرئيس الروسي للبحث في مستقبل الجولان، وفي الاحتكاكات التي جرت بين الطائرات الروسية والإسرائيلية فوق الجولان، فأحد من دول العالم لم يعترف بضم الجولان لإسرائيل، ووزير الخارجية المصرية أعلن أن هضبة الجولان جزء لا يتجزأ من الأراضي السورية، وأن ما أعلنه "نتنياهو" بأن الجولان جزء من إسرائيل يمثل انتهاكاً للشرعية الدولية، ورئيس المجموعة السورية المعارضة د. "حجاب" قال أن الجولان أراضي سورية وستعود لها، فإن سياسة الأطماع والتوسع الإسرائيلية، ستقودها إلى الانتحار، إن كان عاجلاً أم آجلاً، فقضية فلسطين ستبقى سيفاً مسلطاً عليها حتى إنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية.
بقلم/ غازي السعدي