إلى متى ستبقى القضية الفلسطينية رهن المبادرات

بقلم: علي ابوحبله

منذ أوسلو ولغاية الآن والقضية الفلسطينية تسير في نفق مظلم دون أن نرى ضوءا في نهاية النفق للمبادرات الامريكيه والأمم المتحدة وآخرها المبادرة الفرنسية التي أعلنت إسرائيل رسميا رفضها مبادرة سلام طرحتها فرنسا، مؤكدة مجددا أن المفاوضات المباشرة مع الفلسطينيين هي السبيل الوحيد لحل الصراع المستمر منذ عقود. وقبل أسبوع كانت قد أعلنت فرنسا أنها ستعقد مؤتمرا دوليا في باريس في 30 مايو/أيار في محاولة لإعادة إطلاق المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين بحلول نهاية العام الجاري.وجاء في بيان لوسائل الإعلام أصدره مكتب رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الخميس 28 أبريل/نيسان أن "إسرائيل متمسكة بموقفها وهو أن السبيل الأمثل لحل الصراع... هو عبر المفاوضات الثنائية المباشرة". ولم يذكر البيان بشكل صريح أن إسرائيل لن تحضر أي نوع آخر من اللقاءات لكنه أضاف أن "أي مبادرة دبلوماسية أخرى ستبعد الفلسطينيين عن المحادثات المباشرة."

هذا الرفض الإسرائيلي يدلل على أن الاحتلال الإسرائيلي يسير بمخططه ألتهويدي والاستيطاني وتدمير أي رؤيا للحل السياسي الذي ما زال الفلسطينيون والعرب متمسكون بالمبادرة العربية للسلام ورؤيا الدولتين والذي ترفض حكومة الاحتلال الصهيوني التعاطي مع كافة الحلول والمقترحات الدولية .

الجهود الأمريكية المتعثرة للتوسط في عقد اتفاق بشأن حل الدولتين منذ أبريل نيسان 2014 وتركيز واشنطن على الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في نوفمبر/تشرين الثاني حصلت باريس على موافقة دول على حضور مؤتمر يحدد إطار عمل لإعادة الإسرائيليين والفلسطينيين إلى مائدة التفاوض.

ومن المقرر أن تشمل المحادثات التي تعقد في مايو/أيار المجموعة الرباعية الدولية التي تضم الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة إضافة إلى الجامعة العربية ومجلس الأمن الدولي ونحو 20 دولة ،ولم تتم بعد دعوة مسئولين إسرائيليين أو فلسطينيين للمؤتمر، لكن الفلسطينيين رحبوا بالمبادرة الفرنسية، وقال وزير الخارجية رياض المالكي إنهم يتطلعون للمساعدة في عقده.

وبعد لقاء جمع المبعوث الفرنسي الخاص بيير فيمون بدبلوماسيين إسرائيليين الشهر الماضي أعلنت إسرائيل أنها تحاول جاهدة "فهم المنطق" وراء مبادرة باريس. وقال دبلوماسي فرنسي وقتها إن المبادرة مطلوبة لتجنب تفجر الوضع .

.فيما قالت مصادر سياسية إسرائيلية لصحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية إن إسرائيل رفضت المبادرة الفرنسية لتوقيع اتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين بمدة زمنية خلال عامين. وأشارت الصحيفة نقلاً عن المصادر الإسرائيلية إلى أن وضع سقف زمني مسبق للاتفاقية سيؤدي لفشلها، مستدلةً بأن وزير الخارجية الأمريكي جرب سابقاً وضع سقف زمني إلا أنه فشل في ذلك. وكان وزير خارجية فرنسا قال أمام البرلمان الفرنسي :" إن فرنسا لديها جهود بالتعاون مع المجتمع الدولي لطرح مبادرة سلام للتوصل إلى اتفاقية بين الجانب الفلسطيني والإسرائيلي خلال عامين". ولفت إلى أنه في حال فشلت الجهود فأن الحكومة الفرنسية ستمارس حقها بعد سنتين بالاعتراف بالدولة الفلسطينية. وأوضحت المصادر الإسرائيلية بالقول:" سبق وأن حدد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري سقف زمني للمفاوضات يصل لتسعة أشهر، لكن المفاوضات في النهاية فشلت بسبب تهرب أبو مازن ورفضه الاعتراف بإسرائيل كوطن قومي للشعب اليهودي .

إن غياب الإرادة السياسية لدى الولايات المتحدة الأمريكية نفسها في مواجهة الصلف الإسرائيلي، وتفعيل الشرعية الدولية في مواجهته هي السبب في الإخفاق المتوقع لكل الجهود التي تقودها الولايات المتحدة وحتى الدول الاوروبيه المتوجه بالمبادرة الفرنسية ومنذ ثلاثة وعشرون عاماً فشلت أمريكا بإحلال السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين بشكل خاص وبينهم وبين العرب بشكل عام.

فمنذ مبادرة السلام العربية الأولى التي أطلقها المرحوم الملك فهد بن عبد العزيز وتبنتها القمة العربية في مدينة فاس سنة 1982م وما تلاها من جهود دولية كانت الأطراف العربية الأكثر تجاوباً مع المعلن من تلك الجهود سواء في مؤتمر مدريد للسلام سنة 1991م وغيره من الجهود التي بذلت وتوجت الرغبة العربية والفلسطينية في السلام في قمة بيروت العربية لعام 2002م في اعتماد مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز للسلام بين العرب وإسرائيل أساساً للحل العادل للقضية الفلسطينية وفق الشرعية الدولية التي تؤدي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية ومخلفاته من استيطان وغيره وتمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة وفي مقدمتها حقه في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية القابلة للحياة وعاصمتها القدس الشرقية.

إلا أن إسرائيل مازالت تفوت الفرصة تلو الأخرى مستخدمة ذرائع واهية يكشفها مشروعها الاستيطاني والتوسعي على حساب الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة واستمرارها في سياسة القفز والتجاوز للتطلعات الوطنية الفلسطينية التي باتت لا تقبل التجاوز أو التجاهل أو النسيان كما ظن ويظن قادة إسرائيل السابقين واللاحقين، رغم ما يعتري الحالة الوطنية الفلسطينية من انشقاقات وانقسامات قد تستفيد منها إسرائيل مرحلياً للتغطية على مواقفها المعادية للسلام ولإنهاء الصراع.

لقد أدركت القوى الدولية مجتمعة أن إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي يتمثل في إيجاد الحل العادل للقضية الفلسطينية وأن ذلك أصبح ضرورة دولية لا إقليمية فقط!! كما يدرك خبراء إسرائيل أن القضية الفلسطينية هي جوهر الصراع ولا يمكن التوصل لإنهائه دونها، وهذا ما يفسر جدول أعمال مؤتمر هرتسيليا السنوي الذي يتصدر جدول أعماله منذ الدورة الأولى في عام 2000م إلى الدورة الأخيرة في عام 2015م تتصدره المسألة الفلسطينية والأمن الإسرائيلي وهما في الحقيقة بند واحد لارتباطهما الوثيق بمستقبل إسرائيل في المنطقة، لكن قادة إسرائيل والقوى العنصرية والفاشية المتطرفة المتحكمة في قرارها لا زالت تعتقد أن المسألة الفلسطينية ومسألة الأمن لا يمكن التعامل معهما إلا عبر سياسة القوة الغاشمة التي لا تقيم وزناً للشرعية الدولية ولا للتحولات الجارية في مواقف الدول والمبنية على أساس مصالحها وفي مقدمتها الدول الأوروبية وأخيراً الولايات المتحدة الأمريكية التي أصبحت ترى في إقرار التسوية والسلام في المنطقة مصلحة أمريكية عدا عن كونها مصلحة إسرائيلية وفلسطينية، لذلك على القوى الدولية وفي مقدمتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبعد رفض التعاطي مع المبادرة الفرنسية أن تفضح هذه المواقف الإسرائيلية المغامرة بمصالح الشعوب بل أصبحت هي الخطر بعينه على مستقبل إسرائيل في المنطقة،

لقد فشل السيناتور ميتشل الذي سبق وان كلف من الرئيس أوباما في ولايته الأولى بالإشراف على المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية بهدف إحلال السلام في الشرق الأوسط وهو الخبير الذي أوصل الإيرلنديين إلى اتفاق الجمعة العظيمة الذي أنهى بموجه صراعاً دام سبعة قرون

لم ينجح ميتشل في تحقيق ما وعد الرئيس الامريكي بتحقيقه لاقامة دوله فلسطينيه بنهاية ولايته الاولى كما فشل الرئيس الامريكي جورج بوش الابن بتحقيق رؤيا الدولتين بخارطة الطريق واليوم اسرائيل ترفض التعاطي مع المبادره الفرنسيه وتصر على مفاوضاتها المباشرة العبثيه .

وسبق للمبعوث الهولندي روبرت سيرى عمله كمنسق خاص لعملية السلام فى الشرق الأوسط وممثل شخصى للأمين العام للأمم المتحدة لدى السلطة الفلسطينية. وسيرى صاحب خبرة طويلة فى المجال الدبلوماسى حيث كان سفيرا لهولندا لدى أيرلندا، كما كان مديرا ومساعدا للأمين العام للأمم المتحدة لإدارة الأزمات بحلف الناتو، كما ترأس قسم الشرق الأوسط فى وزارة الخارجية الهولندية. وشهد سيرى الحرب الوحشية التى وصفت بالأسوأ فى الصراع العربى الإسرائيلى حرب غزة 2008 وكان موقفه شجاعا حين قدم تقريرا لبان كى مون الأمين العام للأمم المتحدة ينتقد فيه استهداف إسرائيل للمدنيين ولمدارس الأمم المتحدة وواصل مساعيه حتى تم عمل لجنة لتقصى الحقائق حول جرائم الحرب الإسرائيلية فى قطاع غزة، وقد رد سيرى على الانتقادات الإسرائيلية قائلا: إننى أعمل من أجل تعزيز جهود الأمم المتحدة لدعم المفاوضات الرامية إلى إنهاء النزاع الفلسطينى الإسرائيلى التى أعيد إطلاقها فى مؤتمر السلام للشرق الأوسط برعاية الولايات المتحدة فى أنابوليس، وليس من مصلحتى الانحياز لطرف على حساب آخر. سيرى واصل انتقاداته لإسرائيل واستئناف سياسة هدم المنازل فى الضفة الغربية, وحذر الإسرائليين من أى تصرفات تبعث بشارات غير مشجعة تتناقض مع مزاعم إسرائيلية بالعمل على تحسين الظروف المعيشية فى الضفة الغربية، وإرساء مجتمع فلسطينى لإحلال السلام. لعب سيرى دورا كبيرا أثناء العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة من أجل وقف إطلاق النار، ودعا إلى وضع شروط جديدة على الأرض للحيلولة دون العودة إلى الوضع الذى كان قائما قبل الهجوم الإسرائيلى. وتتضمن هذه الشروط كما يقول سيرى- تعهدا من حماس التى تسيطر على غزة بوقف الهجمات الصاروخية وتهريب الأسلحة، وكذلك فتح المعابر إلى غزة بشكل دائم، وإعادة غزة تحت قيادة السلطة الفلسطينية التى تحكم الضفة الغربية، وفى الوقت نفسه قام سيرى بزيارة قطاع غزة أكثر من مرة ودعا لإنهاء الحصار عن القطاع وفتح المعابر أمام الفلسطينيين، لإدخال المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية والسماح بسفر الأطفال المصابين للعلاج بالخارج.

الرئيس الأمريكى باراك أوباما الذي وضع على عاتق السيناتور جورج ميتشيل مبعوث السلام الى المنطقة لترميم ما فعلته إدارة بوش السابقة التى تركت الفلسطينيين وحدهم فى العاصفة وغضت بصرها عن التوسع الاستيطانى والجدار العازل والحصار المستمر للفلسطينيين. لكن ميتشيل رغم كونه سياسيا مخضرما ومفاوضا ماهرا، إلا أنه أدرك جيدا صعوبة التفاهم مع الحكومة الإسرائيلية المتطرفة برئاسة نتنياهو والتى تعتبر المستوطنات خطا أحمر، بل إن وزير الخارجية الإسرائيلى نفسه أفيجدور ليبرمان في الحقبه الماضيه يقيم فى مستوطنة بالقدس ويقوم برنامجه فى حزب إسرائيل على بناء المزيد من المستوطنات، بينما يريد ميتشيل التركيز بشكل أساسى على قضية المستوطنات الإسرائيلية فى الضفة الغربية، فهو يدرك -مثل غيره من السياسيين الأمريكيين- أن استمرار سياسة الاستيطان التى تتبعها الحكومة الإسرائيلية تقف عائقا حقيقيا أمام جهود السلام. هذا العائق يتضارب مع التأكيدات الإسرائيلية المتكررة بعدم بناء مستوطنات جديدة، ويتعارض أيضا مع الوعود الإسرائيلية بتفكيك ما يعرف بـ«المستوطنات غير الشرعية»، وتصر إسرائيل رسميا على أن توسيع المستوطنات القائمة حاليا يأتى استجابة للنمو الطبيعى السكانى لها، كما أن القدس تستمر فى تجاهل حقيقة اعتبار المستوطنات فى الأراضى المحتلة «غير شرعية» فقط فى حالة أن بناءها لم يتم بمصادقة الحكومة الإسرائيلية، بل إن المستوطنات فى كل المناطق المحتلة تتعارض مع مبادئ القانون الدولى، ولذا فهى كذلك «غير شرعية»،وخلال تلك الفترة، أعد ميتشل تقريرا حمل اسمه، وصدر فى العام 2001، وطالب فيه بوقف إقامة مستوطنات جديدة، كما طالب الفلسطينيين ببذل مزيد من الجهود لوقف العنف، ولكن بوش تدخل ومنع التقرير، وقام بعزل ميتشيل من منصبه.

امام كل تلك المبادرات والمحاولات التي ثبت فشلها فان الرفض الاسرائيلي للمبادرة الفرنسيه كان متوقعا وكعادة حكومة الاحتلال الاسرائيلي التي تسعى دائما للحصول على مزيد من الشروط والتنازلات من الجانب الفلسطيني بهدف افراغ المبادره الفرنسيه من مضمونها اسوة بالمبادرات والمحاولات السابقه

ويبقى السؤال عن الخيارات الفلسطينية تجاه هذا الرفض الاسرائيلي للمبادره الفرنسيه وان هذه الخيارات ستبقى محدودة وتكاد تكون خجولة، ولن يكون أمام القيادة الفلسطينية سوى المزيد من الانتظار، ومجاملة المجتمع الدولي لكسب ودهم

ان مجاملة القياده الفلسطينيه للمجتمع الدولي حتى يقتنع بأن الفلسطينيين ليس لهم أي مسئولية اتجاه فشل الجهد الدولي لوضع حد للصراع"،هذه المجامله اصبحت لا تجدي امام التوغل الاستيطاني والجرائم التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني لان العالم لم يعد بحاجه لقناعات فهو مدرك منذ نكبة فلسطين ولتاريخ اليوم ان اسرائيل كيان غاصب وتوسعي وان الاوان لتحرر القياده الفلسطينيه من عقدة اقناع المجتمع الدولي وتحميل الكيان الاسرائيلي لمسؤولية الفشل ، لان هذه السياسه ثبت فشلها واصبح لزاما تحرر القضيه الفلسطينيه من الرهان على المبادرات التي لا تغني ولا تسمن من جوع طالما هي تتمحور بالتوصيات والمحاولات ولا بد من موقف استراتيجي فلسطيني متحرر من كل القيود ومن قرارات فلسطينيه حاسمه تخلط جميع الاوراق فهل ستخطوا القياده الفلسطينيه الخطوة الاولى بتطبيق توصيات المجلس المركزي والتحلل من اتفاقية اوسلو وملحقاتها ووضع المجتمع الدولي امام مسؤولياته.

بقلم/ علي ابوحبله