كتائب القسام تهدد ولا تحذر

بقلم: فايز أبو شمالة

للفلسطينيين تجربة طويلة مع عدوهم الإسرائيلي؛ أقنعتهم بأن عدوهم لا يفهم إلا لغة القوة، وأن عدوهم الإسرائيلي لن يتوقف عن تكسير رؤوسهم إلا إذا أيقن أنهم قادرون على تكسير رأسه بالمثل، أو طبشه بحجر يشوه وجهه على أبسط تقدير.

قبل يومين صدر عن نتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي تصريحين استفزازيين؛ إذ جاء تصريحه الأول على صيغة تهديد لغزة باستمرار الحصار؛ وعدم السماح دخول مادة الاسمنت، وأن لا ميناء لغزة، وجاء تصريحه الثاني أكثر استفزازاً إذ أعلن رفضه الرسمي للمبادرة الفرنسية التي تعلقت عليها آمال السلطة الفلسطينية للخروج من مأزق التجاهل والنسيان.

فماذا كان ردة الفعل الفلسطينية؟

في الضفة الغربية أعلنت السلطة الفلسطينية بلسان الحكومة وبلسان أكثر من مسئول نافذ أن جارتنا إسرائيل قد أدارت ظهرها لعملية السلام، وعلى المجتمع الدولي أن ينقذ حل الدولتين، وأن يعيد عربة السلام إلى مسارها الصحيح. وأزعم أن هذا الرد هو غاية التحدي الفلسطيني، ومنتهى التصعيد الرسمي ضد الاحتلال الإسرائيلي، وكفى الله السلطة الفلسطينية شر القتال، فقد أبلغت الرسالة للإسرائيليين، وأدت الأمانة للفلسطينيين، وعلى المجتمع الدولي أن يتحرك لوقف الاستيطان، والضغط على إسرائيل لاستئناف المفاوضات.

أما في غزة؛ فقد أعلنت حركة حماس بلسان نائب رئيس مكتبها السياسي أن غزة لن تسكت على الحصار، وأن الانفجار قادم إذا لم يراجع العدو حساباته، وفي الوقت نفسه صدر بيان عن كتائب القسام، تهدد فيه بفك الحصار أو الانفجار، وأزعم أن هذا التهديد له ما بعده من فعل على الأرض، أعدت له كتائب القسام عدتها، ورتبت له نفسها، وهي تمتلك القوة المعنوية والروحية والمادية القادرة على مواجهة العدو الإسرائيلي، أو إرباك مخططاته على أقل تقدير.

فماذا يعني التهديد بالانفجار الذي صدر عن المستوى العسكري لحماس؟

إن تهديد كتائب القسام بالانفجار لا يعني أنها ستقوم بتحريك المظاهرات داخل شوارع غزة، لتهتف بسقوط الاحتلال، فهذه المظاهرات لا تفك حصاراً، ولن تعكر مزاج المحتلين، والانفجار لن يكون بتوجه ألاف المواطنين إلى الحدود مع العدو الإسرائيلي للمطالبة بتدخل المجتمع الدولي لفك الحصار عن غزة، فالذي يحرك الجماهير إلى الحدود هي المنظمات الأهلية، والمؤسسات الخيرية والحركات الإنسانية، ولا تحركها كتائب القسام، التي لها القدرة على تحريك رجالها وقدراتها العسكرية التي قد تباغت الإسرائيليين، وتفاجئهم على النحو التالي:

الأول: أن تلجأ كتائب القسام إلى أسلوب التنقيط في القذائف والصواريخ التي تربك حياة المستوطنين في محيط غلاف غزة، ليشاطر المستوطنون سكان غزة المعاناة نفسها، ويعيش اليهودي والعربي نفس الظروف القاسية، وهذا ما لا تحتمله إسرائيل لفترة طويلة، وهذا ما سيجبر إسرائيل على اختيار فك الحصار عن غزة، وتهدئة الأوضاع، أو تدحرج الرد والعدوان حتى الوصول إلى حرب سنة 2014 بنسخة جديدة متطور لسنة 2016

الثاني: أن تلجأ كتائب القسام إلى مفاجأة العدو الإسرائيلي، وتبادر إلى تنفيذ عمل هجومي متقن خلف خطوط العدو، وهذه المفاجأة المرعبة ما تتخوف منه أوساط أمنية إسرائيلية، وفي هذه الحالة ستكون غزة في مواجهة عدوان إسرائيلي أكثر وحشية من عدوان 2014، وسترد المقاومة بشكل أكثر وجعاً ومفاجأة للإسرائيليين.

الثالث: بهدف التأكيد على الرابط المصيري بين قطاع غزة والضفة الغربية، قد تقوم كتائب القسام بتنفيذ عمليات استشهادية مرعبة داخل المدن الإسرائيلية نفسها.

الأيام القادمة التي تحمل للضفة الغربية الكثير من الإهمال السياسي والتجاهل الرسمي، تحمل للضفة الغربية وغزة معاً الكثير من المفاجئات الميدانية والأحداث المتلاحقة، ولاسيما أن غزة تقف أمام خيار فك الحصار أو الانفجار، وتقف الضفة الغربية أمام خيار التسليم بضياع الأرض للمستوطنين واللهاث خلف وهم عملية السلام، أو المواجهة الشاملة بكل ما يتوفر من وسائل قتال، وفي كلا الحالتين لن تخسر غزة والضفة الغربية أكثر مما خسرتا حتى الآن، ولن يحقق العدو الإسرائيلي مكاسب من تطور المواجهة أكثر مما حققه من حالة الهدوء الزائف.

فك الحصار أو الانفجار لا تعني إلا حتمية المواجهة، وفي زمن ليس ببعيد، والذي سيخسر من أي مواجهة قادمة هو العدو الإسرائيلي؛ الذي يعيش الآن حالة من الأمن الواهم مع تواصل الحصار الظالم، وهذا ما لا يمكن أن ترضى به المقاومة، والتي ستحرص على تعديل الوضع القائم ولمرة واحدة وإلى الأبد، ولاسيما أن تجربة العدو قد أكدت له استحالة تغيير الواقع القائم في غزة حتى ولو واصل عدوانه لمئة يوم، وحتى لو أوقع في صفوف السكان آلاف الضحايا، ودمر مئات المباني والأبراج السكنية، فالنتيجة النهائية التي سيصل إليها العدو الإسرائيلي من عدوانه المكثف والمتواصل والإرهابي هي وقف إطلاق النار، وبقاء المقاومة مسيطرة على الأرض، ولكن بعد أن تكون قد زعزعت أمن الصهاينة الوهمي.

د. فايز أبو شمالة