الشاب الخريج سعيد لولو يواصل اضرابه عن الطعام لليوم الخامس على التوالي وبرفقته اثنين من الخريجين في ساحة الجندي المجهول في مدينة غزة.
الشاب لولو يؤكد انه لن ينهى اضرابه الا بحلول حقيقية وجدية من قبل المسؤولين وليس لنفسه ومن معه ممن اضرب عن الطعام بل للخريجين عامة، وأنه وعلى الرغم من تدهور حالته إلا أن إضرابه وزملاءه المفتوح قائماً، وأن الدعوة لا زالت قائمة لاصحاب القضية لان ينتصروا لقضيتهم وعدم تركه هو ورائد وحدهم لأنهم يدافعون عن كل الخريجين العاطلين عن العمل.
حالة الشاب لولو تشبه إلى حد كبير آلاف الحالات من خريجين شعبنا الفلسطيني، فبعد سنوات مضنية من الدراسة يستعد الشاب لفرحة التخرج، وبعد اكمال المشوار الدراسي الطويل والشاق، يتمنى أن يحقق بذلك طموحه وامنياته واهدافه، لخدمة وطنه ومجتمعه، وإن أكثر ما يفكر فيه الطالب المتخرج، هو الحصول على فرصة تعيين، وربما يكون هذا بالتحديد، هو باب الحلم (الواقعي) الذي يمكن من خلاله تحقيق باقي الآمال والاهداف، ولكن لا يحدث شيء من هذه الآمال، حيث يتفاجأ الخريج بعد التخرج، بأن آماله قد تبددت بسبب عدم الحصول على تعيين، حتى لو كان اختصاصه جيدا، أو معدله عاليا، حيث يفاجئ الخريجون بمشكله ازدياد عددهم وبدلا من ان يشارك هؤلاء الخريجين بإبداعاتهم وعلمهم فى بناء وطنهم وتنميته، تبدأ معاناتهم فى البحث عن وظيفة تلبى لهم طموحاتهم وآمالهم فى الحياة ومن المفترض ان ينخرط هؤلاء الخريجين الى اماكن اخرى حساسه باعتبارهم عناصر شابه مزودة بخبرات علمية ومهنية تستجيب لمتطلبات العمل والتنمية، ولكن ما نراه هو العكس حيث ازداد عدد الخريجين ووصل إلى عشرات الآلاف من مختلف التخصصات وجميعهم عاطلين وبلا عمل فقد وجد الخريج نفسه وحيدا دون مساندة من حكومته التى يقع على كاهلها توفير فرص العمل له، مما دفعه لطرق أبواب اخرى لأنه أصبح تائها يريد عملا حتى ولو خارج تخصصه، وربما هذا العمل لا يحتاج إلى شهادة يلتحق بعمال تنظيف الشوارع أو بيع السجائر وهكذا أصبح الخريجون ضائعين يبحثون عن وظيفة فى دورة عمل مؤقتة ومهينه لا تتناسب ومؤهله العلمي باجر مخز بعد أن يأس من إيجاد وظيفة تلبى له طموحاته ارتفاع نسبة البطالة بين الخريجين، وأصبحت الوظيفة عمله نادرة غير متوفرة إلا من خلال واسطة سواء فى الحكومة او غيرها.
إن بطالة الخريجين ذلك المارد المستبد الذي يفتك بشبابنا ورجالنا، وتسحق الكرامة والأمل لديهم، فتلك الأيدي الخفية التي تقتل الأمل والتفاؤل والطموح لدى شعبنا وتقتل العزة بالنفس وتذله في كل مكان وزمان، فهي أحد وأكبر المشكلات وأخطرها والتي تواجه مجتمعنا الفلسطيني اليوم وتعيق النماء والتطور والإزدهار والاستقرار والتنمية فيها، وذلك لآثارها السيئة على الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعمرانية والمالية، فتعطيل الشخص القادر على العمل المحتاج إليه، وإحساسه بأنه عالة على مجتمعه وليس إنسان لديه كيان وقادر على العطاء، وحرمانه من المشاركة يحط من قيمته، ويهدم أركان الثقة الإيجابية داخله، فلا أذل ولا أثقل على الذات من الفاقه والحاجة، وهو في قمة نشاطة وعنفوانه، وليس هناك أمر من العجز عن توفير ملتطلبات الحياة الأساسية العيش الكريم له ولعائلته، مما يلقي بانعكاساته السلبية على النفس فيصيبها بالكابة والتوتر والإحباط والعصبية المفرطة فيولد عللاً نفسية وأمراض كثيرة لا حصر لها ولا تعد ولا تحصى.
إن السائر في شوارع وطرقات محافظات ومدن الوطن الفلسطيني، يرى ويشاهد في الميادين العامة والتقاطعات المرورية وبالقرب من الجامعات والمشافي، مناظرا مؤلمة خاصة وانت ترى شبابا يعملون في اعمال مقنعة ومغلفة بالبطالة وعندما تستفسر عن السبب يجيبوك في الحل ( نحن نسعى وراء لقمة العيش ).
وهنا لا نبالغ عندما نتحدث عن هذه الكارثة المسماه بالبطالة، حيث يعاني وطننا سواء بين فئة الشباب القادرين عن العمل أو بين الخريجين الجامعيين بخاصة بعد الإنقسام، فالبطالة بين الشباب المتعلم هي الظاهرة الأشد إيلاما في مجتمعنا الفلسطيني، فالشخص الحاصل على شهادة اكاديمية بكل مراحلها وعناوينها لم تأتي إلا بجهدٍ جهيد، وحينما تتوقف الخبرات في عقول هذه الفئة من الكفاءات دون استغلالها فانها تؤثر على العوامل النفسية لدى الشباب ولربما تحدث كوارث خطيرة كما حصل قبل ايام من حالات انتحار بسبب الفقر وتراكم الديون ونتمنى ان لا تتكرر هذه الحالة.
لا يوجد شيء أثقل على النفس من تجرع مرارة الحاجة والعوز المادي فهي تنال من كرامة الإنسان ومن نظرته لنفسه وعلى الخصوص عندما يكون الفرد مسؤولاً عن أسرة تعول عليه في تأمين احتياجاتها المعيشية، فعندما تشخص إليك أبصار الأطفال في المطالبة بمستلزمات العيش وترى في نظراتهم البريئة استفسارات كثيرة يقف المرء عاجزا لا يدري كيف يرد عليها وبأي منطق يقنعهم بقبول واقعهم المرير، كيف تشرح لهم أن رب الأسرة عاطل لا عمل لديه ولا يقدر على الاستجابة لرغباتهم والجوع كافر كما هو معروف.
كما ان للبطالة جوانب وسلبيات وخيمة واشد خطورة مما يتوقع المراقبون لهذه الحالة، فانها تؤثر على الجانب الامني والاجتماعي، فالشباب العاطل عن العمل ممكن ان ينحرف ويتدنى الى المستوى اللااخلاقي او تستغله بعض الجهات الإجرامية والعصابات التي تدفع الاموال الاغرائية وبذلك يكون قد خسرنا شبابنا وانحراف مجتمعنا.
وقد ازدادت في الاونة الاخيرة حدة البطالة في فلسطين ويعتقد بعض الخبراء الاقتصاديون أن التقديرات الإحصائية التي يصدرها الجهاز المركزي للإحصاء لا تعبر بالضرورة عن الواقع الموجود فعلا، فإن عدم وجود إحصائيات ثابتة في فلسطين للاعتماد عليها هذا يعني انه ليس بالإمكان معرفة المعدلات الحقيقية للبطالة، خاصة وأن تقدير البطالة متباين من مؤسسة الى اخرى، لذلك لا يمكننا حل المشكلة الخطيرة والسيطرة عليها وتجاهلها، وهذا هو السبب الرئيسي في ازدياد النسبة من سنة الى اخرى.
ومن هنا نحذر من المخاطر الكبيرة لبطالة الخريجين وخطرها المتفاقم وآثارها على الخريج بالدرجة الأولى، وعلى وطننا ومجتمعنا الفلسطيني بالدرجة الثانية، وضرورة اتخاذ خطوات عاجلة وسريعة وحقيقة في هذا الشأن، وأن تعمل الحكومة على إيجاد فرص عمل بالشكل الفوري والسريع وإحلال العدالة الاجتماعية وتوزيع الوظائف بصورة عادلة بعيداً عن المحسوبية والمنسوبية ومحاربة الفساد بكل أشكاله، واعتماد استراتيجية واضحة في تشغيل العاطلين عن العمل.
نعم إن اوضاع الخريجين صعبه جدا وماساويه وقد تجبر الكثير منهم للسفر خارج الوطن للعثور على فرصة عمل ليتخلصوا من معاناتهم النفسية، وليهربوا من جحيم ظروفهم الاقتصاديه وبناء مستقبلهم، فالخريجين أصحاب الحقوق المهضومة هم شريحة هامه من شرائح شعبنا والذي يعتمد عليهم وطننا بوزاراته ومؤسساته، لأنهم العنصر الاساسى من عناصر البناء والتنمية، وهم الشريحة الأهم للوطن وأصحاب الفضل دائما فى التطور والنمو، فهل هناك من سينظر بعين الرحمة والانسانيه إلى هؤلاء الشباب وحقوقهم ويعمل على حل مشكلتهم؟
وأعتقد أن الكلام يطول حول موضوع البطالة فمتى نجد من حكوماتنا حلولاً سريعة وناجعة لمشكلة البطالة المزمنة في وطننا فلسطين.
أخر الكلام:
إذا ما أرادت الحكومة وإذا ما أراد الشعب إن يساهموا في التطور والنجاح، عليهم أولا أن يشخصوا نقاط الخلل.
بقلم/ رامي الغف